من المعروف ان المخرج السينمائي الايراني محسن مخملباف، في طبيعته، مثير للجدل ويسبح دائماً عكس التيار. وهذا المخرج الذي يعتبر مدرسة في الاخراج السينمائي في بلده، أسس معهداً أسماه "دار مخملباف السينمائي"، لكنه ما لبث ان باعه بعد ان تراكمت عليه الديون. يقول مخملباف عن هذه التجربة الجديدة في حياته ومساره المهني: "في عام 1996 تركت إبنتي سميرة مدرستها لتدرس السينما، اما أنا فرأيت ان دراسة السينما في المعاهد والكليات لا تجدي نفعاً، وهو ما يراه كثير من أعمدة السينما الايرانية من أمثال أمير نادري صاحب أفضل فيلمين "العدّاء" و"ماء رياح تراب" من الذين لم يدرسوا السينما في المعاهد، عباس كيارستمي الذي بدأ عمله كمصمم اعلانات، وداريوش مهرجوئي الذي درس الفلسفة، وبهرام بيضائي الذي لم ير معهد السينما في حياته! وكذلك الأمر بالنسبة إليّ: أنا لم أدرس في الجامعة بل قضيت فترة جامعتي في سجون الشاه". ويضيف: "بعد ذلك كنت من المخرجين المجدّين، إذ اخرجت خلال أربعة عشر عاماً أربعة عشر فيلماً طويلاً وثلاثة أفلام قصيرة وصنعت ثمانية وعشرين كتاباً وقمت بتوليف اثنين وعشرين فيلماً. وهناك عدد من المشاريع في ذهني في طور التنفيذ. ولكن بعد اخراج فيلم "الخبز والمزهرية" الذي أحبه كثيراً، قررت انني اذا توجهت الى تدريس السينما سيكون ذلك أفضل من ان أنتج أو أخرج فيلماً، الأفضل في رأيي ان أصنع انساناً مخرجاً من أن أخرج فيلماً. وهكذا أسست "مدرسة فيلم مخملباف" من ثمانية اشخاص هم من بين أصدقائي وعائلتي، ولما لم يكن لدينا مكان نعلّم فيه، جعلت من بيتي مدرسة للتعليم". ويقول: "كان عدد ساعات التدريس يراوح بين ثمانية وست عشرة ساعة. أكبر تلاميذي سناً كان أحد أصدقائي وهو الذي صور "التفاحة" و"الباب"، وأصغرهم كان ابنتي هناء ذات الثماني سنوات. الدروس كانت مزيجاً من جميع الفنون ولم تقتصر على السينما، بل تشمل الرياضة وركوب الدراجات الهوائية والسباحة والتزلج على المياه، حتى يستطيع المخرج ان يتكيف مع البيئة المحيطة به ويصبح قوي الجسم. تعليم قيادة السيارات والطبخ وعلوم الكومبيوتر واللغة الاجنبية وكذلك تخطيط المدن والعمارة والشعر والموسيقى والاقتصاد والبرمجة السينمائية وكتابة السيناريو والتصوير السينمائي والمونتاج وهندسة الصوت والتقطيع وتاريخ السينما والنقد السينمائي هي من الدروس التي كانت تدرّس في هذه المدرسة. كل هذا يجب على المخرج والسينمائي ان يتعلمه. كانت طريقة التدريس تتم على شكل محاور، وكل شهر نأخذ موضوعاً نعلمه. مثلاً التزلج على المياه او ركوب الدراجات يومياً يتم على مدى ثماني ساعات وبعد هذه الفترة يستطيع التلميذ ان يسير على الدراجة من دون عناء. وكذلك الحال بالنسبة للمدارس والاتجاهات في الرسم والتصوير. نطالع وندرس ونتناقش حول هذه الأمور، وقس على ذلك. وبالنسبة للمونتاج والتصوير السينمائي كان العمل من اختصاص زوجتي مرضية مشكيني التي أخرجت فيلماً سينمائياً ذا ثلاثة فصول "اليوم الذي أصبحت امرأة"، اضافة الى ابنتي سميرة التي أخرجت "التفاحة" و"اللوح الأسود". وأذكر للمناسبة ان ميثم إبني وهو أيضاً أحد تلاميذ هذه المدرسة وقد اتجه نحو التصوير الضوئي، فصور فيلم "التفاحة" و"اللوح الأسود" و"اليوم الذي أصبحت امرأة" وفيلم "السكوت". وكذلك قام بعملية المونتاج للفصل الأول من فيلم "اليوم الذي أصبحت امرأة". وأخرج فيلماً بعنوان "كيف أخرجت سميرة فيلم اللوح الأسود". يتحدث عن عمليات التصوير والإعداد وقد صوّره بكاميرا الفيديو. ابنتي هناء أيضاً أخرجت فيلماً قصيراً عنوانه "اليوم الذي كانت خالتي مريضة" وللمناسبة فإن مرضية مشكيني المخرجة السينمائية هي خالة هناء أخت والدتها وزوجة أبيها بعد وفاة والدتها فاطمة مشكيني. وجميعهم كانوا مساعدين لي في فيلم "السكوت". فلقد انطلقت مسيرة الانتاج والتحضير من داري التي حولتها الى مكتب سينمائي، ثم أيضاً الى مدرسة وشركة انتاج. والمشكلة التي واجهتها بعد ذلك وتسببت بفقدان هذه الدار التي كانت جني عمري في العمل السينمائي والانتاج والاخراج، هي انني اقترضت مبلغاً من المال لكي انتج فيلم "الخبز والمزهرية" فلم ينجح تجارياً ووقعت الخسارة. وكان يجب عليّ ان أسدد الديون المستحقة. لقد سألت عائلتي في هذا المجال: ماذا نفعل؟ ثم قررنا بيع البيت وتسديد الديون. وهكذا لم يبق من هذه الدار الا الاسم الذي حملناه في كل مكان وهو رأس مالنا في هذه الدنيا! ولكن كانت نتيجة هذه المدرسة ان تخرج منها مصور سينمائي ومهندس صوت ومصمم مناظر وديكور وثلاثة مخرجين ومصور ضوئي ومونتير". من هو محسن مخملباف؟ ولد محسن مخملباف العام 1957 في طهران. ينتمي الى عائلة تعمل في النسيج. ترعرع في العاصمة ومارس العمل السياسي منذ شبابه وبدأ بأن قرر طعن شرطي بسكين، هكذا كان يرى العمل السياسي في وقته بقتل شرطي! استدرجه وبنت خالته لطعنه. ألقي القبض عليه وزجّ في السجن ولم يطلق سراحه الا عند انتصار الثورة الاسلامية عام 1979. وقد أراد من انتاج "الخبز والمزهرية" تصوير شبابه وفترة العمل السياسي آنذاك. ومن هنا يعتبر هذا الفيلم من اكثر الأفلام قرباً منه. هذا المخرج الذي يعيش حالاً من الاضطراب وعدم الاستقرار النفسي لا يتوقف منذ سنوات عن انتاج وإخراج افلام مهمة وذات قيمة عالية من السوية الفنية في تاريخ السينما الايرانية.