أكد الشيخ علي سلمان رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية التي تضم معظم رموز المعارضة البحرينية وبعض الأكاديميين والتجار المتعاطفين معها، أن العمل السياسي في البحرين ينطلق من رؤية الجمعية في دعم المشروع الإصلاحي، وان هذا المشروع يحتاج إلى حال نقد دائم شأنه شأن أي مشروع آخر، مشيراً إلى أن "هذه العملية تسمح بالتطوير الحقيقي وبالحركة السياسية في المجتمع". وشدد في حديث إلى "الحياة" على أهمية "بقاء الاختلاف والتباين في وجهات النظر مضبوطاً بايقاع العمل السياسي من دون أن تكون له انعكاسات سلبية على المجتمع، في استقراره الأمني أو الاقتصادي أو الاجتماعي، بالتالي حتى لو اختلفنا في حدود تغييرات أو أي نقاط، نبقى نحافظ على المصالح الكبرى التي تجمع شعب البحرين وحكومتها وأرضها". وزاد ان "هذا النوع من التوافق على عدم استخدام القوة من قبل الحكومة ومن قبل الشعب، وعدم اللجوء إلى غير الوسائل السياسية، يجعلنا في مأمن من أن نكرر الخسارات السابقة، وإذا استطعنا أن نؤسس لهذه الايقاعات ونجعلها عرفاً سياسياً سائداً ودائماً في البلد، نحافظ على مكتسباتنا، ويكون الطريق طبيعياً وممهداً لمزيد من التقدم في هذا الاتجاه". وكشف الشيخ علي سلمان أن "سبع جمعيات سياسية بينها جمعية الوفاق الوطني الإسلامية تعكف على صوغ مطالب محددة تقدم رؤية للخروج من المأزق السياسي"، لافتاً إلى أن الجلسات مستمرة في هذا الاتجاه وتكليف لجنة قانونية لوضع الأسس القانونية والدستورية التي ستنطلق منها هذه الصياغة السياسية. جدل لم يحسم وعن مشاركة جمعية الوفاق الوطني في الانتخابات النيابية المزمع اجراؤها في 28 تشرين الأول اكتوبر المقبل، قال رئيس الجمعية إن "الجدل حولها ما زال قائماً ولم تحسم بعد، وهو يحتاج إلى مدة زمنية من أجل أن يصل إلى حال النضج في القرار". وذكر أن قرار الجمعية المشاركة في الانتخابات البلدية "نابع من أن ايقاع البلديات مستقل عن ايقاع التعديلات الدستورية، وهذه نقطة رئيسية دفعت باتجاه المشاركة في الانتخابات البلدية. نحن نتحرك دائماً في شكل ايجابي مع أي فرصة ايجابية، وهكذا كان تحركنا مع البلديات بهذه الصورة". وأوضح أن "مسألة المجلس النيابي مختلفة، لأن الظروف التي ارتبطت بانشائه هي الظروف والنقاط التي توجد حولها مساحة من الاختلاف في الرأي بين رؤية المعارضة ورؤية الحكومة، بالتالي فإن قرار المشاركة لم يعد محسوماً، وهذا يضاف إلى تعقيدات الدوائر الانتخابية في الانتخابات البلدية التي ستجرى في التاسع من أيار مايو المقبل، والتي أضافت تعقيداً إلى تعقيد التعديلات الدستورية". واستدرك: "إذا حمل قانون الانتخابات النيابية الذي لم يصدر بعد سلبيات أخرى، أو لم يكن ايجابياً، فهذا سيخلق تعقيداً ثالثاً أمام مسألة المشاركة في هذه الانتخابات. المسألة في تقديري ستكون شاقة وقاسية لجهة اتخاذ قرار بهذا الاتجاه، ونحاول دائماً أن نكون ايجابيين إلى أقصى حد، لكننا في بعض النقاط نجد ان الايجابية لا تعني سوى الانتهاء بالمشروع إلى صيغة بسيطة جداً وسطحية، وهذا ما لن يكون مقبولاً". وعن الصيغة التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير في بعض التعديلات الدستورية التي صدرت في 14 شباط فبراير الماضي، قال: "نستطيع كحكومة وكشعب أن نلاحظ مستوى الخسائر التي حدثت منذ 14 شباط إلى اليوم، واعتقد انه إذا كانت هناك مراجعة منصفة ستدفعنا إلى تصحيح هذا الواقع وفي شكل سريع. قد نلجأ إلى أن تكون هذه التغييرات من خلال المجلس نفسه، ولكن يجب الاتفاق عليها مسبقاً والإقرار بأن هذه التعديلات أعلنت، وان تنفيذها سيكون في الجانب التشريعي في تشرين الأول