الأخضر السعودي 18 عاماً يخسر من مالي    الإبراهيم: تشجيع الابتكار وتطوير رأس المال البشري يسرعان النمو الاقتصادي    النفط يستقر فوق 88 دولاراً.. وأسهم أمريكا تتراجع    «الرابطة» تُدين استمرار الاحتلال ارتكاب جرائم الحرب في غزة    الإبراهيم: إستراتيجياتنا تحدث نقلة اقتصادية هيكلية    الراقي في اختبار مدرسة الوسطى.. الوحدة والفيحاء يواجهان الحزم والطائي    ميندي وهندي والنابت مهددون بالغياب عن الأهلي    إنشاء مركز لحماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا    أدوات الفكر في القرآن    4 نصائح طبية عند استعمال كريم الوقاية من الشمس    الملك يغادر المستشفى بعد استكمال فحوصات روتينية    بيع "لوحة الآنسة ليسر" للرسام كليمت بمبلغ 32 مليون يورو    الأوبرا قنطرة إبداع    في ذكرى انطلاقة الرؤية.. مسيرة طموحة لوطن عظيم    الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز يرعى حفل تخريج طلبة «كلية الأعمال» في جامعة الفيصل    حزب الله يطلق عشرات الصواريخ على إسرائيل ردّاً على مقتل مدنيين    تهدئة التوتر بين القوتين الاقتصاديتين في العالم    اللهيبي تُطلق ملتقى «نافس وشركاء النجاح»    اللي فاهمين الشُّهرة غلط !    لا تستعجلوا على الأول الابتدائي    "5 ضوابط" جديدة بمحمية "الإمام تركي"    سوناك وشولتس يتعهّدان دعم أوكرانيا "طالما استغرق الأمر" (تحديث)    مين السبب في الحب ؟!    مشاهدات مليارية !    أهلاً بالأربعين..    مساعد رئيس مجلس الشورى تلتقي بوفد من كبار مساعدي ومستشاري أعضاء الكونغرس الأمريكي    النفع الصوري    حياكة الذهب    هلاليون هزموا الزعيم    إجراء أول عملية استبدال ركبة عبر «اليوم الواحد»    زراعة 2130 شجرةً في طريق الملك فهد بالخبراء    166 مليار ريال سوق الاتصالات والتقنية بالسعودية    مسبح يبتلع عروساً ليلة زفافها    "إكس" تطلق تطبيقاً للتلفاز الذكي    أسرة البخيتان تحتفل بزواج مهدي    انطلاق "التوجيه المهني" للخريجين والخريجات بالطائف    "أم التنانين" يزور نظامنا الشمسي    اكتشاف بكتيريا قاتلة بمحطة الفضاء الدولية    «سدايا» تطور مهارات قيادات 8 جهات حكومية    961 مليونا ً لمستفيدي «سكني»    أمير الشرقية: القيادة تولي العلم والتنمية البشرية رعاية خاصة    تحت رعاية وزير الداخلية.. "أمن المنشآت" تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    دورة تأهيلية ل138 مستفيداً ومستفيدةً من برنامج الإعداد للابتعاث    مقصد للرحالة والمؤرخين على مرِّ العصور.. سدوس.. علامة تاريخية في جزيرة العرب    رسالة فنية    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    الإسباني "خوسيلو" على رادار أندية الدوري السعودي    عيدية كرة القدم    تجهيز السعوديين للجنائز «مجاناً» يعجب معتمري دول العالم    جاسم أحمد الجاسم عضو اتحاد القدم السابق ل"البلاد": الهلال يغرد خارج السرب.. وحديث المجالس وضع" هجر" في مهب الريح    تحت رعاية الأمير عبد العزيز بن سعود.. قوات أمن المنشآت تحتفي بتخريج 1370 مجنداً    بعضها يربك نتائج تحاليل الدم.. مختصون يحذرون من التناول العشوائي للمكملات والفيتامينات    تجاهلت عضة كلب فماتت بعد شهرين    قطاع القحمة الصحي يُنظّم فعالية "الأسبوع العالمي للتحصينات"    أمير عسير يواسي أسرة آل جفشر    أمير حائل يرفع الشكر والامتنان للقيادة على منح متضرري «طابة» تعويضات السكن    المجمع الفقهي الإسلامي يصدر قرارات وبيانات في عددٍ من القضايا والمستجدات في ختام دورته ال 23 clock-icon الثلاثاء 1445/10/14    أمير تبوك: عهد الملك سلمان زاهر بالنهضة الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعاون العربي - الأفريقي ... بين الواقع والأمل . الدعم العربي للقارة السمراء يحتاج الى رؤية استراتيجية
نشر في الحياة يوم 08 - 04 - 2002

مرت 25 عاماً على أول وآخر قمة عربية - أفريقية عقدت في القاهرة في اذار مارس العام 1977. وهي القمة التي علّقت عليها الشعوب العربية والأفريقية آمالاً عريضة في دفع التعاون العربي الأفريقي إلى آفاق واسعة نظراً إلى ما يجمع المنطقتين من أهداف وإمكانات وتحديات مشتركة.
