سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحياة" تنشر روايتهم كما عرض لها القرار الاتهامي في قضية أحداث الضنية . طريق الافغان اللبنانيين الى بيشاور تمر عبر الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الحلقة الأولى
بيروت - "الحياة" - المجموعة المتطرفة التي وقفت وراء أحداث منطقة الضنية في شمال لبنان تشكل نموذجاً من تلك التنظيمات الأفقية التي تأسست في عدد من مناطق العالم والتي وضعت أمام أعينها أهدافاً خيالية من الممكن ان تؤدي الى كوارث كالتي شهدها العالم في الأيام الأخيرة. فالقرار الاتهامي الذي أصدره القاضي اللبناني حاتم ماضي، في هذه القضية يتضمن رواية بكامل تفاصيلها عن إنشاء هذه المجموعة في لبنان انطلاقاً من دول غربية كالولاياتالمتحدة الأميركية وكنداوالنمسا، إذ تجند شبان لبنانيون في هذه الدول للمشاركة في "الجهاد الأفغاني"، ومن أفغانستان أكملوا طريقهم الى لبنان محملين بأفكار غامضة تدور على الإمارة الإسلامية الواجب إقامتها في بلدهم. وبناء مجموعة الضنية في لبنان يشكل رواية نموذجية يمكن التعويل عليها لفهم تراكيب هذا النوع من المنظمات والمجموعات. فمن المؤكد ان لسفر هؤلاء الشبان واحتكاكهم بتجارب غريبة الى حد ما عن تجارب احزاب مجتمعاتهم ودولهم صلة اكيدة بما اصبحوا يفكرون ويحلمون. في الحكاية التي تنشرها "الحياة" تفاصيل مثيرة حول اتصالات جرت بين الناشطين الرئيسيين في هذه المجموعة في كل من كنداوالولاياتالمتحدة، وفي بيشاور والمدن الأفغانية، والتي أثمرت مجموعة من الشبان الذين هجروا مجتمعهم ولجأوا الى جرود الضنية في شمال لبنان، ومن هناك باشروا خطواتهم لإقامة جمهورية اسلامية يكون الشمال اللبناني نواتها، في حين لم يكن عددهم يتجاوز الأربعين شخصاً. في يوم 31/12/1999 وما تليه من أيام تعرض الجيش اللبناني لكمائن مسلحة اقامتها جماعة مسلحة في جرود منطقة الضنية، وفي منطقة عاصون، وفي بلدة كفر حبو، في شمال لبنان، اسفرت عن قتل احد عشر عسكرياً، بينهم ضابط، كانوا في مهمة لحفظ الأمن. كما اسفرت عن قتل خمسة مدنيين، بينهم ثلاث نساء، وعن مقتل خمسة عشر مسلحاً من هذه الجماعة. وجرح في هذه الكمائن اثنان وثلاثون عسكرياً وبعض المدنيين. وهذه الجماعة المسلحة لم يعترف بأبوتها احد. وتتألف من: 1- بسام أحمد الكنج اشتهر باسم "أبو عائشة" وباسم "أبو أحمد" وباسم "الحاج" وباسم "عبدالرحمن"، وهو الابن البكر لعائلة مؤلفة من والد توفي في 1983، ومن والدة لا تزال على قيد الحياة، ومن خمسة أشقاء هو كبيرهم ومن شقيقتين. ولد بسام الكنج في العام 1964، في بلدة عزقة في طرابلس، وتابع تحصيله العلمي حتى نيله شهادة مهنية متوسطة. وفي العام 1985 تمكن من الانتفاع من منحة دراسية من مؤسسة الحريري لمتابعة دراسته في الولاياتالمتحدة التي سافر اليها في السنة نفسها، واستقر مع باقي أفراد البعثة في بوسطن. وهناك التقى زوجته الأميركية الأصل مارلين ايرل وتزوجها. وبعد مرور عام على زواجهما اعتنقت الزوجة الدين الإسلامي. وبسبب هذا الزواج فقد