القيادة تتلقى التهاني بنجاح موسم الحج    فتح القبول لحملة الثانوية للالتحاق بالكلية الأمنية    دولة الكويت تهنئ سمو ولي العهد بنجاح موسم حج هذا العام    نائب أمير مكة يعلن نجاح الحج ويوجه بالبدء فوراً في التخطيط للموسم القادم    المؤشرات التجارية السعودية تحقق مراكز متقدمة في التنافسية العالمية 2024    السعودية للكهرباء SEC تعلن نجاح الخطة التشغيلية لحج 1445ه ... وتسجيلها أحمال قصوى تاريخية غير مسبوقة    بطلة التايكوندو العالمية دنيا أبوطالب رابعة العالم    جمعية "كبار السن" تزور وتعايد كبار السن المنومين    الحجاج المتعجلون يبدأون في مغادرة مكة بعد طواف الوداع    الأمين العام لمجلس التعاون يهنئ القيادة بمناسبة نجاح موسم الحج    شيخ الأزهر يهنئ خادم الحرمين وولي العهد بنجاح موسم الحج    حاكم أم القيوين وولي عهده يهنئان خادم الحرمين الشريفين بنجاح موسم حج هذا العام    دعوا إلى انتخابات جديدة ..متظاهرون يطالبون بإسقاط حكومة نتنياهو    أمير الرياض ونائبه يهنئان القيادة الرشيدة بمناسبة نجاح موسم الحج    بعد كسر أنفه.. مبابي يرتدي القناع    بعثة القادسية تصل إسبانيا    مصرع 11 شخصًا في الأمطار الغزيرة بالسلفادور    17 شهيداً في غزة.. الأمم المتحدة: الوضع في غزة «جحيم»    رئيس الوزراء بجمهورية النيجر يُغادر جدة بعد أدائه مناسك الحج    بوتين يعين ثلاثة نواب جدد لوزير الدفاع    حاجة مغربية سبعينية تستعيد القدرة على المشي بعد استبدال مفصل الورك بتجمع مكة الصحي    جامعة جازان إلى العالمية بالتنمية المستدامة    أعياد المناطق.. تراث وعروض وسياحة    الطبقة الموسيقية الدولية: أداة توحيد للعزف والغناء    البرلمان العربي يدعو لتكثيف الجهود وتكاتف المنظمات الدولية للحد من خطاب الكراهية    الهلال يُنهي إجراءات بيع بيريرا لكروزيرو    النفط عند أعلى مستوى خلال أسابيع    أمطار بمعظم المناطق.. وأجواء حارة بالمشاعر    صفقة أسلحة أمريكية ضخمة إلى إسرائيل    الإمارات تخصص 70% من تعهدها البالغ 100 مليون دولار للأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية في السودان    مفتي عام المملكة يستقبل مدير عام الجوازات    طيار مصري يفارق الحياة في الجو… ومساعده يبلغ الركاب ويغير مسار الرحلة خلال رحلة من القاهرة إلى الطائف    6 نصائح للمتكممين خلال العيد    هذا سبب ارتفاع أقساط السيارات في الوقت الحالي    المملكة.. تهانٍ ممزوجة بالنجاحات    قائد أحب شعبه فأحبوه    في 2025.. ستصبح الشوكولاتة باهظة الثمن !    رسالة لم تقرأ..!    نجاح مدهش اسمه «إعلام الحج»    بعوضة في 13 دولة تهدد إجازتك الصيفية !    مصادر «عكاظ»: أندية تنتظر مصير عسيري مع الأهلي    800 مليار دولار قروض عقارية في الربع الأول    «هيئة النقل»: 350 ألف بطاقة سائق أصدرناها في عام واحد    48 درجة حرارة مشعر منى.. لهيب الحر برّدته رحمة السماء    جدة: منع تهريب 466 ذبيحة فاسدة    «ترجمان» فوري ل140 لغة عالمية في النيابة العامة    بديل لحقن مرضى السكري.. قطرات فموية فعّالة    5 مثبطات طبيعية للشهية وآمنة    فخ الوحدة ينافس الأمراض الخطيرة .. هل يقود إلى الموت؟    أمطار الرحمة تهطل على مكة والمشاعر    مدرب رومانيا: عشت لحظات صعبة    فرنسا تهزم النمسا في بطولة أوروبا    رئيس مركز الشقيري يتقدم المصلين لأداء صلاة العيد    القبض على إثيوبي في عسير لتهريبه (34) كيلوجراماً من مادة الحشيش المخدر    السجن والغرامة والترحيل ل6 مخالفين لأنظمة الحج    وزارة الداخلية تختتم المشاركة في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى إعلام الحج    د. زينب الخضيري: الشريك الأدبي فكرة أنسنت الثقافة    القبض على إثيوبي في الباحة لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالحليم خدام : النظام العربي المعاصر . مصر وسورية تتحدان ... تتكاملان وتتصادمان 2 من 4
نشر في الحياة يوم 17 - 01 - 2003

تواصل "الحياة" نشر حلقات أربع من كتاب جديد لنائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، يصدر قريباً في عنوان "النظام العربي المعاصر: قراءة الواقع واستشفاف المستقبل"، وهو يتناول الوعي القومي العربي في بواكيره الأولى وتطوراته، ويناقش مدى تقدير القوميين لوضع الاقليات ولموقع الدين الاسلامي من العروبة، ويتناول النظام العربي الراهن كما يتجسد في جامعة الدول العربية، انطلاقتها ومسارها المتعثر، ويتابع وضع النظام العربي في مرحلة الحرب الباردة وآفاق المشروع القومي العربي في ايامنا الحاضرة.
