انتحر يوم 27 آب أغسطس 1950 في غرفة أحد الفنادق، في مدينة تورينو الإيطالية، بعدما ابتلع عشرين حبة منوّم. كان حصل لتوه على جائزة أدبية، وبدأت شهرته، وسيطرته على موهبته. قُدّمت أسباب عدة لانتحاره" ومنها: خيبة عاطفية، بعد قصة حب عاصفة مع ممثلة أميركية شابة، وخيبات سياسية متتالية ازدادت حدّة بعد ابتعاده التدريجي من الشيوعية. والحقيقة أن تلك العوامل جاءت لتقوّي، وتنضج قراراً كان هذا الشاعر يخفيه كشرّ سريّ لا بد من أن تأتي لحظة مناسبة لحسمه. ولا شيء يفسر انتحاره أفضل من يومياته التي نشرت بعد موته تحت عنوان: "امتهان العيش". على امتداد 400 صفحة، يتحدث سيزار بافيزي مع ذاته. لا يذكر الكثير من الأحداث أو أسماء الأشخاص، بل يكتفي بما يشبه التحليل الذاتي. فتلوح مأساته المتعلقة باستحالة التواصل الانساني. وتبدو لنا في أصل الكلام الذي نضج طويلاً حول الانتحار. ولد سيزار بافيزي في سانتو ستيفانو بيلبو البيامونت يوم 9/9/1908. أمضى طفولته ومراهقته في تورينو حيث درَس. حصل على دبلوم دراسات عليا في الآداب حول الشاعر الأميركي والت ويتمان. امتهن التدريس فترة قصيرة، ومنذ تأسيس منشورات إينودي سنة 1933 صار واحداً من المساعدين الأساسيين للناشر، لكنه اعتقل سنة 1935 وحكم عليه بالنفي مدة عام في كالابريا. واهتم أساساً بالأدب الأميركي" فترجم رواية "موبي ديك" لهرمان ملفيل سنة 1939. صدر ديوانه الشعري الأول بعنوان "العمل يُرهق" سنة 1936 وبعد ذلك توالت أعماله الشعرية والنثرية وتنوعت بين الشعر والرواية الشاطئ 1942" الصيف الجميل 1949 والقصص القصيرة والحوارات الفلسفية والمذكرات. بدأ سيزار بافيزي يتكلم على الانتحار منذ العام 1935 متحدّثاً عن نوع من "الانتحار المتفائل"، إذ يقول: "تجدر الإشارة إلى أن الانتحار في أيامنا بات وسيلة تلاشٍ وموت، يُقترف باستحياء، بصمت، بطريقة انبطاحية. لم يعد فعلاً إيجابياً بل بات يُتلقّى سلبياً. من يدري إن كان الانتحار المتفائل سيعود إلى هذا العالم ؟ 24/4/1936. ومن أقواله الأخرى كما وردت في مذكراته: إذا كان صحيحاً أننا نعتاد الألم، فكيف نزداد تألّماً مع مرّ السنين؟ - أودعت حياتك شعرة: لا تتخبط وإلا قطعْتَها. ثمة أمر أسوأ من فشلك في تحقيق مُثلك العليا" وهو أن تكون قد حقّقتَها. - ثمة ما هو أسوأ من الشيخوخة: أن تظل طفلاً. - مَنْ لا ينجب أطفالاً حتى لا يُتعب نفسه بتربيتهم والاعتناء بهم، يعتنِ بأطفال الآخرين. - الموت راحة، لكن التفكير في الموت يعكر صفو كل راحة. - كائن واحد يعلّمك أكثر من مئة. - لماذا تتمتع النساء عموماً بسلوك أفضل من الرجال؟ لأنهن ينتظرن كل شيء من تأثيرهنّ الشكلي، في حين ينصرف الرجال إلى الفعل والتفكير. يجب على المرء أن يصير امرأة أكثر. - لماذا يسعى العاشق الحقيقي إلى ديمومة علاقته ؟ لأن الحياة ألم والحب المتبادل مخدّر، ومن الذي عساه يرغب في الاستيقاظ في منتصف عملية جراحية ؟ - هوذا ملخص كل حكايات الحب: يبدأ العاشق متأمّلاً وينتهي محلِّلاً. - من السهل أن يكون المرء طيّباً إذا كان عاشقاً. - بعد الاستراحة من صخب - اليوم - الأخير ؟ - تُولَد الرغبة في الشعر. وفي الوهن البطيء الناجم عن اكتئاب صامت تُولَد الرغبة في النثر. - أول أسس الشعر يكمن في ذلك الوعي الغامض في سُلَّم قيم الترابط، بما فيها الروابط البيولوجية التي تعيش حياة جنينية بدائية في الوعي ما قبل الشعري. - كل ناقد هو امرأة في سن اليأس، مكبوت وحسود. - عندما نطالع لا نبحث عن أفكار جديدة، بل عن أفكار سبق لنا التفكير فيها وتؤكدها الصفحة المطبوعة. إنّ كلمات الآخرين التي تؤثر فينا هي تلك التي ترنّ في مكمن نعيشه ونمتلكه أصلاً، وإذ تجعله يهتز ويتموّج، تمكّننا من إدراك نقاط أخرى للانطلاق، داخل ذواتنا.