يمرّ اليوم اسبوع على الهجوم الذي قوض مركز التجارة العالمية ودمر جزءاً من مبنى البنتاغون وثلم كرامة اميركا. وعلى رغم ان الأيام السبعة بدت دهراً كاملاً واطلقت سيلاً من التكهنات والتحليلات عن تغير الموازين والثوابت، الا انها كانت فترة قصيرة جداً للتحقيق في جريمة اعدت ونفذت بمستوى من الكفاءة المهنية تفتقر اليه المنظمات التي تصنف ارهابية. ولكن يبدو ان القيادة الاميركية قررت ان البحث عن الجناة وتحديد بواعثهم أمر لم يعد له لزوم، فهي "عينت" المتهم قبل استكمال التحقيق ثم حولته مذنباً من دون محاكمة تدينه. والحديث عن تسرع الولاياتالمتحدة في توجيه الاتهامات لا يعني تبرئة ابن لادن من كل ما ينسب اليه أو القول بأن حركة "طالبان" لم ترتكب ما يستحق المحاسبة والعقاب. ولكن مسؤولية الاعتداءات على نيويوركوواشنطن ينبغي ان تحدد في ضوء قراءة دقيقة ووافية لكل القرائن والأسانيد. وعلى نطاق أوسع فإن حملة الاتهامات طاولت العرب والمسلمين باعتبار ان لديهم بواعث للاستياء من الولاياتالمتحدة. ولكن هذا المنطق يقتضي وضع جرد بالمتضررين من السياسة الاميركية: فاليابانيون لم ينسوا ان القنبلتين النوويتين القيتا على هيروشيما وناغازاكي من دون مبررات عسكرية، وبعض الكوريين يحمل واشنطن جزءاً من المسؤولية عن الحرب التي شطرت الدولة الواحدة. والفيتناميون ما برحوا يستوعبون "دروس الحرية والديموقراطية" التي قدمت اليهم بواسطة النابالم. والكثيرون من اهالي اندونيسيا يذكرون ان الانقلاب الذي أيدته واشنطن في الستينات وضع البلد في أتون صراعات لم تنته حتى اليوم. وفي افريقيا تغاضت الولاياتالمتحدة لفترة من الزمن عن نظام الابارتايد ودعمت الحروب الاهلية في المستعمرات البرتغالية السابقة وقصفت السودان وضربت الصومال، فيما لم تحرك ساكناً لوقف الكوارث الانسانية في القارة. ودمغة "صنع في الولاياتالمتحدة" نجدها على انقلابات كثيرة في اميركا اللاتينية: نيكاراغوا، غرينادا، السلفادور، ناهيك بكوبا. اما في الشرق الأوسط فحسبنا الإشارة الى ان اسرائيل المدججة بالسلاح الاميركي مدعومة من الولاياتالمتحدة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وحتى "ارهابياً"، حينما تقوم بغاراتها على المدن الفلسطينية أو عندما تنفذ اغتيالات القادة السياسيين. وحلفاء اميركا في القارة الأوروبية يشكون من انها تتصرف وكأنها فيل في دكان بورسلين، في حين ان كثيرين من الروس يتهمون الولاياتالمتحدة بأنها وقفت وراء تفكيك الاتحاد السوفياتي، وبعد انهياره ايدت "اصلاحات" بوريس يلتسن الكارثية وهي تحاول اليوم تهميش روسيا المعاصرة وتحويلها دولة اقليمية محاصرة من حلفائها السابقين. وأخيراً فإن للادارة الاميركية الحالية خصوماً أقوياء داخل الولاياتالمتحدة بدءاً من الطرف الذي خسر المعركة الرئاسية وانتهاء بالميليشيات اليمينية التي كانت وراء تفجير اوكلاهوما سيتي. والأكيد ان منفذي عمليات 11 ايلول سبتمبر تقصدوا ضرب الرموز وليس تدمير البلد، اذ لو كان هدفهم اعلان حرب على اميركا كلها لكانوا وجهوا طائراتهم الى واحد من المواقع النووية أو المصانع الكيماوية. هذه وغيرها من المعطيات يجب ان تغدو منطلقاً لحفز العرب على الانتقال من الدفاع الى الهجوم المضاد، ليس لتبرئة انفسهم بل للمساهمة في تشخيص المذنب الحقيقي. والأرجح ان الجناة هم الذين يزودون الاعلام ب"قرائن" لتضليل التحقيق ودفعه في اتجاه "عربي" وتأجيج حملة معادية للعرب. والمؤلم ان أطرافاً عربية تشارك في هذه الحملة، ربما عن غير قصد. وتكفي الإشارة، مثلاً، الى ان عدداً من القنوات الفضائية يستضيف باستمرار صحافية مستعربة تحتل في الصحافة الروسية موقعاً "رائداً" في مجال نشر المقالات المسمومة الطافحة بالحقد على العرب، الذين قالت عنهم مرة انهم "لا يحترمون الا من يبصق في وجوههم". ألن نكف عن اعطائهم دليلاً على "صدقها"؟