أسدلت المملكة العربية السعودية الستار على موسم حج عام 1446ه، مسجلةً نجاحاً استثنائياً يضاف إلى سجلها الحافل في خدمة ضيوف الرحمن، ففي ملحمة إيمانية وتنظيمية فريدة، أدى 1,673,230 حاجاً مناسكهم بيسر وطمأنينة وأمان، مؤكدين مجدداً على قدرة المملكة على تحويل التحديات الكبرى إلى قصص نجاح ملهمة، وقد ضم هذا الجمع المبارك 1,506,576 حاجاً قدموا من خارج المملكة، إلى جانب 166,654 من حجاج الداخل. وجاء هذا النجاح الباهر ثمرةً للتوجيهات السديدة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والمتابعة الحثيثة والدقيقة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله-، واللذين يؤكدان دائماً على تسخير كافة إمكانات الدولة لضمان راحة الحجيج وسلامتهم، وقد تجسدت هذه التوجيهات في منظومة عمل حكومي متكاملة، عملت فيها كافة القطاعات بتناغم وتنسيق لا مثيل له، لتتحول المشاعر المقدسة إلى خلية نحل لا تهدأ، هدفها الأسمى هو خدمة ضيف الرحمن. برهنت المملكة مجدداً على ريادتها العالمية المطلقة في إدارة الحشود، وهي خبرة تراكمية لا تضاهيها فيها أي دولة في العالم. هذه الريادة لم تكن لتتحقق لولا الجهود الجبارة التي بذلها رجال الأمن بمختلف قطاعاتهم. لقد كانوا العيون الساهرة على أمن الحجيج والأيدي الحانية التي ترشد وتساعد، وقد تناقلت وسائل الإعلام قصصاً ملهمة لرجال أمن يحملون كبار السن، ويرشون رذاذ الماء البارد على الحجاج لتخفيف وطأة الحر، ويرشدون التائهين بابتسامة لا تفارق وجوههم، في مشاهد إنسانية جسدت أسمى معاني التفاني والإخلاص. لم يقتصر دور رجال الأمن على حفظ النظام، بل تحوّل إلى قصة نجاح في كل مرفق من مكة وحتى عرفات، فقد نفذوا أكثر من حملات توقيف لمخالفين، ففي حي الهجرة وحده جرى ضبط 42 وافدًا بمخالفات تزوير تصاريح، ومنع دخول مسافرين بالتأشيرات السياحية، بالتزامن مع تفتيش عشرات المنازل في مشاعر مثل العزيزية والشوقية. لقد كان منع الحج غير النظامي أحد أبرز عناوين نجاح هذا الموسم، حيث خلت المشاعر المقدسة تماماً من أي حاج لا يحمل تصريحاً، ويعود هذا الإنجاز إلى الاستراتيجيات السعودية الفعالة التي جمعت بين التوعية المبكرة والتطبيق الحازم للأنظمة، مما ضمن توجيه كافة الموارد والخدمات للمستحقين الفعليين، ورفع جودة التجربة المقدمة بشكل ملحوظ. لقد واجهت المملكة تحديًا كبيرًا عبر سياسة فاعلة للمراقبة والتشديد، تضمنت الإيقاف المبكر لإصدار تأشيرات العمرة والسياحة لبعض الدول، والتوسع في استخدام الطائرات المسيّرة لمتابعة تسلل المخالفين من الجو، كما زادت العقوبات: من غرامات مالية تصل إلى 100,000 ريال، والمنع من دخول المملكة 10 سنوات، وترحيل المخالفين، وأثمرت هذه الجهود عن موسم خال تقريبًا من الحج غير النظامي، عكس ما حدث في العام الماضي حين كان هناك أكثر من 400,000 مخالف، ما نتج عنه أضرار كبيرة. لم يكن نجاح الحج خلال العام الجاري وليد الصدفة، بل هو نتاج منظومة خدمات متكاملة وفرتها المملكة، شملت بنية تحتية حديثة من قطارات ومطارات وطرق، ومنظومة صحية متقدمة ضمت مستشفيات ميدانية ومراكز صحية وعيادات متنقلة، إضافة إلى توظيف أحدث التقنيات والتطبيقات الرقمية مثل "نسك" لتسهيل رحلة الحاج منذ لحظة وصوله وحتى مغادرته. لقد أثبتت المملكة عبر الإنجازات الميدانية والأرقام الرسمية، أنها على قدر المسؤولية العظيمة التي شرفها الله بها، وأن خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما هي نهج راسخ وغاية نبيلة، تتجدد فصول نجاحها عاماً بعد عام.