آباء وأبناء "حرضوا يا شباب العصر الجديد" تترجم الى الانكليزية عن دار اتلانتيك بوكس بعد نحو عشرين عاماً على تأليفها وبعد ثماني سنوات على نيل صاحبها نوبل الآداب. كنزابورو اوي Kenzaburo oe الذي أصغى الى حكايات جدته وحفظها في قلبه كتب في هذه الرواية حرقة قلبه مرة أخرى. كان كاتباً معروفاً عندما رزق ابنه الأول في الثامنة والعشرين ورأى عملية لإزالة الورم من رأسه تتحول الى تراجيديا. أصيب الطفل بتلف في الدماغ وبات متخلفاً عاجزاً عن الاتصال مع من حوله الى ان سمع صوت طير على الراديو. لاحظ الكاتب الياباني يقظة طفله فاشترى كل الاسطوانات عن طيور اليابان، وأدرك ان هيكاري اختار الموسيقى لغة. تعلم الطفل العزف الى أن أصيب بنوبة شديدة في السادسة عشرة تركته عاجزاً عن الرؤية بعينيه الاثنتين وإن بقي يرى بإحدى العينين إذا أغمض الثانية. بات مؤلفاً جيداً يصدر الاسطوانات بعد ان يكتب الموسيقى في رأسه من دون ان يستطيع عزفها. كانت رواية القصص تقليداً بين نساء عائلة اوي، وتميزت قصص جدته عن تاريخ المنطقة وخرافاتها بالمرح والتحدي وكراهية القومية. توفي والده في الحرب العالمية الثانية التي خبر معها ثنائية التراث المحلي والوطني. التصق أفراد عائلته بالقرية التي ولدوا فيها ولم يغادرها أحدهم يوماً، في حين ألقى الامبراطور - الإله بثقله على سياسة اليابان وحضارتها. بعد الهزيمة تسلم الأميركيون خصوصاً الإدارة وأدخلوا تعليم المبادئ الديموقراطية الى المدارس. دفعه الحس العارم بالديموقراطية الى كسر التقليد العائلي والذهاب الى طوكيو، وربما كان عاشق الأشجار بقي طوال حياته وعمل حارساً للغابة لولا الهزيمة التي أتت بالتغيير الكبير. في العاصمة اختلطت روايات نساء القرية التي شكلت خلفيته الوحيدة حتى الثامنة عشرة بتعرفه الى النزعة الإنسانية ووجودية جان بول سارتر وواقعية فرانسوا رابليه الغريبة. دراسته الأدب الفرنسي أثرت في كتابته ونظرته الى الوضع البشري، لكنه كان قارئاً نهماً للأدب الأميركي المعاصر أيضاً. بحث عما يرفع قتام روحه بعد ولادة طفله، فقرأ كتابه الأول "قطف البرعم، قتل الحمل"، لكن قلمه لم يساعده. "أنا لا شيء وكتابي لا شيء" قال واستسلم للعجز الى ان ذهب الى هيروشيما لتغطية لقاء ضد التسلح النووي. شاهد المرضى الناجين من القنبلة وكانت نقطة تحول في حياته. عاد الى طوكيو وهو يفكر في علاج ما لطفله بعد أن قبله فجأة كما هو. كتب "مسألة شخصية" التي يفكر فيها الأب بموت طفله المتخلف ويتعذب بوجوده في حياته قبل ان يقرر التعايش معه. يتداخل قبول الطفل المعاق في الأسرة مع موقف الفرد في المجتمع المعاصر، وفي "علمنا كيف ننضج على جنوننا" يعتقد الأب انه يحس بأوجاع ابنه الجسدية في وقت يبحث عن والده الذي فقده في الحرب. تأثر أوي 67 عاماً بالشاعر الانكليزي وليم بليك في "حرّضوا يا شباب العصر الجديد" بدءاً من العنوان الى العبارات التي استهلت كل فصل. فيها يكبر الابن المعاق ليجمع