ومؤتمر القمة العربي الأفريقي الأول عقد في ظروف إقليمية ودولية مواتية، إذ كانت حرب تشرين الأول أكتوبر ونتائجها لا زالت ماثلة في الأذهان وما نتج عنها من أزمة بترولية عالمية عانت منها الكثير من الدول الأفريقية وإن كان بعضها المنتج للبترول قد استفاد منها فضلاً عن تزايد التأييد الأفريقي للقضية الفلسطينية والذي تمثل على سبيل المثال في قطع كل الدول الأفريقية علاقاتها الديبلوماسية مع إسرائيل تضامناً مع دولة "أفريقية" عربية هي مصر وزيادة المساعدات العربية لحركة مناهضة التفرقة العنصرية "الابارتهايد" في جنوب أفريقيا. وتزامنت مع ذلك زيارة رئيس وزراء جنوب أفريقيا لإسرائيل العام 1976، التي اتفق خلالها على زيادة التعاون العسكرى بين البلدين. وحضر هذا المؤتمر الذي رافقته حملة إعلامية ضخمة عدد كبير من رؤساء وملوك الدول العربية والأفريقية وكانت الآمال كبيرة في أنه سيكون نقطة الانطلاق لتفعيل التعاون.
تم التمهيد لهذه القمة التاريخية بإجراءات عدة من قبل منظمة الوحدة الأفريقية والجامعة العربية أهمها:
1 - قرارات الاجتماع الطارئ الذي عقده مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في تشرين الثاني نوفمبر 1973 - تضامناً مع مصر بخاصة القرار الذي يدعو الدول العربية المصدرة للنفط وإيران لمد الحظر البترولي في ذلك الوقت لكي يشتمل الدول الغربية التي مازالت تهيمن على أجزاء من أفريقيا البرتغال وجنوب أفريقيا العنصرية وروديسيا الجنوبية زيمبابوي في ما بعد وتكوين لجنة من سبع دول للإتصال بالجامعة العربية لمراقبة الحظر البترولي والتأكد من انه لن يلحق الضرر بالدول الأفريقية.
2 - قرار وزراء النفط العرب في كانون الثاني يناير 1974 في اجتماعهم في القاهرة بإنشاء صندوق للمساعدات العربية من أجل أفريقيا ووضع هذا الصندوق في بدايته تحت إشراف الجامعة العربية ثم انتقل بعد ذلك الى البنك العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا في الخرطوم.
3 - القرار الذي اتخذته قمة الجزائر العربية العام 1973 لإنشاء بنك التنمية العربي الأفريقي في الخرطوم والذي افتتح رسمياً العام 1975.
4 - قرار القمة العربية في الرباط العام 1974 والذي يطالب الأمين العام بإعداد الترتيبات لعقد قمة عربية أفريقية.
5 - الهجوم الإسرائيلى على مطار عنتيبي في أوغندا في حزيران يونيو رغم تواطؤ إحدى الدول الأفريقية معه في ذلك والادانات التي صدرت من الجمعية العامة للأمم المتحدة للتعاون بين النظام العنصري في جنوب أفريقيا وإسرائيل في المجال النووي.
6 - انضمام العديد من الدول الأفريقية إلى منظمة المؤتمر الإسلامي بحيث أصبحت تشكل غالبية أعضاء هذه المنظمة.
وأثمرت القمة العربية - الأفريقية عن أربع وثائق رئيسية هي: إعلان برنامج العمل للتعاون العربي - الأفريقي، إعلان حول التعاون الاقتصادي والمالي العربي الأفريقي، تنظيم وطريقة العمل لتحقيق التعاون العربي الأفريقي، الإعلان السياسي.