بسام تأشيرة دخوله الى الولاياتالمتحدة لأن نظام المؤسسة صاحبة المنحة ينص على ذلك. وفي العام 1988 رزق بسام بابنته البكر عائشة. وفي العام التالي توجه مع زوجته وابنته الى باكستان، بحجة المساهمة في توزيع الأدوية والمساعدات على المسلمين هناك. ووصل مدينة بيشاور، على الحدود الباكستانية الأفغانية، حيث استقرت الزوجة والابنة في أحد بيوت الضيافة مع زوجات القادمين الى المنطقة، على حين توجه هو الى مكان ما داخل باكستان، وغاب فيه وقتاً عاد بعده الى زوجته وابنته، ثم غاب مجدداً، وعاد في نهاية 1989. وساعد زوجته وابنته على العودة الى أميركا. والتحق بهما بعد حوالى 4 أشهر. وفي 1991 عاد مع زوجته الى لبنان، واستقر فيه حتى العام 1993. وعاد بعدها وحده الى أميركا، ومكث فيها الى نهاية 1996. ثم رجع نهائياً الى لبنان، واستقر في بلدته عزقة، مع عائلته التي أصبحت مؤلفة من خمسة أولاد هم: عائشة وآمنة وأحمد وعبدالرحمن وأسامة. وفي أثناء اقامة بسام الكنج في بيشاور، التقى بكل من المدعى عليهما: جميل حمود عرف لاحقاً باسم "سمير أبو در" وباسم "الشيخ سمير"، وبهلال جعفر عرف باسم "طارق"، وبأحمد الكسم أعدم لاحقاً في لبنان بعد ادانته بجريمة قتل الشيخ نزار الحلبي. ومن الممكن ان يكون بسام التقى في الوقت نفسه بالمدعى عليه خليل عكاوي عرف في ما بعد باسم "أحمد"، وكان في بيشاور حين كان فيها بسام والآخرون. غير ان من المؤكد ان خليل عكاوي وبسام الكنج سبق لهما والتقيا في مدينة أورلاندو الأميركية، حيث كان خليل يقيم لمتابعة تحصيله العلمي. وتردد اليها بسام لجمع التبرعات للثوار الأفغان. الرقم 2 في المجموعة 2- وسافر المدعى عليه، جميل حمود، الى باكستان بين العامين 1987 و1990، بواسطة هيئة للاغاثة الإسلامية، للمشاركة في القتال ضد الجيش الروسي ومساعدة المهاجرين الأفغان. وفي العام 1988 تعرف جميل حمود على أحمد الكسم الذي قدم الى باكستان من أميركا، وللهدف ذاته الذي قدم هو من أجله. وفي وقت لاحق التقى جميل حمود بكل من خليل عكاوي وهلال جعفر في مدينة بيشاور، والاثنان قدما من أميركا الى أفغانستان للقتال الى جانب الثوار الأفغان. بيد ان جميل حمود لم يلتقِ بسام الكنج في بيشاور إلا في العام 1990، عندما علم ان شخصاً لبنانياً من المقاتلين مصاب ويعالج في "مستشفى الفوزان". فزاره في هذا المستشفى. وإذا به بسام الكنج الذي علم انه كان في عداد المقاتلين ضد الجيش الروسي، وأنه متزوج من أميركية. ثم زاره مرة ثانية وفي هذه الزيارة حدثه بسام عن أوضاع المسلمين في لبنان، خصوصاً بعد ان تعرضت حركة التوحيد الإسلامي لما تعرضت له. وقال له ان المسلمين "أصبحوا درجة خامسة"، وانهم مظلومون، ويجب القيام بعمل ما لرفع الظلم عنهم، خصوصاً في منطقة الشمال، وأنه من الواجب ان يكون في لبنان عمل جهادي ضد الدولة اللبنانية لأنها غير مسلمة. لكن بسام لم يملك، في حينه، خطة لتحقيق فكرته. ولكنه بدا مصمماً على تنفيذ امر ما. ولم يتكرر لقاء جميل حمود بسبب مغادرة بسام بيشاور الى اميركا لمتابعة علاجه. 