وعلى صعيد الصراع مع اسرائيل يمهد عبدالحليم خدام بشرح المشروع الصهيوني وموقف العرب منه ليفصّل الحديث في الصراع العربي الاسرائيلي، كما ظهر ويظهر في حرب اكتوبر 1973 وفي تحرير جنوب لبنان والانتفاضة الفلسطينية المستمرة.
في حلقة اليوم الثانية تفصيل عن العلاقات المصرية - السورية، كنموذج للعلاقات العربية المتقلبة بين تكامل وتصادم.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبروز القضية الفلسطينية حملت مصر وسورية الأعباء الرئيسية للمواجهة وخاضتا الحروب وقدمتا الشهداء فشكلتا بذلك الركيزتين الأساسيتين للعمل العربي في مواجهة الصهيونية. كما أن للقطرين دوراً رئيسياً في مجمل القضايا العربية أو ذات الصلة بالوطن العربي فقد قاومتا المشاريع البريطانية كمشروعي سورية الكبرى والهلال الخصيب، وساهمتا بصورة أساسية في تعبئة الرأي العام العربي لإسقاط الحلف المركزي الذي كان يسمى حلف بغداد.
وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي عام 1956 من قبل اسرائيل وبريطانيا وفرنسا وقفت سورية الى جانب مصر بكل امكاناتها واتخذت الاجراءات في حدود طاقاتها ومنها نسف أنابيب النفط المارة في الأراضي السورية. وفي عام 1957 عندما تعرضت سورية لضغوط أميركية وتحرك بعض العرب في ذات الاتجاه، وحشدت تركيا قواتها على الحدود السورية وقفت مصر الى جانبها وأرسلت بعض قواتها لمشاركة القوات السورية في صد العدوان في حال وقوعه.
أردت الإشارة في هذه المقدمة الى بعض الوقائع التاريخية لأقول: ان قضية الوحدة بين سورية ومصر لم تأت من فراغ ولا اشباعاً لشهوة حاكم أو سياسي، ولا مناورة من مئة ولا استقواء من جانب ضد جانب آخر وإنما كانت استجابة طبيعية لإرادة الشعبين وتلبية لمتطلبات الواقع كما لمقتضيات المستقبل ....
في الأجواء التي كانت سائدة في الشارع العربي وفي ضوء رؤية كل من مصر وسورية للأخطار الكبرى والأمل في أن تكون وحدتهما قوة في درئها ومواجهتها، تم الإعلان عن الوحدة بين القطرين في الخامس من شباط فبراير 1958 وتم الاستفتاء عليها وأعلن عن قيام الجمهورية العربية المتحدة.
قيل الكثير عن هذه الوحدة وكان في الكثير مما كتب ظلم كبير للتاريخ.
قيل: ان الصراعات بين القوى السياسية وداخل القوات المسلحة في سورية دفعت السوريين الى الوحدة، ومثل هذا القول يهدف الى الإساءة لعقيدة الوحدة وللجماهير السورية التي أجمعت بصورة ليس لها مثيل حول الوحدة. كانت الحياة السياسية في سورية منفتحة، فيها تيارات قومية تقدمية وقومية محافظة وماركسية وإسلامية، ولكن لم يكن في سورية من يعمل على زعزعة الاستقرار الوطني أو المس بالوحدة الوطنية التي تشكل القاعدة الأقوى في استقرار سورية.
أردت الإشارة الى بعض ما كتب حول الوحدة وأسباب قيامها إظهاراً للحقيقة، حقيقة عمق التوجه القومي في سورية.