اكتوبر، بالتالي سنسمح بادخال هذه التغييرات من خلال المجلس الوطني". وأوضح الشيخ علي سلمان أن "المجلس لا يمكن أن يمر فيه أي نوع من التغييرات، وبصراحة المجلس شدد قدرته على إحداث أي تغييرات، بالتالي أي تغيير لا يوافق عليه الملك من خلال الدستور المعدل، مصيره التعطيل". واستطرد قائلاً: "نسعى إلى ايجاد توافق مسبق على الانتخابات بين الحال المعارضة وبين الملك، بأن تكون هناك تعديلات من خلال الآلية الدستورية. فالملك هو الذي يدفع بالتعديلات من خلال المجلس المعين، وهذا المجلس في تاريخ تجربة مجلس الشورى لم يقف أمام رغبة أميرية سابقاً، ونتوقع في حال وجود رغبة ملكية في ادخال التعديلات، عدم وقوفه في وجهها، وتصبح المسألة منطلقة من آلية موجودة الآن، لكنها متحركة من خلال ايقاع سياسي خارج إطار هذه المؤسسة". وعن اسلوب العمل السياسي للجمعية مستقبلاً، خصوصاً أنها تستخدم وبقية الجمعيات مفردات تعكس بعض الأحيان أعمالاً يمكن أن تتضمن شيئاً من العنف مثل "النضال والجهاد"، قال الشيخ علي سلمان: "هذا المصطلح يعود إلى البيئة إلى درجة كبيرة، واعتدنا في العمل السياسي أن نستخدم المصطلحات التي وردت من البيئة الغربية، لكن هذا المصطلح هو تطوير داخلي، بمعنى أن عملية النضال استخدمت دائماً من التيارات اليسارية. أما الجهاد فكلمة تستعملها الحركات الإسلامية". وتابع: "عندما نستعمل مصطلح النضال السياسي اليوم، فهو عملية مرتبطة بتاريخ البحرين الذي تطور مع الأيام، ومر بمرحلة الثورية وبمرحلة المطالبة بالتغييرات الجذرية، وانتقل الى مرحلة الاصلاحات والمطالبة بتطوير الدولة من خلال المؤسسات، لكنه استمر يستخدم خزينة منطلقاته الأدبية ذاتها في التعبير. فهو عندما يقول الجهاد والنضال السياسي يعني ممارسة العمل السياسي بروح نضالية وبروح جهادية من أجل التغييرات السلمية والتدريجية في طبيعة النظام القائم. هذا نوع من التطوير الخاص للمصطلح في البيئة البحرينية. فلو استعملت كلمة الجهاد في حالة أخرى قد تعني عملية الاصطدام وعملية القتال، بينما يقصد به في هذه المرحلة ان يكون العمل السياسي حاضراً وجدياً من أجل التطوير. نسعى الى تطوير مساحة التوافق بين النظام والمعارضة، ونصر على إبقاء مساحة الحركة واللعبة مربوطة في اطاراتها السياسية فقط، من دون أن تنتقل الى اطارات أمنية أو اقتصادية. يجب أن نبقي اللعبة في اطار العمل السياسي وكل طرف يحاول ايصال قناعاته الى منطقة التنفيذ في شكل أو آخر، كما يجب أن تنضبط في إيقاع معين لا يعطل المشترك، وهو الأمن والاستقرار ودفع التنمية، ويبحث في المختلف من أجل ايجاد صورة توفيقية". المعارضة والصيغة الغربية وعن تسمية أنفسهم معارضة، على رغم عدم وجود صيغة سياسية غربية في البحرين، اي معارضة وحكومة، قال رئيس جمعية الوفاق الوطني الاسلامية: "المعارضة هي نوع من التعبير عن حركية النظام وحركية المجتمع، اي انها تعني رؤية أخرى، لا تعني العمل من أجل اسقاط نظام ولا تعني العمل الدائم المعاكس للبحث عن سلبيات النظام فقط، بل تعني الرؤية الأخرى، وهي دائماً موجودة في كل مكان. نحن أكدنا في شرح المعارضة في مصطلحنا انها المعارضة الايجابية التي تنطلق الى المشاريع الايجابية، فندعم هذه المشاريع. وتلك التي كانت تعطي مساحة للمشاركة الشعبية ولحرية الرأي، أيدتها المعارضة التي تبدي وجهات نظرها حول النقاط التي تعتبرها تراجعية. هذا النوع من المعارضة في كل المجتمع وحتى في البيت الواحد، لا بد أن يكون موجوداً، أي ان حرية الرأي لا بد أن تنعكس في شكل اختلاف في وجهات النظر، وغيابها يؤدي الى تكلس المجتمع وعدم تقدمه، وهذه ظاهرة خطيرة جدا. وفي حال الادعاء بأن