لم يجد الفلسطينيون سوى عبوات الغاز للدفاع عن انفسهم ومنع التوغل العسكري الاسرائيلي في بلدة بيتونيا الواقعة جنوب غربي مدينة رام الله حيث وقعت، على مدى نحو ثلاث ساعات، اشتباكات مسلحة غير متكافئة بين الجانبين استخدم خلالها الفلسطينيون الرشاشات الخفيفة في مقابل قذائف المدفعية الاسرائيلية والرشاشات من عيار 500 و 800 الثقيلة التي دكت وسط البلدة حيث حوصر السكان وبينهم 25 طفلا داخل روضتهم، فيما لم تتمكن سيارات الاسعاف من اخلاء الجرحى الذين اصيبوا بشظايا القذائف. وسارع أفراد من لجان المقاومة الشعبية وافراد القوات الامنية الفلسطينية الى وضع عبوات غاز على طول خط التماس الذي يفصل البلدة الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة عن المناطق الخاضعة للسيطرة الامنية الاسرائيلية، بعدما كرر الجيش محاولات الاقتحام التي اسفرت عن تدمير مقر لقوات أمن الرئاسة ومنازل عدة والحقت اضرارا جسيمة بعشرات البيوت التي حاصرت النيران سكانها. وشارك المقاتلون في اجلاء طلاب المدارس الابتدائية الذين لم يتمكنوا من الخروج من البلدة. وكانت القوات الاسرائيلية "استهلت" هجومها بقنص الملازم عماد عوض من قوات الامن والحماية اثناء قيادته سيارته قرب الحاجز الذي شهد قبل اشهر مجزرة راح ضحيتها خمسة من افراد الشرطة الفلسطينية اطلق عليهم الرصاص وبعضهم نيام فيما الاخرون يستعدون لتناول العشاء. واصيب عوض برصاصة في الرأس ووصفت حالته بانها خطيرة. وفورا، بدأت القوات الاسرائيلية بقصف البلدة من الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية حيث تصدى لها المقاتلون الفلسطينيون بأسلحتهم الخفيفة ما ادى الى اصابة احد الجنود الاسرائىليين حسب مصادر اسرائيلية. واكد شهود ان نحو 30 قذيفة مدفعية هوت على البلدة، خصوصا وسطها، وان نحو 12 مواطنا اصيبوا، اضافة الى ثلاثة من افراد الدفاع المدني الذين حاولوا اخلاء الجرحى. "خطة الفصل" في غضون ذلك، سارعت اسرائيل الى اعلان بدء تنفيذ خطة إقامة "مناطق عازلة عسكرية مغلقة"، بعد ايام قليلة من معارضة شارون اقتطاع الاف الدونمات من الاراضي الفلسطينية على امتداد خط التماس بين الدولة العبرية والضفة الغربية من اجل تنفيذ الخطة. وتشمل الخطة في مرحلتها الاولى، كما اعلنت اسرائيل، اقامة "مناطق عسكرية مغلقة" في مساحات واسعة شمال الضفة تمتد من جنين حتى طولكرم جنوبا وتضم الاف الدونمات. وأكد شهود فلسطينيون في طولكرم ان قوات الاحتلال شرعت منذ ساعات الصباح في وضع سواتر ترابية جديدة اضافة الى تلك الموضوعة اصلا، وشق شوارع ترابية تترواح في عمقها بين مئات الامتار في بعض المقاطع وبين 3 كيومترات في مواقع أخرى. وتشمل المنطقة التي سيحرم الفلسطينيون من دخولها بدءا من 24 الجاري، أخصب الاراضي الزراعية في المنطقة. وصرح شارون بان الامر لا يعني "رسم حدود" بل "انشاء مناطق عسكرية فقط". ويرى الفلسطينيون في الخطة تنفيذا لسياسة شارون بقضم نحو 60 في المئة من الضفة وابقائها تحت السيطرة الاسرائيلية. لكن وزير الخارجية المصري احمد ماهر اعتبر امس