ومع ذلك فقد انهارت الجمهورية العربية المتحدة بعد ثلاث سنوات ونصف سنة دون أن يستطيع ولم يستطع القوميون في سورية وقف انهيارها كما لم تستطع قيادة مصر منع وقوعه أو توقع هذا السقوط.
ويبقى السؤال الكبير حول سبب سقوط تجربة الوحدة بين مصر وسورية مطروحاً بإلحاح. هل التآمر الخارجي؟ نعم كان للتآمر الخارجي دور في هذا السقوط. هل بنية الجمهورية العربية المتحدة الدستورية؟ نعم كان لذلك دور رئيسي في الانهيار...
سأدع جانباً الحديث عن الدور الخارجي في عملية الانهيار لأن هذا الدور ما كان، ويجب ألا يكون، خارج الحسابات في أي قضية قومية أو وطنية، وانما سأتحدث عن العوامل الداخلية لدى الجانبين السوري والمصري.
الحقيقة التي لا يجب إغفالها أن الجمهورية العربية المتحدة حملت معها عوامل انهيارها إذ لم تستطع الصمود أمام حفنة من أعدائها. وتبدت عوامل الانهيار هذه بما يلي:
1 - في المرحلة السابقة للوحدة كانت العلاقات القوية بين القيادة المصرية والقيادات السياسية والعسكرية السورية المؤمنة بالوحدة قائمة على قاعدة الاتفاق على الضد.
اتفقتا ضد مشروع سورية الكبرى مشروع الهلال الخصيب ولكنهما لم تتفقا على المشروع البديل، وعملتا معاً ضد الأحلاف الأجنبية ولكنهما لم تضعا مشروعاً للأمن القومي أو لأمنهما. اتفقتا على مواجهة اسرائيل ولكنهما لم تتفقا على اقامة المؤسسة الجدية والفاعلة لتحقيق مواجهة ناجحة.
كان القاسم المشترك بين الجانبين الموقف من التحدي الخارجي ولم يكن ما هو داخلي في علاقاتهما السياسية والاقتصادية والثقافية، والموقف من الأخطار الخارجية ينمي المشاعر ولكنه لا يرسي أسساً متينة لبناء دولة الوحدة. كان لكل قطر منهج مختلف في التفكير وفي النظرة الى القضايا العامة الداخلية وفي أساليب العمل وفي كيفية الممارسة السياسية وفي بنية النظام السياسي والدستوري.
كانت هناك اختلافات جوهرية بين نهجي القيادة المصرية وجميع القيادت السورية، في مصر كانت الثورة معبرة عن طموح الناس وهي التي تقرر لهم ما يجوز وما لا يجوز، أما في سورية فكان الأمر مختلفاً تماماً، فكل مواطن يشعر ان من حقه أن يكون في موقع القرار أو مساهماً فيه ويمارس الحياة السياسية منفرداً أو عبر أحزاب ينتمي اليها...
في مصر كان الإعلام موجهاً وفي سورية كان الإعلام حراً تماماً غير مقيد. في مصر كان النظام السياسي مبنياً على مركزة السلطة في مجلس قيادة الثورة وكان عبدالناصر هو مركز السلطة في المجلس.
وفي سورية كان هناك مجلس نيابي فيه أحزاب وقوى وتمثل الحكومة الأكثرية النيابية ويرتبط قرارها بوضعها في المجلس النيابي ويتأثر بالوضع العام في البلاد، والفرق بين النظامين أن النظام السياسي في سورية كان تحت الرقابة والمساءلة بينما كان النظام السياسي في مصر خارج آلية رقابة أو مساءلة ما عدا ما يقرره مجلس قيادة الثورة.
2 - لم يكن لدى الجانبين المصري والسوري تصور لمشروع متكامل للوحدة مبني على مسألتين اثنتين:
أ - العقيدة القومية بكل متطلباتها.
ب - بنية دستورية مؤسساتية يكون للشعب الدور الحاسم في اقرار الخيارات عبر مؤسسات منتخبة بصورة حرة.
فالوحدة كانت نشوة عاطفية وشعوراً غريزياً عبر عن الحاجة اليها وكانت العاطفة هي الأقوى بينما كان المشروع هو الأضعف.
والحقيقة التاريخية تبين أنه لم تجر مفاوضات حقيقية بين الرئيس جمال عبدالناصر والوفد العسكري السوري الذي أجرى المباحثات الأساسية معه. والمرحوم صلاح الدين البيطار الذي كان وزيراً للخارجية لم يعرض المشروع الذي أقرته قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي على الرئيس جمال عبدالناصر بل قبل بالأفكار التي قدمها الرئيس اليه.