ركّز "الإعلان السياسي" على الاستعمار والتفرقة العنصرية، وهو أمر تخطته الظروف، فالدول الأفريقية كافة حصلت في ما بعد على استقلالها وظهر حكم وطني في جنوب أفريقيا بعد انتهاء حقبة "الآبارتهايد"، وعلى ذلك يمكن القول إنه لم يبق من هذا الإعلان سوى ضرورة التصدي للصهيونية واحتلال إسرائيل. وجرت عادة منظمة الوحدة الأفريقية في اجتماعاتها الوزارية أن تصدر قرارات مؤيدة للحقوق العربية في فلسطين ولكنها تدرجت من الإدانة في أول الأمر إلى الاستنكار ثم حالياً أخذ موقف مؤيد فقط للعرب من دون إدانة إسرائيل، ولكن ذلك لا يمنع أن هذه القرارات هي أقوى من أى قرارات تصدر عن منظمات إقليمية أو دولية أخرى. وأدت قمة القاهرة إلى زيادة نشاط منظمة التحرير الفلسطينية في أفريقيا حيث أنشأت مكاتب لها في العديد من الدول الأفريقية، والواقع أن منظمة التحرير الفلسطينية قدمت مساعدات ملموسة وإلى عدد من حركات التحرير الأفريقية خصوصاً في ناميبيا وزيمبابوي.
أما الوثيقة الخاصة ببرنامج العمل للتعاون العربي الأفريقي اقتصادياً ومالياً فقد كانت طموحة جداً بما يتجاوز الواقع والإمكانات المتاحة ومدى الالتزام السياسي من الجانبين. فالأولى تتحدث عن التعاون الديبلوماسي والسياسي والتعاون الاقتصادي في مجال التجارة والتعدين والصناعة والزراعة وتربية الحيوان والموارد المائية والنقل والمواصلات والتعاون في المجالات الاجتماعية والثقافية والتعليمية وفي المجال العملي والفني. ومن قراءة سريعة لهذه الوثيقة نرى أنها لم تتحقق في معظمها. أما التجارة وغيرها فهي في غالبيتها ثنائية بين الدول وليست كبيرة في ذاتها حتى الآن.
وضمت هذه الوثيقة أهدافاً طموحة جداً لم يتم تنفيذ غالبيتها، فقد وضعت على سبيل المثال مشروع اتفاقية ضمان للاستثمار بمعرفة خبراء قانونيين وماليين وقامت الأمانتان العامتان للجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية بتعميمها على كل الدول العربية والأفريقية وتلقتا ملاحظات هذه الدول، ولكن لم تتم ترجمة ذلك إلى اتفاق فعلي منذ سنوات. واجتمع وزراء المال العرب والأفارقة لمرة واحدة في واشنطن على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين العام 1993 ولم يسفر الاجتماع عن المضي قدماً في خطوات عقد الاتفاقية التي تحفظ بعض الأعضاء العرب عن المساهمة فيها. وقرر مجلس الجامعة العربية دراسة إمكان إدماج مشروع المؤسسة في نشاط المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا. صحيح أيضاً أن الدول العربية الرئيسية تقدم مساعدات مالية وفنية ملموسة إلى الكثير من الدول العربية وأنشأت صناديق خاصة لذلك إلى جانب الصندوق العربي للتعاون الفنى مع أفريقيا التابع للجامعة العربية. ومن أهم هذه الصناديق الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العام 1961 وصندوق أبو ظبي للإنماء الاقتصادي العربي العام 1971 والصندوق السعودي للتنمية 1974 والصندوق المصرى للتعاون الفني مع أفريقيا العام 1982 والصندوق العراقي للتنمية 1974 وإلى جانب ذلك هناك مساهمات عربية الى أفريقيا عن طريق البنك الإسلامي للتنمية انشئ العام 1974 وتمويله عربي بنسبة 81 في المئة وصندوق "أوبك" للتنمية الدولية العام 1976 وتمويله عربي بنسبة 63 في المئة، والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار.
آليات التعاون
أهم وثائق طرحت عن المؤتمر فكانت حول آليات التعاون التي حددت كما يلي:
1 - مؤتمر القمة العربية الأفريقية ويجتمع كل ثلاث سنوات، ومنذ الاجتماع الأول لم يعقد حتى الآن.