البحرين أو هذا المجتمع هو صوت واحد فقط، فإن هذه الصورة مثالية غير موجودة في أي بقعة من العالم". وعن امكان مشاركة الجمعية في الحكومة، وهل تلقت عرضا بهذا الصدد قال ان "المعارضة اكدت حتى في أقسى اللحظات، حين كان هناك توتر بينها وبين السلطة التنفيذية، ان ولاءها للوطن كان يدفعها الى الموقف الوطني. ولو رجعنا الى المواقف من الخلاف على مسألة حوار وجدنا ان المعارضة مالت في شكل فطري الى تبني وجهة النظر الوطنية حيال مسألة الخلاف الحدودي. والمعارضة لم تدعم يوما توجهات خارجية أو مشاكل خارجية تجاه قضاياها الداخلية، بل حافظت على هذه العلاقة وهذا الحوار، فنحن نختلف داخل البيت الواحد، لكننا نعمل في اتجاه الحركة المشتركة ازاء قضايانا الكبرى". وأشار الشيخ علي سلمان الى انه ربما قدمت الى بعض انصار التيار الذي يمثله وليس الى التيار مباشرة، عروض للمشاركة في الحكومة "لكننا نعتقد ان هذه المشاركة اصبحت متعذّرة بعد التعديلات الدستورية، ولا بد من اصلاح الواقع الدستوري كمقدمة لامكان مشاركة التيار في مؤسسات رسمية من خلال التعيينات". واعتبر ان الصورة السياسية في البحرين "كانت قبل التعديلات الدستورية - على الاقل من خلال التصورات والوعود التي اطلقت في عام الميثاق الاول - توحي بأن تجربة العمل السياسي المقبلة ستكون ثرية وفيها الكثير من الشفافية. ولكن بعد الرابع عشر من شباط فبراير تراجعت هذه التصورات في شكل كبير جداً، واصبحنا امام واقع جديد وليس في حدود الآمال والتصورات. هذا الواقع الجديد وضع العمل السياسي في حدود ضيقة جداً، تمثلت في تقليص المساحة التي كان الشعب سيشارك من خلالها في صنع القرار، وهي المجلس المنتخب. في التجربة الماضية للبحرين كان المجلس المنتخب يشارك بنسبة ثلثي إلى ثلث الوزراء، وهذه التجربة كان مفترضاً أن ترتقي من خلال زيادة أعضاء المجلس الوطني المنتخب في شكل مضطرد، ويبقى حجم الوزراء ثابتاً، فترتقي المشاركة الشعبية في السلطة التشريعية باستمرار. لكن المسألة تراجعت من خلال وجود مجلس معين يساوي المجلس المنتخب، كما اعطيت رئاسة المجلس المشترك الذي هو بعنوان المجلس الوطني الى الجهة المعينة، مما يعني ايضاً بالاضافة الى وجود صوت غالب 41 غياب التمثيل الشعبي في الدائرة التشريعية، أي أنه لن يكون للمجلس المنتخب تمثيل في المحافل الرسمية داخل البحرين او في الخارج، لان السلطة التشريعية لم تعد من اختصاصه ولم يعد يرأسها لانها ستكون برئاسة الجانب المعين. اذاً سيغيّب هذا الجانب التمثيلي للناس في هذه العملية بالاضافة الى ان الجانب التشريعي تقريباً اصبح عملياً لدى الجهة المعينة وليس الجهة المنتخبة. هذا الواقع بدأ يرسم معالم العمل السياسي في البحرين الذي سيكون في اعتقادي مختلطاً، لا يشبه الديموقراطيات التي يتركز العمل السياسي فيها من خلال المجالس المنتخبة، او من خلال انتخابات الرئاسة اذا كان النظام رئاسياً، ولن يكون عملاً شعبياً معارضاً لوجود ايقاع مؤسساتي. العمل السياسي في البحرين سيكون مختلطاً، أي أنه سيتوزع بين القوى الشعبية التي هي خارج اطار الايقاع المؤسساتي وبين المؤسسات، لأن هذه المؤسسات لم تُعطَ دوراً في الحدود الدنيا التي تسمح لها بأن تكون مبعثاً الى الامل والاقتناع في القطاعات الاوسع من المجتمع. وبالتالي سنشاهد عملاً سياسياً ينطلق من مؤسسات خارج اطار المؤسسة التشريعية، أي خارج اطار المجلس الوطني واطار المجالس البلدية، ينطلق من خلال الجمعيات السياسية والرموز الوطنية، وسنشاهد عملاً آخر ينطلق من خلال المجلس، ومن خلال هذه الصورة يصعب التكهن بطبيعة العلاقة بين الحكومة وهذا العمل السياسي المختلط او مستواها".