وهكذا لم تؤخذ بالاعتبار البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لكل من القطرين، كانت الوحدة بين الرئيس عبدالناصر وعواطف الشعب السوري، ولم تقم بين دولتي مصر وسورية. فطغت العواطف على التفكير بما هو مفيد وبما هو ضار، وتبارى الجميع تحت ضغط الشارع لإعلان التأييد والمباركة دون أن يدركوا أنهم بالابتعاد عن المناقشة الموضوعية أضعفوا الوحدة وسهلوا انهيارها.
ان ما حدث لم يكن وليد اتفاق بين قيادتي البلدين اللتين لم تجريا مناقشات موضوعية مما سهل على التآمر الخارجي أو الألاعيب الداخلية إسقاط دولة احتضنها إجماع شعبي القطرين.
ما جرى هو أن الرئيس عبدالناصر، الذي أصبح مركز القرار في الجمهورية المصرية، مد نظامه الى الجمهورية العربية السورية، هذا النظام الذي يقوم على مركزية السلطة ووحدانية العمل السياسي في اطار القرار السياسي لرئيس الدولة في الوقت الذي كانت سورية تعيش في نظام برلماني ديموقراطي.
كانت الأحزاب ممنوعة في مصر فامتد المنع ليشمل سورية، وهذا ما أسس لمناخ لاحق ساعد في انهيار الجمهورية العربية المتحدة.
وكانت الحريات مقيدة في مصر فانتقل التقييد الى سورية وهذا الأمر ساهم أيضاً في اضعاف الوحدة وفي تزايد عدد اللامبالين بها وهذا ما أفاد المجموعة التي تآمرت على الوحدة.
إن مد النظام الدستوري والسياسي من مصر الى سورية والاعتماد على أجهزة الأمن لحماية الدولة أفقدها مناعتها وهدم الحصون التي كان يمكن أن تحميها وهي المؤسسات الدستورية ذات السلطات الحقيقية التي يشارك الشعب باختيارها اختياراً حراً.
وقد عزل الذين أحاطوا بالرئيس جمال عبدالناصر عن الواقع. ويصبح صاحب القرار، عندما تعزله مجموعة عن وقائع الحياة، أسيراً لها كما يتعذر عندها أن يكون القرار صائباً. وما يؤكد هذه الحقيقة أن الذين قاموا بالانقلاب ضد الوحدة صبيحة الثامن والعشرين من أيلول سبتمبر 1961 كانوا مجموعة الضباط التي اعتمدها المشير عبدالحكيم عامر لقيادة القوات المسلحة في سورية في الوقت الذي كان فيه الضباط البعثيون في السجون بسبب دسائس وافتراءات تلك المجموعة التي أحاطت بالمشير عامر وببعض أعوان الرئيس عبدالناصر، ودفعوا الى صراع بين رئيس الجمهورية العربية المتحدة وحزب البعث الذي قاد النضال القومي ليس في سورية وانما في الساحة العربية كلها.
ان غياب المشاركة بين القيادات السياسية في البلدين في ممارسة سلطة القرار ومؤسساته أضعف الوحدة وأفقدها حصانتها.
أدرك الرئيس جمال عبدالناصر هذه الحقيقة بعد نكسة حزيران يونيو 1967 واكتشف حجم الخلل في بنية الدولة وبنية القوات المسلحة ولكن نتائج النكسة وتركيزه الشخصي على إعادة بناء القوات المسلحة قد تكون من الأسباب التي حالت بينه وبين الاهتمام ببناء مؤسسات دستورية في إطار ديموقراطي.
4 - ان الأضرار الكبرى التي ألحقتها بالوحدة مركزية سلطة القرار وسياسة الاحتواء عبر أجهزة الأمن وغيرها، لم تتجسد في نشوء المناخ الذي ساعد الانفصاليين وحسب، انما اثارة الصراع بين الجمهورية العربية المتحدة والعراق أيضاً.
5 - والى جانب ذلك، سهل نجاح سياسة الاحتواء، الانقسام في قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي آنذاك وهو المعادل الرئيس في قيام الوحدة، ووجود تيارات متضاربة ومتصارعة داخله.
كما لا بد من الإشارة الى أصحاب المصالح الاقتصادية الكبيرة المتضررة من عمليات التأمين والإصلاح الزراعي، فقد ساهموا في دفع مجموعة من الضباط للقيام بانقلاب عسكري لإسقاط الوحدة.
كان لانهيار الوحدة تأثير عميق ومؤلم في الشارع العربي عامة وفي سورية خاصة رغم الثغرات الكبرى التي كانت قائمة في البنية السياسية والدستورية للوحدة.