2 - مجلس الوزراء المشترك ويفترض أن يعقد كل 18 شهراً ولم ينعقد مرة أخرى حتى الآن منذ اجتماع القاهرة العام 1977.
3 - اللجنة الدائمة للتعاون وتجتمع مرتين كل عام إضافة إلى الاجتماعات غير الدورية. وواجهت هذه اللجنة صعوبات كثيرة من أهمها الخلاف داخل كل مجموعة من جهة، وعدم التوصل إلى صيغة عملية تخرج بها هذه الاجتماعات من جهة أخرى. وأمكن بمبادرة من الجزائر عقد هذه اللجنة أخيراً العام 2001 بعد غياب لسنوات عدة.
4 - لجنة التنسيق واجتماعاتها متناثرة واقتصر الأمر على اجتماعات عدة على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وهي تضم الأمينين العامين للجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية ورئيس الجانب العربي في اللجنة الدائمة وزير خارجية الكويت ورئيس الجانب الأفريقي وزير خارجية بوركينا فاسو.
5 - لجنة التوفيق والتحكيم ولم تجتمع أي مرة إذ أنها لم تشكل أصلاً.
6 - لجان متخصصة في جميع ميادين التعاون المشترك ولم تجتمع بخلاف اجتماع سريع سبقت الإشارة إليه لوزراء المال العرب والأفارقة في واشنطن.
وأمكن الاستعاضة عن غياب اجتماعات مؤسسات التعاون، بالتطرق إلى وسائل أخرى تجسد بعض أوجه التفاعل العربي - الأفريقي من أهمها المعارض التجارية العربية الأفريقية التي لاقت نجاحاً لابأس به، إذ جمعت للمرة الأولى الدول العربية والأفريقية في مكان واحد تعرض فيه منتجاتها ويتعارف رجال الأعمال من الجانبين إضافة إلى عقد ندوات على هامش هذه المعارض. وعقد المعرض الأول في تونس في تشرين الأول أكتوبر 1993 ثم في جوهانسبرج 1995 والشارقة 1997 والسنغال 1999 وبيروت 2001 وسيعقد في القاهرة 2003 كما تم عقد أسبوع لرجال الأعمال العرب والأفارقة في القاهرة في 1995.
أما بالنسبة إلى إنشاء معهد ثقافي عربي أفريقي، فقد خطا خطوات لا بأس بها وإن لم يتم بعد إقامته فعلاً. فقد أتفق أن يتم تمويله مناصفة بين جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية وأن يكون مقره إحدى الدول الأفريقية تقدمت فعلاً دول عدة مثل نيجيريا ومالي والنيجر لاستضافة المقر ومديره التنفيذي من دولة عربية. هذا المركز هو بين المشاريع المهمة إذ أن التواصل الثقافي لم يعط الأهمية التي يستحقها، إذ أن هناك شوائب كثيرة في نظرة كل طرف إلى الآخر ولا يزال الجزء الأكبر من التفاعل الثقافي في أفريقيا يتم مع الدول الاستعمارية السابقة.
أصبحت سمة العصر منذ عقود ان تنمية التجارة والعلاقات الاقتصادية بين طرفين تعد افضل وسيله لتنمية العلاقات السياسية، وحتى الثقافية منها. وعلى العكس من ذلك فإن العرب عموماً في علاقاتهم الدولية كانوا يرون ان تقوية العلاقات السياسية تؤدى بالضرورة الى زيادة التبادل التجاري والاقتصادي وهو ما ثبت عدم صحته بعد تجارب عدة. بل إن تجارب الدول النامية الاخرى التي اثبتت نجاحاً اقتصاديا ملموسا في السنوات الاخيرة اثبتت ان النمو الاقتصادي واقامة علاقات اقتصادية خارجية أدت الى تحسين صورتها السياسة رغم بعض المآخذ على مثل هذه السياسة.
وإذا نظرنا إلى إمكانات زيادة التبادل التجارى بين العالمين العربي والافريقي، نلاحظ هنا أن الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الدول الافريقية غير خافية على احد، لأن الناتج العام ينمو بمعدل متوسط يقل كثيرا عن معدل نمو السكان، بل إنه انخفض في العديد من الدول الافريقية. كما ازدادت نسبة الديون الخارجية الافريقية لتصل حاليا الى ما يزيد عن 300 بليون دولار اي ما يمثل 350 في المئة من حصيلة الصادرات الاجمالية في المنطقة وتستهلك خدمة الديون حوالى 24 في المئة من هذه الحصيلة، على رغم كل المبادرات الدولية والثنائية لتخفيف عبء الديون في افريقيا.
