عندما يعطس الاقتصاد الأميركي يصاب العالم بالزكام    موسم الخبر.. قادم    أوكرانيا: أكبر مستورد للأسلحة عالميًا    أفغانستان وباكستان : ملتزمون بوقف النيران    كييف تجدد حاجتها لصواريخ «توماهوك»    أخضر الصالات يواجه باكستان ضمن تصفيات كأس آسيا    تحت شعار «عزّك وملفاك»    الحوثي يحتجز 20 موظفا أمميا    رئيس الشورى يرأس الاجتماع التنسيقي العربي    10 آلاف فرصة استثمارية لرواد الأعمال في بيبان 2025    ليفربول يواصل مسلسل الهزائم بالسقوط على ملعبه أمام مانشستر يونايتد    أمير الشرقية يكرم مواطنين لإخمادهما حريقا في محل تجاري بالجبيل    تحديث ومواءمة النطاقات الإشرافية البلدية    نائب أمير جازان يزور الأديب إبراهيم مفتاح للاطمئنان على صحته    المرور يضبط أكثر من 6 آلاف دراجة آلية مخالفة خلال أسبوع    ولي العهد يعزي رئيس وزراء اليابان    غدًا.. أمانة منطقة جازان تُنظّم ملتقى "خُطى التطوع" لتمكين العمل البلدي والإسكاني    أمير منطقة جازان يستقبل المدير العام لفرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    لا مال بعد الموت    العراق يثمن الموقف السعودي في التصدي لمشجعين مسيئين    "خيرية القطيف" تشارك "الأمل" ب"التبكيرة خيرة"    وزير النقل يفتتح المؤتمر السعودي الدولي للخطوط الحديدية    انطلق معسكر تطوير الأداء للاتحاد السعودي للهوكي في سلطنة عُمان    فرع الشؤون الإسلامية بجازان ينفّذ حملة وقائية ضد الإنفلونزا الموسمية في صبيا    نائب أمير الشرقية يستقبل المشرف العام على البعثة التعليمية في البحرين ومدير عام التعليم بالمنطقة    أمير القصيم يستقبل محافظ البكيرية ورئيس جمعية تحفيظ القرآن بالهلالية    مفردات من قلب الجنوب 26    ضبط 37 مكتب استقدام لمخالفتها قواعد ممارسة الاستقدام وتقديم الخدمات العمالية    حملة لتعليم الأحساء والتجمع الصحي لفحص طلاب التعليم المستمر    نيفيز مع الهلال.. دقة شبه مثالية من علامة الجزاء    نواب أمريكيون يحذرون من تسريح جماعي يهدد أمن الترسانة النووية    ديوان المظالم يحصل على شهادة الهلال الأحمر للسلامة الإسعافية    الشاشات تقلل التحصيل الدراسي لدى الأطفال    زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب إندونيسيا    باحثون صينيون يصممون روبوتًا دقيقًا ثلاثي الأبعاد للعلاج الدقيق    رصد المذنب C/2025 R2 (SWAN) في سماء الحدود الشمالية    «زاتكا» تحبط 1507 محاولات تهريب    اختتام منافسات الأسبوع الأول من سباقات الخيل بالرياض    كلاسيكو مرتقب يجمع ليفربول ومانشستر يونايتد    في ختام الجولة الخامسة من دوري روشن.. القادسية وضمك ضيفان على نيوم والتعاون    41 ألف شهادة منشأ جديدة    34 قتيلًا و122 جريحًا.. انتهاكات إسرائيلية لوقف النار بغزة    «بوح الثقافي» يكرم الضامن    بيع فرخ شاهين ب119 ألفاً في ثامن ليالي مزاد الصقور    ياغي يؤكد أن تمكين ولي العهد أسهم في مسيرته العملية.. والسواحه: دعم القيادة حقق المنجزات لأبناء وبنات الوطن    خلال الجولة الآسيوية للرئيس الأمريكي.. قمة مرتقبة بين ترمب وكيم جونغ    «911» يتلقى 83 ألف مكالمة في يوم واحد    القطان يحتفل بزواج حسن    فتاة تخرج «عجوزاً» بعد ربع قرن على احتجازها    إصابة الإعلامية نجوى إبراهيم في حادث بأميركا    إنجاز طبي ينهي أزمة زراعة الكلى عالمياً    خطيب المسجد الحرام: الثبات على الإيمان منّة من الله    