بعد ثورة الثامن من آذار مارس في دمشق عام 1963 وقبلها ثورة الثامن من شباط في العراق في العام نفسه جرت محاولة لإعادة مسيرة الوحدة وتم الاتفاق على إعلان مجموعة من المبادئ تبنى عليها الوحدة الثلاثية بين مصر وسورية والعراق وكان ذلك في السابع عشر من نيسان ابريل 1963 ولكن هذه المحاولة سقطت في الثامن عشر من تموز 1963 بسبب محاولة مجموعات من الناصريين القيام بحركة عسكرية في دمشق، فتم قمع المحاولة الانقلابية وسقطت محاولة تجديد الحياة في مسيرة الوحدة بين مصر وسورية.
لم تكن الوحدة بالنسبة لنا شرفاً عقائدياً بل حاجة حياتية ومصيرية ونحن نخوض صراعنا ضد المشروع الصهيوني بكل أهدافه وممارساته الآنية واللاحقة.
بعد السادس عشر من تشرين الثاني نوفمبر 1970 وتولي الرئيس حافظ الأسد قيادة البلاد توجه بعد أسبوع الى القاهرة وقد رافقته خلال هذه الزيارة وعقد اجتماع بين الجانبين المصري برئاسة الرئيس أنور السادات والسوري برئاسة الرئيس حافظ الأسد، وتم خلال اللقاء مناقشة الوضع على ساحة الصراع مع اسرائيل بصورة مفصلة كما نوقش الوضع العربي، وتم الاتفاق على ما يلي:
1 - الهدف هو أزالة آثار العدوان الإسرائيلي الذي وقع في حزيران 1967.
2 - ان الوسيلة هي الإعداد للحرب إذا لم تسحب اسرائيل قواتها.
ووقع الرئيسان قراراً باستحداث القيادة العسكرية المشتركة وعين الفريق محمد فوزي قائداً عاماً.
لم تكن هناك أي مشكلة في الوصول الى اتفاق بين الطرفين خلال ساعات لأن كلاً منهما كان له نفس الهدف وهو ازالة العدوان بطريق الحرب إذا لم تنسحب اسرائيل.
وقد تم في هذا اللقاء الاتفاق على السير بخطوات وحدوية تمهيداً لإعادة الوحدة بين مصر وسورية، كما اقترح الرئيس المصري أن تنضم سورية الى ميثاق طرابلس الذي يضم كلاً من مصر والسودان وليبيا، فوافق الرئيس حافظ وتوجهنا في اليوم الثاني الى السودان ثم الى طرابلس.
وهكذا بدأت العلاقات مع مصر مجدداً دون عقد ودون اثارة الماضي وحساسياته وتركز الجهد الأساسي على مسألة الإعداد للحرب.
في مطلع شباط 1971 وبعد عودة الرئيس حافظ الأسد من زيارته الى موسكو طلب إليّ التوجه الى القاهرة ووضع الرئيس المصري في صورة نتائج زيارته الى الاتحاد السوفياتي.
استقبلني الرئيس أنور السادات في مكتبه في قصر عابدين وحضر المقابلة كل من شعراوي جمعة وسامي شرف وكان الأول وزيراً للداخلية بينما كان الثاني وزيراً لشؤون الرئاسة.
وبعد أن عرضت للرئيس المصري نتائج الزيارة الى كل من الجزائر وموسكو دار الحديث حول الزيارة الى العاصمة السوفياتية وما توصلنا اليه حول مسألة التسلح والعلاقات الثنائية وحملني رسالة الى الرئيس حافظ الأسد تضمنت ما يلي:
1 - يميل الرئيس السادات الى اعلان الوحدة في الثاني والعشرين من شباط الجاري من دمشق لأن ذلك يعطي دفعاً كبيراً للمواجهة.
2 - يشعر باليأس من الحل السياسي ولا يرى أملاً في ذلك.
3 - سيعمل على اسقاط مبادرة روجرز وذلك بقرار من اللجنة التنفيذية للاتحاد الاشتراكي.
4 - أرسل رسالة الى الرئيس الأميركي نيكسون حول الوضع في المنطقة وهو ينتظر الرد عليها.
5 - وافق على تمديد وقف اطلاق النار للأسباب التالية:
أ - المناشدة التي وجهها يوثانت الأمين العام للأمم المتحدة.
ب - اعتقد الرأي العام الدولي ان المشكلة تكمن في وقف اطلاق النار بينما يريد المصريون اعادة طرح القضية بجوانبها الحقيقية.
ج - ان موضوع مبادرته بالانسحاب الجزئي من القناة هو طعم لأوروبا الغربية.
6 - ان الصدام مع اسرائيل سيقع حتماً في السابع من آذار وبنسبة 99 في المئة.