3- وتبين من بعد ان المدعى عليه، هلال جعفر، التقى بسام الكنج في بيشاور بين العامين 1989 و1990. والتقى خليل عكاوي، وكان يعرفه سابقاً من لبنان، ثم عاد والتقاه في اميركا. وشغلا معاً المنزل نفسه في مدينة اورلاندو الاميركية. لكن خليل جاء قبله الى باكستان، على الطريقة التي جاء عليها هو. وتبين ان هلال جعفر سافر الى مدينة اورلاندو لمتابعة تحصيله العلمي، على نفقته الخاصة بعد ان امضى سنوات في الجامعة الاميركية في بيروت يدرس فيها مادة الرياضيات. في اثناء وجوده في اميركا اخذ يتردد على احد المساجد للصلاة وللتعرف على الطلاب العرب. فتعرّف على الشيخ تميم العنداني، وهو فلسطيني، وكان يحثّ على الجهاد في افغانستان والتطوع للقتال، او التبرع بالمال. فاستهوته الدعوة. فسأل الشيخ تميم عن السبيل الى الذهاب الى افغانستان. فزوّده هذا باسم شخص يقيم في مدينة نيويورك ويهتم بتسهيل سفر الراغبين بالسفر الى افغانستان. وبعد حوالى شهر توجه هلال الى نيويورك وقابل ذلك الشخص الذي تبين انه من التابعية المصرية، في احد المساجد في المدينة. واستحصل على تأشيرة دخول الى باكستان، واشترى له بطاقة سفر بالطائرة اليها، وزوّده باسم وعنوان شخص هناك للاتصال به عند الضرورة. وسافر الى باكستان وحطت طائرته في مطار مدينة "بيشاور" على الحدود الباكستانية - الأفغانية واستقبله على ارض المطار شخص سوري لقبه ابو طارق، كان يقيم سابقاً في اميركا. ونقله ابو طارق الى احدى المضافات، ومنها الى احد مخيمات التدريب الذي يشرف عليه مدربون افغان يتكلمون اللغة العربية. ومكث في هذا المخيم شهراً واحداً تدرب في اثنائه على الاسلحة الخفيفة، ومارس التمارين الرياضية، وحمل لقب غزوان. وفي نهاية 1987، خيّره المسؤول عن المضافة، وهو مصري التابعية، بين استئناف التدريب وبين الذهاب الى الجبهة في افغانستان. فاختار العودة الى التدريب. وهذه المرة تدرب على الاسلحة الخفيفة والمتوسطة، وعلى الرمي من مدفع الهاون عيار 82 ملم. وبعد ان انهى تدريبه راح يدرّب آخرين، كان من بينهم جميل حمود. فتعرف احدهم على الآخر. وفي 1989، وكان سئم التدريب توجه الى الجبهة للمشاركة في الاعمال القتالية. وعاد هلال من الجبهة الى بيشاور. وفيها تعرف على شخص مصري عرض عليه الاشتراك في دورة امنية لم تكن متاحة إلا لعدد قليل من الاشخاص من بين المدربين جيداً، ومن بين الذين يتمتعون بالكتمان والسرية. ووقع عليه الاختيار لامتلاكه هذه الصفات. فاشترك في الدورة ثلاثة اسابيع. ولكن الدورة لم تتضمن دروساً في تضليل التحقيق. وبعد عودته الى لبنان درس على نفسه هذا الموضوع، وعلم العناصر التي دربها لاحقاً كيف يضللون التحقيق من خلال الثبات على الاقوال، وربط المعلومات بأشخاص غير موجودين في الحقيقة، وتشتيت فكر المحقق، والاكتفاء بالاجابة، بنعم او بلا الخ... 4- وفي العام 1994، في اثناء وجود بسام الكنج في لبنان، بعد عودته الموقتة من اميركا. اتصل بصديق من ايام افغانستان، هو احمد الكسم، وترافقا الى مخيم عين الحلوة في جنوبلبنان واجتمعا