الإعلام الحقوقي.. ضرورة وطنية مُلحّة    «ابن صالح» إمام المسجد النبوي ومربي الأجيال.. توازن بين العلم والعمل    أكثر من 13 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال أسبوع    لائحة لإنشاء الأوقاف وتمويلها عبر التبرعات    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الأديب إبراهيم مفتاح    أمير منطقة جازان يطمئن على صحة الشيخ العامري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا وقت للاصلاح من دون ولكن
نشر في الحياة يوم 19 - 06 - 2002

كان علينا نحن الجيل الذي تفتحت عيناه على نتائج نكبة عام 1948 ان ننتظر سنوات اخرى حتى بدأت تتكشف امامنا بعض الوقائع المخزية لما جرى حينها على رغم ان الرواية ظلت ولحد الآن مبتورة لجهة الحقائق التاريخية التي توافرت عليها ومضطربة في نتائجها التحليلية وقليلة النفع في وعي دروسها اما بسبب خداع الذاكرة او لانعدام توفر كل المعلومات الضرورية او لفقدان الشجاعة الاخلاقة في تشريحها وتعريتها ودائماً لسبب آخر يعود لتغير هذه الروايات كلما تغيرت السلطة هنا وهناك. ولكن ظل اللوم في الكارثة يلقى دوماً على الاطماع الصهيونية والغدر البريطاني والعداء الاميركي والعجز وربما الخيانة العربيين.
واليوم ونحن نعيش في ظل هزيمة جديدة لا يبدو ان الكثير قد تغير سوى اننا اصبحنا بفضل عصر القرية الكونية وطريق المعلومات السريع اقل عرضة للتضليل والخداع واكثر قدرة من قبل ليس على ادراك ما يحدث فقط بل ان نتلمس المضمون الحقيقي والجوهري لسلسلة الاحداث المتتابعة والذي يضع ما يجري في سياقه التاريخي ويعمل ككشاف لما تقودنا اليه هذه الاحداث، لمستقبل لا يبدو واعداً بسبب تلك العادات المتأصلة في الكذب والدجل والجبن والانانية وفي عدم التعلم من دروس التاريخ بل والاصرار على اعادة عجلاته الى وراء.
في العالم العربي هناك الآن الكثير من القلق والريبة والخوف الممزوج بالغضب مما يجري فجرته الانتفاضة الفلسطينية المجهضة وامال السلام العادل والمشرف واحلام الازدهار التي اجهضت معها. البعض من هذه المشاعر عبرت عنه التظاهرات والاحتجاجات التي اندلعت في هذه العاصمة العربية او تلك لكن الكثير منه مطوي في الصدور لكنه بالتأكيد مثل الوميض الذي يغطيه الرماد وينتظر ان يتحول الى شرار. فمثلما كانت المعضلة التي كشفت عنها هزيمة 1948 وهي فشل العرب في اول اختبار بعد استقلال دولهم الرئيسية في مواجهة المشروع الصهيوني حرباً، فإنهم يواجهون الآن اخفاقاً في انقاذ ما تبقى من فلسطين سلماً، الامر الذي سيطرح من جديد اسئلة جدية كثيرة في الشارع العربي ليس فقط عن اسباب عجز العالم العربي وتبلده بل سيتعدى ذلك الى الخوض من جديد في ازمة الشرعية التي تواجه انظمته.
هناك اكثر من سبب يدعو الى الاعتقاد ان القضية الفلسطينية تدخل الآن في منعرج جديد ولربما حاسم، ولأنها، وبسبب محوريتها الرمزية والواقعية في الصراع العربي الاسرائيلي، كانت دوماً لديها القدرة على التأثير وبطرق متعددة على الوضع العربي وبيئاته السياسية والاجتماعية، فإن الاستنتاج الاقرب للصحة هو ان اية نتائج مترتبة على هزيمة الانتفاضة الفلسطينية والدخول من جديد في نفق تسويات سلمية مبتسرة وهشة لا بد ان تترك بصماتها ايضاً على الوضع العربي عموماً وتثير الشكوك من جديد ليس فقط في قدرات الانظمة العربية ومهاراتها وصدقيتها ولكن بمشروعية الحكم مما يجعل الكثير من الانظمة العربية في وضع لا تحسد عليه.