وتسببت عوامل عدة في هذه الحال منها الاختلالات في الاقتصاديات الافريقية وسيطرة بعض السلع الاولية القليلة على الصادرات الافريقية عموما واتجاه اسعارها الدولية الى الانخفاض. كما ان التجارة بين الدول الافريقية نسبتها لا تزيد عن 5 في المئة من تجارتها الدولية حيث لا تزال الدول الاستعمارية تستحوذ على الجزء الاكبر من تجارة هذه الدول. كما تعرضت بلدان افريقية كثيرة إلى كوارث طبيعية كبيرة من فيضانات مدمرة الى جفاف مستمر ما اثر على انتاجها فضلا عن عدم الاستقرار السياسى وتزايد النزاعات المسلحة وتعثر التجربة الديموقراطية.
الدعم العربي
وإذا عرضنا للتدفقات المالية العربية الى الدول الافريقية نجد انها كانت توجه اساسا الى القطاع العام لتمويل مشاريع محددة او دعم ميزان المدفوعات. وقدرت هذه التدفقات التي وضعت لدعم ما يبلغ الف مشروع افريقي ما يقرب من ستة بلايين من الدولارات. وكانت البلدان المستفيدة منها في المقام الاول هي السنغال وغينيا ومالى والنيجر. وتأتى هذه التدفقات اساسا من المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في افريقيا وبعض الصناديق العربية وخصوصا الصندوقين الكويتي والسعودي. وتعيب بعض الدول الافريقية على الدول العربية ان معظم مساعدتها للدول الافريقية تتجه أساسا الى الدول الإسلامية في افريقيا، وهو نقد غير صحيح إذ أن جزءاً كبيراً من قروض المصرف العربي أو المساعدات الثنائية العربية تذهب الى بلدان غير إسلامية في إفريقيا.
وإذا نظرنا هنا إلى ملامح التجارة البينية بين الدول العربية والافريقية نجد أن غالبية صادرات إفريقيا إلى العالم العربي تتكون أساسا من سلع زراعية خصوصاً الشاي والبن والتبغ والأغذية المعلبة، في حين يشكل البترول معظم واردات إفريقيا من العالم العربي. وأجريت دراسة حول أسباب تدني نسبة التجارة بين الجانبين خلصتُ الى أن أهمها هو ارتفاع تكاليف النقل الناجم عن انخفاض وزن الشاحنات وعدم وجود خطوط ملاحية منتظمة. كما ان معرفة الشركات العربية في الأسواق الافريقية محدودة جداً وان كانت المعارض العربية الافريقية المنتظمة كل سنتين تحاول تعويض بعض هذا النقص.
ومن العوامل الاخيرة التي تحد من النمو التجارى عدم توافر التمويل اللازم لمثل هذا التبادل، فضلا عن ارتفاع الجمارك في كثير من الدول الافريقية امام المنتجات العربية نظرا إلى أن حصيلة الجمارك تعد مصدراً مهماً للايرادات الضريبية وللخزانة العامة، علما بأن ذلك ينطبق على الجانب العربي أيضاً.
وساهم البنك الاسلامي للتنمية بدور ملحوظ في تمويل بعض عمليات التجارة مع الدول الافريقية خصوصاً الاسلامية منها، بالاضافة الى بنك الاستيراد والتصدير الافريقي مقره في القاهرة الذي انشأه بنك التنمية الافريقية فقد قام بدور ايضا في هذا الصدد.
هل من مجالات أخرى غير التجارة؟
هناك نظرة إلى علاقات التعاون العربي الأفريقي بأنها تقتصر فقط على النواحى الاقتصادية، سواء التبادل التجاري أو أن تقدم المعونات مقابل التأييد السياسي للأفارقة. وبالنسبة إلى الكثير من الدول الأفريقية فإن التعاون ينصب أساساً في الحصول على المساعدات المالية أو المعاملة التفضيلية خصوصاً في البترول، والنقطة الأخيرة تستحق بعض الملاحظة. فبعد الحظر البترولي العام 1973 الذي تضررت منه دول أفريقية كثيرة نتيجة الارتفاع الكبير في أسعاره العالمية، على رغم أن الدول الأفريقية المنتجة للبترول نيجيريا والكاميرون وأنغولا والغابون والكونغو برازافيل استفادت من ذلك كثيراً. وعبر بعض الأفارقة عن مرارتهم أن العرب لم يقدموا لهم شيئاً ملموساً مقابل التأييد السياسي الكبير الذي قدموه إلى القضية الفلسطينية، بل إن العرب صدّروا إلى أفريقيا بعض مشاكلهم ونزاعاتهم.