بجهاد مصطفى المعروف باسم "ابو عبيدة"، نائب امير عصبة الانصار، احمد عبدالكريم السعدي المشهور باسم "ابو محجن". وبين العامين 1994 و1995 تعرف بسام الكنج على المدعى عليه عمر إيعالي المعروف باسم "ابو محمد الإيعالي"، من طريق شريك بسام في العمل، احمد اليوسف الذي عرف بلقب "ابو محمد الحداد" و"حمزة"، وقتل في الاشتباكات التي دارت في بلدة كفرحبو. وتوطدت العلاقة بينهما. فراح بسام يطلع عمر ايعالي على المحاضرات عن الجهاد الاسلامي في افغانستان، وعلى سفره الى افغانستان، ومشاركته في القتال فيها، وفي البوسنة والهرسك، ومحاولته المشاركة في القتال في الشيشان. ثم اخذ يتساءل: لماذا لا تتألف جماعة تكون لها نواة جهادية؟ ولماذا لا يتم البدء بتحضير الشباب المسلم في لبنان تحضيراً يحميهم من التعرض لما يتعرض له المسلمون في البوسنة والهرسك وأفغانستان والشيشان من اضطهاد؟ ولماذا لا يكون في لبنان معهد وإذاعة خاصة بعد ان اقفلت الدولة اللبنانية جمعية الهداية والإحسان في طرابلس؟ وبعد بعض الوقت قام بسام الكنج، يرافقه عمر ايعالي وأحمد الكسم، بزيارة مخيم عين الحلوة. فاستقبلهم المدعو شحادة جوهر. وبعد قليل دخل عليهم "ابو محجن"، وراح يستفسر من بسام عن احوال المسلمين في افغانستان والعالم. وفي نهاية هذه الزيارة تبرع بسام لأبي محجن بمبلغ ألف دولار اميركي. وقبل انصرافهم اخذ ابو محجن من عمر إيعالي رقم هاتفه للاتصال به لاحقاً. وبعد حوالى الشهر تقريباً، وكان بسام الكنج عاد الى اميركا، اتصل "ابو محجن" بعمر إيعالي هاتفياً، وسأله عن بسام. فلما علم منه انه عاد الى اميركا طلب منه زيارته في المخيم، ففعل. ورافقه في الزيارة عديله، يحيى الأسطا عرف باسم "ابو زاهر". وفي هذه الزيارة اكثر "ابو محجن" من اسئلته عن بسام وعن احواله وأوضاع جمعية الهداية والاحسان التي يرأسها داعي الاسلام الشهال. ثم سأل عمر عما اذا كان في امكان احد المشايخ الحضور الى مخيم عين الحلوة لإعطاء بعض الدروس الدينية في المخيم. لكن عمر إيعالي اقترح عليه، بدلاً من ذلك، ان يتم ارسال عدد من شباب المخيم الى معهد الهداية والإحسان في طرابلس لتلقي الدروس الدينية. ثم قام عمر إيعالي، برفقة يحيى الأسطا بزيارة ثالثة الى مخيم عين الحلوة، وحمل معه بعض الكتب والأشرطة من جمعية الهداية، وكان في حينه مسؤولاً فيها. وزوّده "ابو محجن" بدوره كتباً مثلها. وفي اثناء الزيارة شاهد عمر إيعالي اشخاصاً يطلقون النار من اسلحتهم الحربية. فطلب من "ابو محجن" ان يسمح له بالرماية من هذه الاسلحة. لكن "ابو محجن" أوعز الى نائبه "ابو عبيدة"، ان يدرب عمر ويحيى على تفكيك وإعادة تركيب رشاش كلاشنيكوف ففعل. وبعد مقتل الشيخ نزار الحلبي قام عمر إيعالي بآخر زيارة له الى منزل "ابو محجن". فسأله هذا عن بسام الكنج، وطلب منه ألا يعود الى المخيم في الوقت الراهن. 