7 - يرجو عدم الصدام مع الملك حسين وعدم دفع المقاومة الفلسطينية للصدام معه حتى لا يتذرع الملك بذلك.
عرضت الرسالة على الرئيس حافظ وبعد قراءتها ناقشناها في ضوء مبادرة الرئيس السادات بالانسحاب من قناة السويس وخلفياتها وكيف يمكن ملاءمتها مع إبلاغنا بأن الصدام سيقع بنسبة 99 في المئة في السابع من آذار، أي بعد أقل من شهر.
عرض الموضوع على القيادة القطرية وكانت وجهة نظر الرئيس حافظ عدم الانزلاق الى خلافات مع الرئيس السادات فهو يحاول الوصول الى حلول سياسية وأنا على قناعة أنه لن يصل وبالتالي يجب المتابعة معه للإعداد للحرب، وكان واضحاً أن ميله لإعلان الوحدة من دمشق هو جزء من مناورته السياسية مع الأميركيين، لذلك آثرنا التريث لما بعد السابع من آذار مع قناعتنا أنه لن يستأنف القتال ولا سيما أن مرحلة التنسيق وتوحيد الجهد العسكري بين الجيشين لم تكن قد بلغت المرحلة التي تساعد على بدء الحرب.
في العاشر من نيسان 1971 عقد اجتماع في القاهرة لبحث اقامة اتحاد بين دول ميثاق طرابلس وهي مصر وسورية والسودان وليبيا وكانت سورية تضغط للوصول الى صيغة اتحادية لأن من شأن ذلك تعزيز امكانات المواجهة ويعيد طرح قضية الوحدة العربية في الساحة السياسية والعربية، بعد أن انتكست في أيلول 1961.
حضر الى جانب الرئيس السادات كل من محمود رياض ولبيب شقير وحسين الشافعي وعلي صبري وسامي شرف وفتحي الديب وشعراوي جمعة ومحمد فوزي، كما حضرت الى جانب الرئيس حافظ الأسد وحضر السيدان عبدالمنعم الهوني وعمر المحيشي الى جانب العقيد معمر القذافي وحضر من السودان السادة مأمون أبو زيد والمقدم زيد العابدين وأبو القاسم ابراهيم الى جانب الرئيس جعفر النميري.
كان اللقاء في جناح الرئيس المصري في فندق الشيراتون وتحدث الرئيس السادات عن ضرورات الوحدة في هذه المرحلة وأهميتها لحماية مصالح العرب وتقويتهم وكان في عرضه حاراً وشديد الحماسة.
وأبدى الرئيس السوداني تحفظه فهو وإن كان يؤيد الوحدة من حيث المبدأ إلا أنه لا يرى أن الظروف الموضوعية ملائمة، وكان متأثراً بوجهة نظر الشيوعيين حيث كان وزير خارجيته أبو عيسى أحد قادتهم.
وتحدث العقيد القذافي وأبدى حماسته للوحدة ولكنه تحفظ على طريق الوصول اليها، إذ كان يرى البدء ببناء الهياكل ثم الوصول الى الصيغة الدستورية.
ثم تحدث الرئيس حافظ الأسد وهو صاحب الدعوة الى اقامة الوحدة، فاستعرض الأخطار التي تهدد العرب وفي مقدمتها الخطر الصهيوني والهيمنة الأجنبية، مؤكداً ان المرحلة تتطلب من جميع القوميين تناسي ما بينهم من حساسيات وأن يضعوا أمامهم المكاسب التي تحققها الأمة من اقامة دولة تضم أكثر من نصف سكان الوطن العربي ....
اجتمع الرئيسان السادات والأسد وكان السادات متحمساً ومندفعاً لعمل وحدوي ولا سيما مع سورية وأبلغ الرئيس حافظ أنه سيقول للعقيد معمر إذا لم تنضم الينا فإني سأعلن عودة الجمهورية العربية المتحدة، ثم تابع: إن مشكلتي هي في هؤلاء الذين ينطلقون من عقدهم حسين الشافعي وعلي صبري ولبيب شقير، وسأعتمد على شعراوي جمعة وسأعينه نائباً للرئيس ورئيساً للوزارة، ثم أخذ الرئيس حافظ وانتحى به جانباً وبصوت هامس قال: قريباً سأنهي هذه المشكلة وعندها لن تبقى عثرة.
