على رغم مرور أكثر من عام على أحداث 11 أيلول سبتمبر، ما زال العالم يحاول استعادة توازنه بعد أن جرى ما جرى في ايلول. وحتى اليوم ما زالت الدهشة تسكن قلب العالم، وما زالت المفاجأة تطيح توازنه، وما زالت الاستخبارات الاميركية والغربية تجري وراء أشباح وتحاول العثور على بقية أعضاء القاعدة. وقد كان جو الحرب التي أعلنها الرئيس الاميركي جورج بوش على الإرهابيين وجماعات العنف وحركات التحرر بلا تفرقة بين أحد من هؤلاء جميعاً، وامتدت نيران الحرب وطبولها واقتربت من العراق، ثم ركزت عليها بعد اتهام العراق بأن لديه اسلحة دمار شامل. باختصار. نجحت القوة الأولى في العالم في نقل العالم إلى حال الحرب، وهو وضع تأثرت به أحوال العالم على كل المستويات... اضطربت الأسواق، واختل الاقتصاد، وضربت صناعات كثيرة مثل صناعة الطيران والسياحة. وامتد التأثير إلى جميع مدن العالم وشلت السياحة فيها في الوقت نفسه باستثناء مدينة واحدة. هي مدينة مكة لم تتأثر المدينة، ولا قل عدد قاصديها لأداء العمرة.. وما زالت - في شهر رمضان - منطقة جذب لسكان العالم كله.. ما هو السر في ذلك. ما هي الميزات التي تجعل لمكة كل هذه المكانة. إن ميزات المدن السياحية معروفة ومشهورة. نظافة الشوارع.. كثرة الحدائق.. وجود انهار أو جداول أو شلالات من المياه.. طيب الطعام والشراب وتوافر الحرية وكثرة المشاهد الجميلة. هذه أهم ميزات المدن السياحية على الأرض.. وهي ميزات لن نبحث عنها في مكة، لأن فيها ما هو أهم وأخطر. إن مكة مجموعة من الجبال.. وسط هذه الجبال صحن، في هذا الصحن بيت هو أول بقعة عُبد الله فيها في الأرض. حين نزل آدم وحواء من الجنة إلى الأرض، كانا نادمين على ما وقع منهما من عصيان. ونصحتهما الملائكة بأن يبنيا بيتاً يطوفان حوله ويعتذران لله ويستغفرانه كما يسبح الملائكة لله حول عرش الحق. هذا البيت الذي طافا حوله عدت عليه عاديات الزمان، وكلف أبو الأنبياء إبراهيم ببنائه من جديد. وبناه إبراهيم واسماعيل. كان إبراهيم يصحب معه زوجته هاجر، وكان ابنهما اسماعيل ما زال طفلاً رضيعاً. سار إبراهيم وزوجه، وهي تحمل رضيعها، حتى وصلا إلى الجبال الموحشة التي ستصبح في ما بعد مدينة مكة. كان المكان مقفراً، لا بشر فيه ولا زرع ولا مياه ولا حياة، وأحست هاجر بالخوف حين تركها إبراهيم واستدار ليمضي.. قالت له: أتتركنا وحدنا في هذا المكان؟ قال: نعم. قالت له: الله أمرك بهذا. قال: نعم. قالت له: إذاً. لا يضيعنا. كان قدر الإيمان الذي يملأ قلب الزوجة الصابرة أكبر من قدرة الكلمات على التعبير. بالنسبة الى عالم المادة، كان معنى ترك الزوجة وابنها في هذا المكان القاسي هو تسليمهما للموت جوعاً وعطشاً. ولكن الله كان يشاء هذا لحكمة عليا ستفصح عنها الأيام المقبلة. بدأت هاجر تبحث عن أي لون من ألوان الحياة، وضعت طفلها في مكان هو الآن بئر زمزم وراحت تمشي بين صخور الصفا والمروة باحثة عن أي أثر للحياة.. فلم تجد. سارت من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا، بحثاً عن مياه فلم تعثر على شيء. واشتد بكاء طفلها وراح يضرب بقدميه الأرض من العطش، وانفجرت بئر زمزم تحت قدميه. في ما بعد.. عندما يكبر هذا الطفل، سيساهم مع والده ابراهيم في بناء الكعبة، وسيصبح الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة شعيرة تحمل اسم العمرة، وتغفر ذنوب من يؤديها بإخلاص وتجرد. هذه الأيام.. كيف يبدو شكل مكة في شهر رمضان. أحمد بهجت