حسناً فعلت قيادتا "حماس" و"الجهاد" بالمسارعة الى نفي أي علاقة لهما باستهداف موكب الأميركيين في غزة. ومن يعرف قيادتي الحركتين يصدّق هذا النفي. فالقيادتان تدركان ان استهداف الأميركيين لا يمكن أن يصب في مصلحة القضية الفلسطينية. وأن قتل الأميركيين على أرض فلسطينية يمكن أن يشكل هدية استثنائية لمجرم اسمه ارييل شارون. وأن مثل هذا العمل يخدم ما سعى اليه شارون منذ هجمات 11 أيلول سبتمبر وهو دفع الفلسطينيين الى المعسكر الآخر. ولا مصلحة للفلسطينيين في تسهيل محاولة شارون تقديم حربه على الفلسطينيين بوصفها جزءاً من "الحرب على الارهاب" التي أطلقتها الولاياتالمتحدة. يتمنى كل عاقل أن يكون ما حدث مجرد خطأ. أي أن يكون من ضغط على زر التفجير اعتقد بأنه يستهدف موكباً اسرائيلياً. أما تبني ما حدث فإنه يطرح علامات استفهام جدية حول الجهة المنفذة وانتماءاتها الحقيقية وبرنامجها. فالتبني يقود عملياً الى ربط الحرب ضد اسرائيل بالحرب ضد أميركا. وهذه قصة أخرى تساهم في سد الأفق أمام النضال الفلسطيني. وحتى لو وضعت عملية من هذا النوع تحت لافتة اليأس الذي تساهم المواقف الأميركية في تعميقه فإن ذلك لا يبررها ولا يخفض أخطارها وذيولها. ولا بد من ملاحظة الفروقات. ان استهداف الجنود الأميركيين في العراق على يد العراقيين شيء واستهدافهم على يد "المجاهدين" الوافدين الى "الساحة العراقية" شيء آخر. واستهداف عناصر من جيش يحتل بلداً شيء واستهداف موكب أميركي على أرض فلسطينية تحتلها اسرائيل شيء آخر. ان قتل الأميركيين ليس مسألة بسيطة. بعض المنظمات الفلسطينية يعرف ذلك ويدرك ثمنه الباهظ. نقول ذلك في ضوء التجارب وبغض النظر عن الانحياز الأميركي الى اسرائيل واندفاع الإدارة الأميركية الحالية نحو سياسات تتطابق مع سياسات شارون. يبقى ان إدارة جورج بوش تتقدم نحو إشعال الشرق الأوسط. فمن الطريقة التي تصرفت بها على أرض العراق بعد اقتلاع نظام صدام حسين الى الإفراط في استخدام سيف "الفيتو" في مجلس الأمن، الى "قانون محاسبة سورية" ومواقف واجراءات أخرى تبدو إدارة بوش كمن يصب الزيت على نار الشرق الأوسط. فهل بسيط مثلاً أن يعتبر ريتشارد بيرل، كبير مستشاري البنتاغون، ان اسرائيل "تأخرت كثيراً بضربها سورية"، وان يلوح ان الولاياتالمتحدة قادرة على "ارسال قوات احتلال الى سورية على رغم التزاماتها الراهنة في العراق"؟ واضح ان السياسة الأميركية تتحمل مسؤولية تعميق مشاعر الكراهية واليأس وتمهّد الطريق لانجاب أجيال جديدة من الانتحاريين الجوالين. لكن ذلك لا يبرر انزلاق جماعات أو منظمات أو دول الى لعبة تعميم الحريق وزعزعة استقرار المنطقة ودولها. فهذا البرنامج انتحاري فعلاً. وقد يكون شارون أول الرابحين منه.