ان تنفيذ الخطة "يدخل ضمن عدوان اسرائيل وسياساتها الخاطئة التي ينتهز شارون الفرصة لمحاولة تطبيقها"، معتبرا ان الامر بمثابة "اللعب بالنار". واضاف: "من يلعب بالنار سيحترق بها". من جانبه، أعلن رئيس اركان الجيش الاسرائيلي شاؤول موفاز في مقابلة مع صحيفة "معاريف" ان "صبر اسرائيل نفد ولن تكون هناك حرب استنزاف"، مشيرا الى "ان الخطوات العسكرية التي اتخذناها اخيرا تتضمن رسالة قوية للرئيس ياسر عرفات". واضاف: "سيواصل الجيش البقاء في مواقع الحصار في داخل المناطق أ اي تلك الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية الى ان تظهر رغبة فلسطينية حقيقية في التوصل لوقف اطلاق النار". وكان عرفات بعث برسالة تهنئة الى الشعب الاسرائيلي لمناسبة رأس السنة العبرية قال فيها انه "اصدر تعليمات حازمة للتقيد التام بوقف اطلاق النار". على الارض، يعايش الفلسطينيون لحظة بحظة ما يعنيه رئيس اركان الجيش الاسرائيلي من كلمة "حصار"، اذ بلغ الحصار والتنكيل بالمواطنين أوجه في الايام الاخيرة في رام الله وقلقيلية ونابلس وجنين والقدس حيث بات ملايين الفلسطينيين محاصرين في محيطهم السكني الضيق وتعطلت مناحي حياتهم اليومية. كذلك منعت قوات الاحتلال المتمركزة على الحواجز العسكرية حركة المواطنين كليا بما في ذلك مشيا على الاقدام، خصوصا في منطقة رام الله وعلى حاجزي سردا المقام بين رام الله وبيرزيت، وقلنديا جنوبالقدسالمحتلة. وعطلت اجراءات الحصار الاسرائيلي وصول مئات الطلاب الى مدارسهم كما عطلت حركة المواطنين والعمال من منطقة الى اخرى داخل الضفة. وشوهد عشرات الفلسطينيين وهم ينتظرون السماح لهم بالعودة الى منازلهم تحت اشعة الشمس الحارقة فيما لم يتوقف الجنود عن التنكيل بهم وضرب بعضهم واعتقال البعض الاخر. وفي اجراء غير مسبوق، اعلنت وسائل الاعلام الاسرائيلية انه سيمنع دخول سيارات المقدسيين الى القدس الغربية خلال الاعياد اليهودية التي تبدأ مساء امس مع حلول رأس السنة العبرية. وعادت الشرطة وتراجعت، اذ قال قائدها ان القرار يشمل ليلة عيد الغفران اليهودي، اي ليل الجمعة - السبت. وواصل الفلسطينيون تشييع ضحايا الرصاص الاسرائيلي في اريحا وقطاع غزة حيث توفي فلسطينيان متأثرين بجراح اصيبا بها اثناء توغل القوات الاسرائيلية في اريحا وبيت حانون الخميس الماضي، فيما قتلت القوات الاسرائيلية شابا فلسطينيا مختلا عقليا هو الخامس الذي يقتل على الحدود الفلسطينية - المصرية من الذين يعانون من امراض عقلية. من جهة أخرى، أبدى شارون مزيدا من التشدد ازاء الفلسطينيين في مقابلات مع صحف اسرائيلية لمناسبة رأس السنة العبرية، فقال لصحيفة "معاريف" ان اتفاق اوسلو خطأ تاريخي فظيع اذ انه "اقتراح حلولا معقدة جدا بل غير قابلة للتنفيذ، واعتمد فرضية خاطئة بان عرفات وقواته المسلحة ستهتم بالا يضربنا الارهاب". وصرح لاذاعة الجيش بانه لا يستبعد لقاء عرفات في مستقبل بعيد "اذا امكن احراز تقدم". وكرر لصحيفة "جيروزاليم بوست" ان التحالف الدولي الذي تحاول اميركا تشكيله ضد الارهاب "لن يكون على حسابنا".