ولم تخمد فكرة مقايضة البترول التفضيلي بالتأييد السياسي بمرور الزمن، فطرحت إحدى دول غرب أفريقيا رسمياً أخيراً اقتراح توسيع نطاق التعاون ليشمل عدداً من التدابير الخاصة لمنح الدول العربية إلى الدول الأفريقية غير المنتجة للبترول أسعاراً خاصة أسوة بما يحدث في دول أميركا اللاتينية. ويذكر أن أمين عام منظمة الوحدة الأفريقية أشار إلى أنه يجدر بهذه الدول الأفريقية غير المنتجة للبترول أن تحصل على مثل هذه المعاملة أولاً من الدول الأفريقية. كما نود أن نشير إلى أن الدول العربية المنتجة للبترول تؤكد أن النفط سلعه عالمية تحددها الأسواق الدولية بناء على العرض والطلب. ويرجح أن الفكرة لن تخمد تماماً ومن المنتظر أن تثأر بين الحين والآخر. على أن ذلك لا يمنع من وجود قدر من التعاون بين الجانبين في نطاق "الأوبيك" التي تضم الدول الأفريقية المنتجة للبترول إلى جانب الدول العربية، أو في نطاق منظمة الدول الأفريقية المنتجة للبترول.
التعاون بين مجموعتين لا يتمثل فقط في التجارة -رغم أهميتها- ولكن يجب أن يمتد ليشمل قنوات أخرى من شأنها أن تسهل في الوقت نفسه زيادة التبادل التجارى. ومن أمثلة ذلك في نطاق التعاون العربي الأفريقي:
أولاً الشباب والرياضة: أصبحت الرياضة الآن من المظاهر التي تشد الجماهير على المستوى العالمي بفضل انتشار وسائل الإعلام وخصوصاً القنوات الفضائية. والجماهير العربية والأفريقية ازداد ميلها إلى متابعة الأحداث الرياضية بانتظام ولنجوم بعض الرياضيين حضوراً جماهيرياً ملحوظاً يفوق في أحياناً كثيرة كبار السياسيين.
ثانياً السياحة: أصبحت السياحة الآن على مستوى العالم من أهم الصناعات وتنمو سنوياً بمعدل يزيد عن أى صناعة أخرى، فضلاً عن أنها من العوامل التي تزيد الدخل القومي لأي دولة وتساهم في تشغيل أكبر نسبة من السكان. ولذلك فإن العناية التي تبذلها الدول السياحية لتنشيط هذه الصناعة لا تقتصر فقط على البعد الداخلي وإنما العمل على تنشيطها على المستوى الإقليمي باعتبار أن ذلك سيفيد كل الدول المشاركة في مثل هذا التعاون.
وغني عن البيان وجود إمكانات كبيرة لتنشيط السياحة العربية الأفريقية، وهي تتم حالياً ولكن بطرق غير منتظمة وتوجد أمامها بعض العقبات خصوصاً مشكلة التأشيرات حيث تخشى مثلاً بعض الدول العربية من تدفق العمالة الأفريقية الباحثة عن فرص عمل في صورة سياحة، وكذلك عدم وجود خطوط طيران منتظمة بين كثير من دول المنطقة العربية وأفريقيا، إضافة إلى عدم اهتمام الجانبين بالدرجة الكافية بتشجيع السياحة من الجانب الآخر عن طريق الترويج السياحى وافتتاح مكاتب سياحية ...الخ. ويستثنى من ذلك بعثات الحج السنوية التي تجذب عشرات الألوف من الأفارقة سنوياً.
ثالثاً الثقافة والإعلام: أصبحت الثقافة والإعلام مرادفاً لمفهوم واحد في العقود الأخيرة على المستوى العالمى، وبفضل تزايد انتشار وسائل الإعلام دولياً فإنه أدى إلى انتشار "النمط" الثقافي المعين، وأولت الدول الغربية - خصوصاً الولايات المتحدة - اهتمامها لنشر ثقافتها عن طريق وسائل الإعلام.