5- تعرف عمر إيعالي، في اثناء عمله في معهد جمعية الهداية والإحسان، على احمد الكسم الذي دأب على زيارته في المعهد، برفقة المدعى عليه شادي عطوي الذي اشتهر بأسماء "ربيع" و"أبو البراء" و"داني". ثم انقطع احمد الكسم عن زيارته، وتابعها شادي وحده بداية. ثم اخذ يزوره برفقة إيهاب البنا عرف باسم "باقر". وأخذ البنا يزوره منفرداً بعد استدعاء شادي عطوي الى خدمة العلم. ثم توطدت العلاقة بين عمر إيعالي وبين إيهاب البنا باعتبارهما من دعاة الفكر الاسلامي الجهادي نفسه. ابو محجن مجدداً وبعد عودة بسام الكنج من اميركا سأل عمر الايعالي عن تطور العلاقة بينه وبين "ابو محجن". فأطلعه عمر على كل ما حصل معه في هذا الموضوع. ثم عرّف عمر ايعالي بسام الكنج على ايهاب البنا، وهدفه من وراء ذلك تأمين استمرار علاقة بسام الكنج ب"عصبة الانصار" في مخيم عين الحلوة بواسطة ايهاب البنا. وكان ايهاب البنا، بحكم عمله السابق في اذاعة "صوت الإسلام" في بيروت، على معرفة بربيع نبعة وأحمد الكسم وكلاهما متورط بقضية مقتل الشيخ نزار الحلبي. وأحمد الكسم مرتبط مباشرة ب"ابو عبيدة". وكانت العلاقة بين ايهاب البنا وأحمد الكسم وطيدة جداً. وكانا منخرطين في مجموعة تدعو الى إعداد المسلم للجهاد في سبيل الله. فأصبحت علاقة إيهاب بأحمد الكسم مثل علاقة المأمور بالأمير. فأحمد الكسم كان ملقباً "اسامة" كان امير المجموعة، وأعضاؤها هم، اضافة الى ايهاب البنا، ربيع نبعة ابو بكر ووسيم عبدالمعطي ابو الدرداء. ونتيجة لهذه العلاقة، وهي كانت بيد ايهاب البنا وأحمد الكسم، توطدت علاقة ايهاب ب"عصبة الانصار" في مخيم عين الحلوة. فكان البنا يزور المخيم سراً مرة في كل شهر، ويتلقى دروساً فقهية على يد "ابو عبيدة". 6- ولعب ايهاب البنا دوراً تنسيقياً بين ابو عائشة و"عصبة الانصار" في مخيم عين الحلوة. وبدأ هذا الدور منذ اوائل 1997، غداة تنفيذ حكم الاعدام بقتلة الشيخ نزار الحلبي. وكان بسام يهدف في البدء الى معرفة ما اذا كانت العصبة ستردّ على تنفيذ حكم الإعدام ام لا. ولكن هدفه الاول كان التعرف اكثر على فكرة الجهاد والتنظيم لدى "العصبة". فهو كان يعتقد ان "العصبة" تحمل الفكرة نفسها التي حملها هو، وهي بناء الدولة الاسلامية بواسطة مجموعة اصولية او تنظيم يأتمر بأمره. ولكن "ابو عبيدة" كان يسعى الى ان تكون حركة ابو عائشة واحدة من مجموعات "عصبة الانصار" خارج مخيم عين الحلوة وليس حركة مستقلة. لذا طلب "فياض الفلسطيني" المقيم في الدنمارك، من قاسم ضاهر التنسيق مع "ابو محجن". وحضر ليبيان من تركيا الى طرابلس لمقابلة بسام الكنج، وكانا يعرفانه من افغانستان، وأحدهما يدعى "خالد الليبي" ابو محمد، وطلبا منه الاندماج مع تنظيم ابو محجن، لكنه رفض ذلك. وعلى رغم موقف "عصبة الانصار" من مسألة تنفيذ احكام الاعدام في قتلة الشيخ نزار الحلبي لم تنقطع علاقة ابو عائشة بهذه العصبة ومسؤوليها، إما مباشرة أو من خلال تكليف ايهاب البنا بمهمات الاتصال. وراح بسام الكنج يزور "ابو عبيدة"، وبرفقته ايهاب البنا مرة في كل شهر، ويبيت ليلة في ضيافته ثم يعود في اليوم التالي. وفي اوائل شهر تموز يوليو 1997 استدعى "ابو عبيدة" ايهاب البنا الى مخيم عين الحلوة، وطلب الى "ابو عائشة" تسهيل فرار