مع استعداد الولاياتالمتحدة لخوض حرب ضد الارهاب، ثار من جديد جدل عالمي كالارهاب حول قدرة الرئىس جورج بوش. بوش الابن جاء الى الحكم قبل تسعة اشهر وهو يحمل اقل قدر ممكن من المعرفة في الشؤون الخارجية، فقد اختار من حرب فيتنام الخدمة في طيران الحرس الوطني في تكساس، وبقيت همومه واهتماماته منذ ذلك الحين قصراً على الشؤون الداخلية الاميركية حتى انتخب رئيساً. وبما ان الرئىس بوش يريد من حلف شمال الاطلسي خوض الحرب الى جانب بلاده ضد الارهاب، بموجب المادة الخامسة من ميثاق "الناتو" التي تعتبر الاعتداء على بلد عضو اعتداء على الاعضاء جميعاً، فإن الاوروبيين ابدوا القلق من محدودية قدرته الشخصية، اضافة الى عدم خبرته. وقرأت عنه: - تعابير وجهه "مثل غزال يواجه الضوء العالي لسيارة"، اي انه "مبهور" لا يعرف حراكاً. - بدل ان ينمو او يبرز في البيت الابيض، فقد تقلص. - يتصرف كأنه رئىس رمزي، والرئىس الفعلي نائبه ديك تشيني. - أفعاله اضعف من اقواله. - لا يزال يخطئ في اختيار كلماته بالانكليزية، وسجل كثيرون انه قال عن الارهابيين انهم "اولئك الناس" او "الجماعة"، مختاراً كلمة شعبية لا تعكس فداحة الجريمة. وانتقد الاوروبيون تحديداً عدم عودته الى واشنطن فوراً، فهو بقي في طائرته، وذهب الى لويزيانا ثم الى نبراسكا، حيث جلس مع نائبه تشيني في غرف تحت الارض محصنة ضد هجوم نووي. وهم انتقدوا قبول الرئىس نصيحة رجال الامن المحيطين به، بدل ان يظهر شجاعته بالعودة فوراً الى العاصمة. ثم انتقدوا تأخره في الذهاب الى نيويورك، فقد سبقه اليها الرئىس السابق بيل كلينتون ب32 ساعة. وحذر الاوروبيون كلهم من التسرع، ومن الاكتفاء بضربات ضد الارهابيين الذين نفذوا العمليات الاخيرة وعدم معالجة الاسباب. وقالت سوزان مور في "الميل او صنداي" الواسعة الانتشار "ان الارهاب ينمو من اليأس والفقر، من الاوضاع التي خلفتها السياسة الاميركية في الشرق الاوسط، مما يقدر بنصف مليون عراقي ماتوا بسبب نقص الادوية نتيجة للعقوبات، من دعم اسرائيل وهي تذبح الفلسطينيين. ان كثيرين يعتبرون الولاياتالمتحدة مسؤولة عن كل هذا...". ولكن حتى اذا كان مركز التجارة العالمية هو "مركز الجشع العالمي" كما وصفه بعض الاوروبيين، فإنه يبقى ان الجريمة فظيعة والذين ارتكبوها يجب ان يعاقبوا. الاميركيون ايدوا الرئىس بنسبة عالية جداً في سعيه لمعاقبة المعتدين، ويبدو انهم يحاولون ان يقنعوا انفسهم بأنه قادر او سيثبت قدرته. وأنصفت "نيويورك تايمز" الرئىس بالقول ان كونه قليل الاستعداد، لا يعني انه ليس أهلاً للمسؤولية، ولكن يعني ان البلاد ستراقب تصرفاته لأنها بحاجة الى من يطمئنها الى ان الرئيس يتخذ قرارات حكيمة، وهي اقترحت ان تظهر القرارات ذكاء والتزاماً بالمبادئ، وان يعطي الرئيس نفسه انطباعاً بأنه يعرف ما يفعل. هناك الآن جدل جانبي حول بعض "المبادئ"، فالولاياتالمتحدة تمنع الاغتيال السياسي منذ 25 سنة، وتحديداً منذ سنة 1976 عندما اصدر الرئىس جيرالد فورد قراراً بمنعه بعد ان تبين ان وكالة الاستخبارات المركزية سي آي ايه حاولت اغتيال فيدل كاسترو وفشلت. والدول الديموقراطية لا تغتال اعداءها، ولكن انصار الاغتيال يقولون انه اقل نفقات من اخبار الحرب، ويحمي ارواح ابرياء كثيرين من الجانبين. وكانت ترددت دعوات سنة 1998 للعودة الى الاغتيال بعد نسف السفارتين الاميركيتين في نيروبي ودار السلام، الا انها رفضت في النهاية. غير ان الموضوع هذه المرة اكبر كثيراً وأخطر. الاميركيون يقولون ان جورج بوش يحتاج الى لعب دورين، دور القائد ودور المبشر، فهو يجب ان يتصرف كما فعل فرانكلن روزفلت بعد الهجوم على بيرل هاربور سنة 1941، ليقنع شعبه بأن هناك قيادة حازمة قادرة على الرد، وهو يجب ان يتصرف كما فعل رونالد ريغان بعد كارثة المكوك الفضائي "تشالنجر" سنة 1986، عندما عمل كراعٍ لرد ثقة الاميركيين بأنفسهم، وبقدرتهم على مواجهات تحديات العصر. ولكن لا نحتاج الى ان نذهب بعيداً، فجورج بوش الابن مطالب بأن يتصرف مثل ابيه الذي جمع تحالفاً دولياً من 38 دولة بعد ان غزا العراقالكويت، ونجح هذا التحالف في طرد القوات العراقية بالقوة العسكرية. ولكن مشكلة الابن انه ليس في قدرة ابيه، او خبرته في الشؤون الخارجية، وان العدو هذه المرة ليس بوضوح النظام العراقي وعدوانه على الكويت، فالادارة الحالية تبدو احياناً وكأنها تجمع تحالفاً دولياً ضد اشباح. هل يكبر جورج بوش في البيت الابيض او ينكمش؟ لا نحتاج الى النظر في كرة بلورية بحثاً عن جواب، لأن الجواب سيأتي خلال ايام قليلة.