ولا تطرح مثل هذه النتيجة المتوقعة من فراغ، فتجربة هزيمة عام 1948 وفشل العرب في منع قيام دولة اسرائيل هزّت العالم العربي وأدت الى فوران شعبي شامل وبروز حركات سياسية واجتماعية ساخطة ضد الانظمة التي اتهمتها بالتقاعس والخذلان والجبن والخيانة كانت نتيجتها سلسلة من الانقلابات العسكرية والسياسية ادت بدورها الى ارباكات وتوترات واحباطات اطاحت جميعها بإمكانية قيام مجتمعات وكيانات عربية سليمة البنيان ومستقرة تلبي حاجات وانشغالات مواطنيها. ولا ريب ان النتيجة الاهم للهزيمة وما لحقها من نكسات على طريق الصراع مع اسرائيل كانت توقف الزمن عند هذا الصراع ونكوص مشروع التحديث السياسي والاجتماعي وانهيار فرص التقدم الحقيقية.
اريد ان اجادل هنا اولاً بان القضية الفلسطينية دخلت الآن مع سيادة النزعة الشارونية والانحياز الاميركي والارتباك الفلسطيني مرحلة جديدة من التعويم، من الواضح انها ستمتد الى عقد او عقدين بعد ان تلقت عملية مدريد واوسلو والتي روّج لها على انها طريق السلام القائم على المساومة التاريخية لطمة شديدة جعلت من الصعب اعادتها الى مسارها في ظل الاختلال الشديد في موازين القوى بين العرب والاسرائيليين وعدم قدرة العملية ذاتها على الاستجابة لمتطلبات سلام عادل وحقيقي.
واريد ان اجادل ثانياً بان هذا التعويم سيطرح على معظم الانظمة العربية ومن ضمنها النظام الفلسطيني تحديات جديدة ان لم يكن سيفجر تلك التناقضات التي مضى عليها زمن طويل وهي في سبات عميق وذلك لاسباب عديدة من بينها الضغوط الداخلية والخارجية للتحديث المستند على نظام سياسي ديموقراطي تمثيلي، واقتصاد متطور يلبي حاجات الناس وليس على مشروعية سياسية قائمة على التعبئة والحشد وراء شعارات التضامن لدعم النظام القائم والنخب الحاكمة.
واريد ان اجادل ثالثاً بان مثل هذه التحديات وحدها هي التي توفر الفرص الامثل للتأمل والمراجعة ولاستنباط سياسات واستراتيجيات خلاقة لصناعة المستقبل، والتعامل مع متطلباته سواء تلك التي تتعلق بالنهوض الحضاري ومشاركة العالم حصاده الوافر من التقدم او حتى تلك التي تلبي متطلبات تحقيق التوازن المادي والاخلاقي في الصراع.
ان احدى حقائق الصراع المرة والتي لا تطمسها نزعة الجبروت والعنف والازدراء الاسرائيلية هي ان اسرائيل نجحت في ان تجعل من الصراع ضمن ثنائية الحرب / الحداثة رافعة للتحديث والترقي في شتى المجالات الاقتصادية والتكنولوجية في الوقت الذي حافظت فيه او حتى رفعت من مستوى التكيف الاجتماعي مع بيئة الصراع مستخدمة الوظيفة نفسها الكامنة للحرب في تعبئة الشعور القومي في الوقت الذي فشل العرب فشلاً ذريعاً في ذلك. ولعل الفوارق في مستويات الدخول والنواتج الاجمالية والمؤشرات الاقتصادية الخاصة بالتصدير والاستثمار بين الدول العربية واسرائيل والفجوة الهائلة في المجالات التكنولوجية والعسكرية والتفوق النووي دليل على الكفاءة والقوة التي نعرف لسوء الحظ مقابلها العربي.