المحكوم عليهما في جريمة قتل الشيخ نزار الحلبي وهما: ربيع نبعة ووسيم عبدالمعطي، في اثناء نقلهما من السجن الى المستشفى وزوّده بندقيتي كلاشنيكوف لتسليمهما الى بسام الكنج لاستعمالهما في عملية الفرار. فاستلمهما ايهاب البنا منه، وسلمهما الى بسام الكنج في منزله الذي ارشده اليه عمر إيعالي. ولكن العملية لم تنفذ. وفي منتصف 1997، بعد اقفال اذاعة "صوت الحق"، كلف بسام الكنج ايهاب البنا ان ينقل اليه اغراضاً سبق له وطلبها من "ابو عبيدة"، وهي كاتم صوت لمسدس بريتا وجهاز أيكوم وست بطاريات وجهاز "ريبيتر" يستعمل لتقوية الاجهزة الالكترونية. فاستحضرها ايهاب البنا وسلمها الى بسام الكنج في منزل والدته في عزقة. وبعد اغتيال القضاة الاربعة، في صيدا، طلب ابو عائشة من ايهاب البنا التوقف عن زيارة مخيم عين الحلوة. وطلب الى زين العابدين خليل ابو أنس التنسيق بين البنا وبين "عصبة الانصار" في هذه الفترة، لأنه فلسطيني ويمكنه الدخول والخروج من المخيم بيسر. وبالفعل قام زين العابدين خليل بهذا الدور، وأنجز مهمات منها إخراج بعض مقاتلي "العصبة" من مخيم عين الحلوة، ونقلهم الى المخيم الذي اقامه بسام الكنج في جرود الضنية في صيف العام 1999. وفي المخيم تدربوا على السلاح. وبعد فك الحصار الذي كان مضروباً على المخيم، بعيد اغتيال القضاة الأربعة، قام ايهاب البنا وبسام الكنج بزيارة "ابو عبيدة" في مخيم عين الحلوة، وبات بسام ليلته هناك، وعاد في اليوم التالي الى طرابلس. وبعد حوادث تفجير الكنائس في طرابلس استدعى "ابو عبيدة" ايهاب البنا، وكلفه سؤال "ابو عائشة" عن الموضوع. فأبلغه هذا ان لا علاقة له به، وأنه لن يسمح باستدعاء "الشباب" للتحقيق معهم في هذه الاعمال، وهدد بأنه لن يتوانى عن الاصطدام بالدولة اذا استدعتهم. ونقل ايهاب البنا الى "ابو عبيدة" هذا الموقف عن بسام الكنج. نواة "الدولة" وعلى هذا تبلورت اهداف بسام الكنج، منذ 1985 وحين وطئت قدماه الأرض الاميركية. فهو كان يسعى الى اقامة الدولة الاسلامية في لبنان، والقرآن دستورها. وكان يرى ان اقامة هذه الدولة لا تحتاج الى قرار لأنها من المسلّمات، وأن العمل على اقامتها واجب على كل مسلم، ولا بأس من الموت في سبيلها. وكان يرى ان الحكم الاسلامي في لبنان يبدأ من منطقة الشمال اولاً، فهي الارض الصالحة اكثر من غيرها، وقبل غيرها، نظراً للثقل الاسلامي فيها، ولالتزام الشباب المسلم السنّي فيها "بطبيعته". وكان بسام الكنج يرى ان السبيل الى تحقيق هدفه لن يكون إلا بواسطة جماعة منظمة دينياً وأمنياً وعسكرياً يكون على رأسها "أمير" يجعل من طاعته قاعدة للعمل. وفي سبيل تنفيذ غايته كان بسام الكنج يرى ان الامر يتطلب امرين متلازمين: الدعوة والإعداد. فالدعوة تعني نشر الوعي الديني بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفع مستوى المسلمين الفكري، وتوحيد كلمتهم، وتربية نفوسهم ودعوتهم الى التمسك بأهداف الدين الخ... اما الإعداد فهو الشق العسكري من الدعوة لأنه يعني الإعداد العسكري، اي اقتناء السلاح والتدريب