وفي الثاني عشر من نيسان وبعد أن أدرك العقيد معمر جدية الجانبين المصري والسوري في اعلان الوحدة وافق واقترح أن يتم اللقاء الثلاثي في بنغازي لوضع مشروع لوحدة ثلاثية، وتوجهنا بالفعل الى بنغازي وجرت عدة جلسات تخللها نقاش ساخن بين الوفدين السوري والمصري وتوقفت المباحثات بسبب اصرار حسين الشافعي وعلي صبري على حل حزب البعث العربي الاشتراكي كشرط للوحدة، ورفض الجانب السوري هذا الطلب مشيراً الى خطورة تكرار تجربة عام 1958 حيث جرى حل الحزب الذي خسرت الوحدة بحله أحد أهم حماتها.
وتوقفت المباحثات وتدخل العقيد معمر وتناقشنا حول الوصول الى مخرج وافق عليه الرؤساء وتم اعلان بيان بنغازي الذي شكل الإطار السياسي لإقامة دولة اتحاد الجمهوريات، ثم شكلت لجنة وضعت مشروع دستور تضمن هياكل الدولة ومؤسساتها بما في ذلك السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية على أن تكون السلطة التشريعية معينة في المرحلة الأولى ثم تقوم على أساس الانتخاب في ما بعد.
وفي الأول من أيلول عام 1971 أعلن عن قيام اتحاد الجمهوريات العربية بين الدول الثلاث.
كان هذا الإعلان هو التجربة الثانية بين سورية ومصر وتحققت من خلاله خطوات عملية فتشكل مجلس للوزراء ومجلس للأمة وبقية المؤسسات الأخرى كما تم تشكيل مجموعة من الشركات المشتركة.
وفي العام التالي من عمر الاتحاد جرت مناقشة امكانية شن الحرب في مجلس الرئاسة وكان لليبيا موقف مختلف عن موقف سورية ومصر فتعطل مجلس الرئاسة وتابعت مصر وسورية عملهما للإعداد للحرب.
ومرة أخرى يتضح أن الالتزام الذي تقدمه دولة لا يكون بالضرورة التزاماً ثابتاً حتى في القضايا المصيرية.
كانت سورية جادة في مسيرة الوحدة لأسباب تتعلق بمبادئها وبالحاجة الى شراكة مع مصر لخوض حرب التحرير التي يتعذر خوضها في غياب الشراكة بين القطرين.
لقد كنا مقتنعين أن السادات سيتابع طريقه في العمل مع سورية ولا سيما بعد أن قام باعتقال ما سمي بقيادات مراكز القوى في منتصف أيار مايو 1971 ومقتنعين أن الرئيس المصري يريد الشراكة مع سورية من أجل الحرب إذا كان لا بد منها ومن أجل السلام إذا تمكن من تحقيقه عبر المفاوضات، أما مسألة الوحدة فهي مقبولة إذا تحقق هدف الشراكة في الحرب أو في السلم.
كانت المشكلة الكبرى في الشراكة المصرية - السورية عدم الالتزام بالاتفاقات والتغييرات المفاجئة في السياسات التي يعلنها الرئيس المصري.
لقد أعلن مثلاً أن عام 1971 سيكون عام الحسم دون أن يكون للقيادة في سورية علم بذلك أو اتفاق بين الشريكين الأساسيين في الحسم.
في النصف الأول من عام 1972 أخذ الوضع الداخلي في مصر يسوء بسبب الإعلان عن حسم لم يتحقق. ويبقى التساؤل مشروعاً هل كان الرئيس المصري يريد دخول الحرب في نهاية عام 1971؟ أو أنه كان يريد توتير الأجواء لدفع الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الى تحريك التسوية السياسية؟ أو أنه كان يريد معركة مهما كان حجمها لتحريك العملية السياسية؟
حدث أول صدام حاد بين الموقفين السوري والمصري في التاسع من تموز عام 1972.
كان الرئيس حافظ الأسد في زيارة الى موسكو متفق عليها مع الرئيس السادات من أجل بحث مسألة التزود بالسلاح لكل من مصر وسورية، فاستمعت القيادة السوفياتية الى الطلبات التي تقدم بها الرئيس حافظ وناقشتها معه ووعدت بدراستها دراسة جدية، وكانت تلك الطلبات لكل من مصر وسورية.
وخلال رحلة العودة أمضينا يومين في شبه جزيرة القرم على البحر الأسود، وجاء أثناءها السفير السوفياتي في دمشق نور الدين محي الدينوف ليبلغ الرئيس الأسد موافقة القيادة السوفياتية على الطلبات التي تقدم بها.
كان سرورنا عظيماً واعتبرنا أن الزيارة حققت انجازاً هاماً ستكون نتائجه مؤثرة في حرب التحرير، ولذلك قرر الرئيس العودة عن طريق مصر لإبلاغ الرئيس المصري شخصياً بالقرار السوفياتي.