كل هذه تبدو بديهيات ما كان جديراً تكرارها لولا ان هذا منعطف آخر في تاريخنا المعاصر ينبغي التوقف عنده للمراجعة والتأمل في اسباب الانتكاس واعادة اختبار القدرات الذاتية ونبذ التشوهات الشديدة فيالادارة وفي نمط الحياة ومن ثم اتخاذ القرارات اللازمة لتصويب الاهداف والوسائل ووضع الاوطان من جديد على مسار المستقبل الواعد من خلال التغيّر والاصلاح واستكمال عملية التحديث السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي.
لقد فرضت الحملة الدولية المضادة للارهاب التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية منذ هجمات ايلول سبتمبر ضغوطاً اضافية على المجتمعات والنظم العربية من اجل المراجعة الشاملة التي تجاوزت اشكاليات اتخاذ القرار من الهيئات السياسية المحتكرة ،الى الدعوة الى مناقشة صميم الاطر المعرفية والثقافية وحتى الدينية مما ينذر بمحاولات لاختطاف دعوات الاصلاح التي تطلق من اجل انجاز استحقاقات تاريخية ووطنية وتحويلها الى مطالب تتناغم مع جهود اعادة الصياغة الكونية التي ترعاها الولايات المتحدة ووفقا لاولوياتها ومصالحها. ان تكثيف الضغوط الخارجية لإنجاز برامج اعادة الهيكلة الاقتصادية في العديد من الدول العربية والدفع لإعادة صياغة المسارين الاقتصادي والاجتماعي فيها سواء من خلال اتفاقات المعونة الثنائية او الدولية واطلاق صيحات التحذير من حالات الجمود والانكماش الحضاري من قبل مراكز بحوث رئيسية وكبار المعلقين في الصحف الاميركية، تبدو متسقة مع صيحات الاصلاح والتغير الوطنية لولا ان اولويات واهداف كل من الطرفين لا تبدو في العموم متطابقة.
من البديهي ان هناك حاجة ملحة لتفسير دعوات الاصلاح والتحديث في العالم العربي التي انطلقت مؤخراً في اميركا وتتجاوز الادعاء بان استمرار الركود في كل مناحي الحياة يسمح بنمو بذور الارهاب واستمرار وتفريخ الجيوب المعادية للحداثة والعولمة ويبدد امكانية تحقيق السلام مع اسرائيل. ومع ذلك فلا بد من وضع الشكوك جانباً والتسلح بقدر من الثقة والابتعاد عن سوء التأويل بخصوص الدعوات الخارجية للاصلاح ومواجهة الفساد هذه، سواء التي استهدفت السلطة الفلسطينية او الانظمة العربية عموماً ولربما ايضاً الافادة من الدعوات المخلصة منها كعضيد للجهود الذاتية التي ستبقى تنظر للاصلاح كمهمة وطنية مؤجلة وحان موعد انجازها.
ان التوجه للانظمة لقيادة المراجعة والاصلاح سيكون امراً عبثياً وصرخة في واد. فمتلازمة الفساد والهزيمة التي تعاني منها الاوطان العربية على مر العقود الخمسين الماضية لم تتحقق الا بفضل هذه الانظمة ومؤسساتها وسياساتها الخائبة، وتحالفاتها مع نخب مدجنة ومعزولة عن فضائها الاجتماعي ومطعونة في شرعيتها في الداخل ومع مراكز القوى الدولية الماسكة بقواعد اللعبة في الخارج. ان النتيجة الماثلة امام اعيننا، او المستنقع الاجتماعي السياسي والاقتصادي، على حد تعبير ادوارد سعيد، يستدعي التوجه بخطاب الاصلاح والتحديث الى كل القوى الحية في المجتمعات العربية، بل والى الشعوب التي ما انفكت تطرح في كل منعطف من هذه المنعطفات السؤال المضني: لماذا لم نستطع بعد ان نلحق بركاب الآخرين؟ ولكنها لا تجد الا صدى لاصواتها في ذلك المستنقع الذي يأبى ان يجف.
لقد آن الاوان للعمل من اجل الاصلاح والتحديث بل والنضال والجهاد في سبيلهما.
* كاتب عراقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.