بين جسد رجل وعقل طفل قبل سن المدرسة فيفكر الأب بتأليف كتاب يعرّف فيه كل الكلمات لينقل اليه التراكم الكامل لخبرته. لكن الأب الكاتب ينتهي بمساءلة نفسه ومجتمعه، فهو بات مدمناً الويسكي التي لا يستطيع النوم من دونها، وبيئته تحتقر الضعيف وتخافه لأنه يكشف الجانب القاتم فيها. وإذ يشترك الأب والابن في كتابة مسرحية موسيقية عن دور الضعيف في تجنب أهوال الحرب يتخلى الثاني عن اللقب الذي بقي اسماً له منذ الطفولة، ويشعر الأول انه ولد ثانية بفضل ابنيه "شباب العصر الجديد، عصر الذرة المشؤوم". وجد هيكاري صوته وكتب أوي ثلاثية "الشجرة الخضراء المتوهجة" التي شملت "الى ان يُضرب المنقذ" و"تردد" و"في اليوم الكبير" فأحس أنه أكمل الدائرة مع ابنه وقلمه. لكنه لم يسترح بل شاء تجربة شكل جديد بعدما نال نوبل الآداب في 1994، وتخفف ربما من شعور بالعار "سيحيطني طوال حياتي" لأنه تمنى يوماً موت ابنه. الى الهاوية أصدرت مجلة نيويورك ريفيو أوف بوكس ترجمة انكليزية ل"الاعجوبة الشقية" الذي كان أحد ثلاثة كتب ألفها هنري ميشو ل"استكشاف" مخدر المسكالين. الشاعر البرتغالي أوكتافيو باث كتب المقدمة وتساءل عندما وصل الى الصفحة الأخيرة ما إذا كانت التجربة معكوسة المخدر يستكشف الشاعر وما إذا كانت استكشافاً أم مواجهة مع ذواتنا المعروفة المجهولة؟ "أود استكشاف الوضع البشري العادي" قال ميشو Michaux وشاهد بعد التجربة الأولى "آلة اللانهاية". ألوان وأشكال لا تنتهي و"فيضان سخيف من الحلي الرخيصة" يقول باث. داوم على عذاب الادمان ومتعته عشرة أعوام قرر في نهايتها التوقف لأن المخدرات لا يعتمد عليها و"أنا قليل الموهبة في الادمان". لم يشرب الكحول أبداً، قال، وان شرب "النبيذ من حين الى آخر". أما القهوة والشاي والسيكارة فعجزت عن اغرائه. بدأت رحلته بعد وفاة زوجته التي بقيت معه فترة مماثلة قبل ان تودي بها حروق بالغة. عانيا معاً من الاحتلال النازي لفرنسا وفي نهاية الحرب أصيبت بالسل فسافرا الى مصر للنقاهة، وهناك التقيا الشاعر جورج حنين. سلك الموت طريقاً آخر وحصدها بعد الحريق فهرب ميشو الى المخدرات ولم يستطع الخلاص منها الا بعد أعوام من المحاولات المتقطعة اليائسة. ولد بلجيكياً لأسرة من الطبقة الوسطى لم يستطع الانتماء اليها أو الى المدرسة الداخلية القاسية التي زادت اغترابه. اشمأز من الطعام وأحس نفسه هامشياً وتعزى باللغة والفن والدين وتمكن عبرها من عبور الحرب العالمية الثانية. قرأ تشكيلة غريبة من الكتب وجمع بين أعمال الشعراء الطليعيين وكتب القديسين. كاد يلبي نداء الكنيسة ويصبح كاهناً ثم خضع لرغبة أبيه في دراسة الطب، على ان اهتمامه بشفاء الأجساد عمّر سنة واحدة. عمل بحاراً في سفينة تجارية غادرها قبل أيام من غرقها، ووجد التعاسة في وظائف صغيرة عدة أقنعته أنه فاشل بالولادة. قصد باريس حيث حرضته لوحات بول كليه وماكس ارنست على الرسم، وعمل في دار نشر وسافر. سحر في آسيا بالتصوف والأديان