وتعرضت المنطقتان العربية والأفريقية لتأثيرات ثقافية وإعلامية كبيرة من الخارج، وغالباً من قبل الدول التي كانت تستعمرها من قبل. ويمكن من دون مبالغة تشبيه ذلك بما أصبح يسمى ب"الغزو الثقافي والإعلامي".
وفي الوقت نفسه فإن معرفة الجانبين العربي والأفريقي بثقافة كل جانب معدومة تقريباً وانطباع كل منهما عن الآخر مأخوذ عن مصادر غربية أساساً. فالمطبوعات العربية أو الأفريقية لا توزع بصورة كافية - إن لم تكن منعدمة - في دول الجانب الآخر، ومصادر الاخبار هي مأخوذة أساساً من وكالات الأنباء الغربية التي تركز بصفة رئيسية على الجانب السلبى أو الكوارث أو الأزمات .. الخ، بحجة أن ذلك هو ما يريد القارئ أن يعرفه. فضلاً عن سيطرة رؤوس الأموال الأجنبية - من خارج القارة - على بعض الصحف ووسائل الإعلام في الدول الأفريقية أساساً.
ولا يمكن أن ننكر هنا جهود بعض الدول العربية خصوصاً مصر والجزائر وليبيا والسعودية والسودان في مواجهة هذه الظاهرة عن طريق تقديم آلاف المنح للطلبة الأفارقة للدراسة في معاهدها أو إنشاء مراكز ثقافية عربية في بعض الدول القارة. على أن ذلك كله يبقى أقل من الحاجة الفعلية لمواجهة السياسة الغربية الحثيثة لصبغ أفريقيا ثقافيا كما تشاء. ولكن الفرصة لازالت سانحة إذ أنه رغم كل هذه الجهود "الغربية" إلا أنها لا تزال توجد أساساً على السطح ولم تستطع التغلغل بدرجة كافية إلى الشعوب نفسها. وهناك نية لإنشاء مركز ثقافي عربي أفريقي في إحدى الدول الأفريقية تقوم بتمويله جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية.
المصرف العربي: تجربة ناجحة
يشعر المرء من الاستعراض السابق بالإحباط من مسيرة التعاون العربي الأفريقي، ولكن ذلك في غير محله، إذ أن هناك تجارب عدة ناجحة ثنائية من جانب بعض الدول العربية، أو عربية جماعية تتمثل في هذا النموذج الناجح "المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا". كل هذه النماذج الناجحة لا تلقى للأسف أي تغطية إعلامية أو سياسية ولاحظت ذلك خلال عملي كأمين عام مساعد لمنظمة الوحدة الأفريقية لمدة 12 سنة ومشرفاً على موضوع التعاون العربي الأفريقي. ففي خلال مناقشات وزراء خارجية الدول الأفريقية مثلاً لموضوع التعاون، كانوا يشعرون بالاستغراب حينما يؤكد لهم دور "المصرف العربي" في القارة أو حتى في دولهم، كما أنهم لم يكونوا على دراية كافية بدور الصناديق العربية المختلفة في مختلف أنحاء القارة. وأزعم أن ذلك ينطبق أيضا - بدرجة أقل - على الجانب العربي، إذ أنه لا يوجد تنسيق حقيقي بين الدول العربية في المجال الأفريقي ولم يحدث أن اجتمع مثلاً المسؤولين عن الشؤون الأفريقية في الدول العربية بصفة دورية للبحث فيدإمكان التنسيق بين نشاط دولهم في هذا المجال، كما يحدث مثلاً بين المسؤولين عن الشؤون الأفريقية في دول الاتحاد الأوروبي الذين يجتمعون مرة كل شهر في بروكسل للاتفاق على موقف موحد تجاه القضايا الأفريقية المختلفة. لعل دولنا تأخذ مثل هذا كنموذج للتنسيق في ما بينها.
نعود الآن إلى هذه التجربة "الناجحة" للمصرف العربي الذي بدأ عملياته في أفريقيا في اذار مارس 1975 بهدف - كما حدده اتفاق إنشائه في شباط فبراير 1974 - "توثيق الروابط بين الدول الأفريقية والأمة العربية، ورغبة في دعم النمو الاقتصادى للدول الأفريقية في إطار من التضامن والمصالح المشتركة ورغبة في إعطاء التضامن العربي الأفريقية صيغاً عملية وفعالة".