وكانت المفاجأة الكبرى عندما أخبر الرئيس المصري الرئيس السوري قراراً سبق أن أبلغه للاتحاد السوفياتي يقضي بإخراج الخبراء السوفيات من مصر.
كان غضب الرئيس حافظ الأسد عظيماً واعتبر هذا الإجراء المصري طعناً في الظهر إذ أنه قام بزيارة موسكو بالاتفاق مع الرئيس السادات وحققت الزيارة نتائجها فكيف يتخذ مثل هذا القرار دون استشارته وهو شريكه في المواجهة؟
كيف يمكن خوض حرب والسوفيات في موقع سلبي منا؟ وكيف يمكن أن نثق أن الرئيس المصري لم أو لن يتحول الى طريق آخر؟
كان من المفترض أن ينتظر الرئيس المصري شريكه ويطلعه على ما لديه من أسباب ومبررات لإبعاد الخبراء السوفيات، وخصوصاً انه هو نفسه القائل: ان من أهداف أميركا واسرائيل طرد السوفيات وعزل العرب وهي نفسها أهداف كل من يسعى الى هذا العزل.
عقدت في المساء جلسة مغلقة بين الرئيسين حاول خلالها الرئيس حافظ الأسد ثني الرئيس السادات عن قراره لأنه يضعف موقفنا ويقوي اسرائيل ويجعل الحرب أمراً يحتاج الى مناقشة جديدة، وقد أوضح الرئيس حافظ خطورة القرار للأسباب التالية:
1 - ان القرار مرتبط بالمعركة ويجب ان يكون متفقاً عليه معنا ومثل هذه القرارات ليس من حق أحد القطرين اتخاذها منفرداً لأن الأمر لا يتعلق بمصر أو سورية وانما بالعمل المشترك لتحرير الأرض.
2 - ان توجيه إنذار للسوفيات بالخروج من مصر والرئيس السوري في موسكو يتعارض مع الحدود الدنيا من اللياقة بالتعامل بين رئيسين شريكين.
وبعد ظهر ذلك اليوم، أي التاسع من تموز 1972 زارني في قصر القبة الدكتور مراد غالب وزير خارجية مصر آنذاك وطلب إليّ مرافقته الى الحديقة وعندما أصبحنا على سلم القصر قال لي: "رغبت في الحديث إليك في الحديقة لأضمن ان حديثنا لن يسجل، وأرجو أن تنقل كلامي الى الرئيس الأسد في أي مكان مع الانتباه الى امكانية وجود تسجيل".
وتابع قائلاً: "اني فوجئت بكلامك في المطار بأن الزيارة كانت ناجحة في موسكو، فالعلاقات بيننا وبين السوفيات سيئة لأبعد الحدود وهناك أمور خطيرة تجري في مصر، والوضع الداخلي سيئ وهو مهدد بالانفجار، أرجو أن تنقل ذلك الى الرئيس الأسد ليكون موقفه صلباً مع السادات والوقوف في وجه مؤامرة كبيرة على القضية حتى لا نضطر للاستسلام الى أميركا، هناك حلف بين سيد مرعي ومحمد صادق وهو معادٍ للسوفيات ولكل اتجاه تقدمي، وهناك مخطط لإثارة معركة بين مصر والاتحاد السوفياتي.
كانت أمور غريبة تجري رغم ان السوفيات أرسلوا لنا كل ما طلبناه عندما كان السادات في موسكو، وكانوا ايجابيين عندما كان الفريق محمد صادق في موسكو وطلب أسلحة جديدة ربما بقصد تنفيذ مخططه لأنه كان يعرف جيداً أن من المستحيل إعطاءها، فهو يطلب مثلاً طائرة M.P500 كان محمد صادق يخرب الجيش ويتبع أساليب رهيبة لشراء الضباط، كما كان وراءه تحرك من قبل بعض الدول العربية يهدف الى جر السادات الى هذا الفخ".
وفي الوقت نفسه كان الوزير مراد غالب في غاية القلق من قرار اخراج الخبراء السوفيات معتبراً أن هذا القرار سيكون نقطة تحول في تطورات نحو الأسوأ في مصر. وبعد عودتنا من القاهرة أصدرنا تصريحاً صحافياً جاء فيه ما يلي: "ان سورية لن تحذو حذو مصر في اخراج الخبراء السوفيات وان العلاقات جيدة بين سورية والاتحاد السوفياتي".
كان شهر تموز عام 1972 نقطة تحول كبرى في السياسة المصرية أثارت الشكوك حول الموقف المصري والقلق من الخلفيات الكامنة وراء ذلك الموقف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.