الشرقية، لكنه كتب عن أهلها من بعد لئلا تفسد العاطفة الرؤية. نال الاعجاب كاتباً وفناناً ورفض غونكور، اهم الجوائز الأدبية الفرنسية. اتفق مع السورياليين في سيطرة الحلم والصور الخيالية على أعماله، إلا أنه لم يهرب من حقيقة العالم الخارجي مثلهم بل شاء تقديم صورة واضحة للروح. في أعماله قوة شعرية أكثر منها شعراً، وتقترب هلوساته الناجمة عن المخدرات من المتعة التي يعرفها المتصوف. عذاب الإنسان وسط العالم المعادي لهويته وأصالته يدفعه الى استكشاف نفسه والتسامي عن الخارج، لكنه لا يلبث ان يقع في الهاوية. في نهاية حياته 85 عاماً ازداد انغماسه في التأمل الشرقي لكنه بات يستمد منه متعة بعد ان شكّل بحثاً مسعوراً عن حقيقة الأنا. أحبه السورياليون في أعماله جنس بين الإنسان والحشرات والمنتمون الى "الموجة الجديدة" في فرنسا وشعراء جيل "البيت" في أميركا وعززوا اسمه عالمياً. المكان والزمان لم تتأثر بهبوط الاقبال على قراءة الشعر وجعلتها لغتها البسيطة المعيشة ذات شعبية تثير الحسد. بعد "زوجة العالم" الذي باع خمسة وثلاثين ألف نسخة وجعلها من أفضل الشعراء مبيعاً تصدر كارول آن دافي "اناجيل نسوية" عن دار بيكادور وتكتب نص أوبرا "الناي السحري" لموزارت. كانت تكتب "أناجيل نسوية" عندما هوجم برجا مركز التجارة العالمي في نيويورك ولم تتساءل ككتاب كثر غيرها عما اذا كانت الكلمة قادرة على الاحاطة بالحدث الضخم. كتبت قصيدة عن امرأة تصرخ عندما تسمع عن الهجوم على أفغانستان فتتردد صرختها في العالم أجمع. طرح اسمها لمنصب "شاعر البلاط" وقيل انها استبعدت لمثليتها ففاز به اندرو موشن الذي امتدح قدرتها في "زوجة العالم" على تفادي الوقوع في فخ خدمة الفن لفكرة سائدة. تناولت فيه نساء رجال بارزين تاريخياً وروائياً لكنها تفادت الخطاب النسوي المباشر والصارخ. اسكوتلندية - ايرلندية يسارية عاشت منذ السادسة في وسط انكلترا ودونت نبض الحياة المعاصرة، خصوصاً في الطبقة الفقيرة. جربت الرجال قبل ان تقرر انها مثلية وتعيش مع صديقتها الكاتبة وابنتها التي جعلتها صدىً لها. ملاحظات الطفلة اللامعة تظهر في شعر أمها، ولا ترى هذه ان "عربة الأطفال في البيت تعني موت الفن". يُدرس شعرها في المدارس ويجذب الأحداث بلغته السهلة النابعة من الشارع الذي يعرفونه. لكن الاعجاب ليس عاماً. المتمسكون بالشعر الرفيع ينتقدون نصها البسيط وصورها الضخمة فترد بالاكثار من التعابير العامية. قررت ان تكون شاعرة عندما كانت في الرابعة عشرة، وحسها كبير بنبل دعوة الشعر، لكنها ترفض ان يسلك الشاعر كما لو كان كاهناً كلامه مقدس. "أحب استخدام الكلمات البسيطة بطريقة معقدة". وقراؤها الكثر يباركون ويجعلون الشعر "وظيفة حقيقية" خلافاً لرأي أهلها. لم يقتنع هؤلاء بالكتابة عملاً الا عندما تلقت ميدالية من الملكة مكافأة على خدماتها للأدب في منتصف التسعينات. تعمل اليوم وهي تصغي الى موزارت لكن صوتها يأتي من الناس الذين تعرفهم وحياة كل يوم.