وكلف هذا المصرف بالآتي:
1 - الإسهام في تمويل التنمية الاقتصادية للدول الأفريقية.
2 - تشجيع مساهمة رؤوس الأموال العربية في التنمية الإفريقية.
3 - الإسهام في توفير المعونة الفنية اللازمة للتنمية في أفريقيا.
والمصرف يُعد مؤسسة مالية تمولها الدول العربية وتم الاتفاق منذ البداية على أن كل نشاطه سيكون في الدول الأفريقية غير العربية، بمعنى أنه إذا كانت هناك دول أفريقية مثل جيبوتي أو جزر القمر أو الصومال فإن عمليات المصرف لن يشملها.
وطبقاً للتقرير الأخير للمصرف عن العام 2000 ، فإنه دخل مرحلة جديدة بالخطة الخمسية الرابعة لموارده وأوجه استخدامها إذ تم تخصيص 675 مليون دولار لتمويل مشاريع وعمليات عون فني في الدول الأفريقية. وارتكزت الخطة على مبدأ الزيادة التدريجية للمخصصات السنوية وكذلك بمزيد من التسهيلات في تقديم قروض المشاريع إذ يتراوح سعر الفائدة ما بين 1 و4 في المئة سنوياً ومدة القرض ما بين 18 و30 سنة وفترة سماح ما بين أربع وعشر سنوات وتعطي الخطة أيضا الأولوية للقطاع الزراعي والبنية التحتية وتنمية الموارد البشرية.
وقدمت اقتراحات عدة لتحسين أداء المصرف ومساعدته كركيزة مهمة في التعاون العربي الأفريقي، أذكر منها اقتراحات الإمارات العربية المتحدة منها الإسهام في تمويل التكاليف بالعملات المحلية لعمليات المصرف المستقبلية خصوصاً بالنسبة الى لسلع والخدمات وتنويع المساهمات بحيث توجه إلى رفع مستوى معيشة الشعوب كما تفعل المؤسسة الدولية للتنمية "IAD" والصندوق الأفريقي للتنمية.
هذا نموذج لتجربة ناجحة لأحد روافد التعاون العربي الأفريقية يجب أن يسلط عليها الضوء بدرجة كافية حتى في عالمنا العربي الذي لا يعرف الكثير عن نشاط المصرف.
ومن العرض السابق يتضح لنا الآتي:
1 - أن ما يطلق عليه التعاون العربي الأفريقي هو تعبير طموح لا يعبر بدقة عن حقيقة الواقع، والأفضل أن نطلق عليها "العلاقات العربية الأفريقية" التي تماثل مثلاً علاقات الدول العربية بالدول الآسيوية.
2 - علاقات التعاون يجب أن تخرج من النظرة الضيقة التي شهدتها خلال العقود الماضية والتي تمثلت في أن تجسيدها هو في إعطاء العرب معونات وقروض مقابل تأييد سياسي أفريقي للقضايا الغربية. يتوقع الأفارقة حصولهم على مثل هذه المعونات ويتوقع العرب تأييد تلقائى من جانب الأفارقة لقضاياهم. الواقع يقول إن المعونات انخفضت تدريجياً في العقود الماضية والتأييد الأفريقي للقضايا العربية لم يعد تلقائياً.
3 - "إمكانات" تطوير هذا "التعاون" أو "العلاقات" تحمل الكثير من الأمل خصوصاً أن المنطقتين أصبحتا مهمشتين في النسيج العالمي، وما يجمعهما أكثر مما يفرقهما.
4 - اهتمام العرب بإفريقيا تضاءل كثيراً، على رغم العمق الاستراتيجي لهذه القارة، ويقتضي الأمر ليس فقط إقناع الرأي العام العربي بذلك ولكن المسؤولين الذين بيدهم اتخاذ القرار.
5 - على جامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الأفريقية، مسؤولية خاصة لتفعيل هذا الدور. واعتقد أن إيمانهما "الشخصي" بهذه القضية الحيوية يجب أن ينعكس على الدور الذي تقوم به المنظمتان العربية والافريقية.
* الأمين العام المساعد السابق لمنظمة الوحدة الأفريقية، والأمين العام الحالي للجمعية الأفريقية في القاهرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.