عليه، والتدرب على قتال الكفار والحكام والأدوات الامنية التي تعوق قيام حكم الخلافة في لبنان، على ان يتم ذلك في اطار السرية. وبعد ان رسم بسام الكنج اهدافه، ووسائل تنفيذها، راح منذ بداية 1997 يعمل على ترجمة افكاره، ووضعها قيد التنفيذ العملي. فأنشأ النواة الأولى التي تكونت منه ومن شريكه في العمل احمد اليوسف حمزة، ومن عبدالله هزيم "أبو بصير" و"أبو مظهر"، وعبدالحكيم الجزار "أبو حطب" و"خطاب". وراح يوسع دائرة اتصالاته مع اصدقائه القدامى الذين يشاركونه افكاره، وشرع في تأسيس الجماعة التي كان تأسيسها يسكن عقله. وعليه، تعاون مع عمر إيعالي، ثم مع قاسم ضاهر، ثم مع ايهاب البنا، ثم مع خليل عكاوي، ثم مع هلال جعفر. واستكمل هذه الاتصالات، في 1998، مع جميل حمود، بعد خروجه من السجن حيث امضى حكماً مدة سنتين بسبب مشاركته في اغتيال الشيخ نزار الحلبي. وأقام الكنج ثلاثة مخيمات للتدريب: الاول في ربيع 1998، والثاني في صيف 1999، والثالث والأخير في كانون الاول ديسمبر 1999. ومن الطبيعي ان مثل هذا العمل يحتاج الى تمويل وإلى سلاح. والتمويل كان يأتي من مصادر مختلفة، منها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي. اما السلاح فكانت مصادره داخلية. واسترجع، في 1997، صداقته مع عمر إيعالي. وراح يداوم على لقائه، وفي هذه اللقاءات صارح بسام الكنج عمر إيعالي بأهدافه ونواياه. وطلب اليه الانضمام الى النواة الجهادية التي أسسها، على ان يتولى فيها مهمة التدريس الديني، وتجنيد العناصر. فوافق إيعالي على الانضمام، سيما وأنه كان قبل ذلك ملتزماً مع "اهل الدعوة" و"جماعة التبليغ" عندما كان لا يزال عاملاً في "جمعية الهداية والإحسان". وراح عمر إيعالي يلقي الدروس الدينية على العناصر التي كان يتم تجنيدها. لكن موقعه في التدريس الديني تراجع قليلاً بعد انضمام جميل حمود، في 1998 الى الجماعة، وأصبح مسؤول الدعوة في التنظيم بدلاً منه. فصار هو وآخرون يتلقون الدروس التي يلقيها جميل حمود، ثم يقوم هو بتدريس الآخرين ما يكون قد تلقنه. جسم الشهيد ساخناً ومحور الدروس الدينية التي كانت تعطى للعناصر هو "الجهاد في سبيل الله"، من طريق تدريس السيرة النبوية. فكان يقال للعناصر انه لا بد من اقامة حكم الخلافة في لبنان، وأن السبيل اليه هو الجهاد المسلح ضد النظام القائم، اي القتال ضده لإقامة هذا الحكم. وتضمنت الدروس الدينية هذه افكاراً في قسمة الغنائم: الفيء، وهو خمس الغنائم يعطى للأمير، والباقي، اي "النفل"، ويقسم على المجاهدين. وتطرقت الدروس الى الشهادة، وإلى بقاء جسد الشهيد حاراً بعد الموت. ورافق عمر إيعالي بسام الكنج، في ربيع 1998، الى احد المواقع في جرود الضنية لاستكشاف مكان ملائم لإقامة مخيم فيه، ومكثا في هذا المكان مدة يومين، اجريا فيهما تدريبات على الرماية من الاسلحة الحربية. ونظم الاثنان مخيم تدريب على السلاح في صيف 1999، اقيم في مكان قريب من مخيم ربيع 1998. وكان المخيم الثاني اكبر مساحة من الأول. واستقدم اليه بسام الكنج الأسلحة والذخائر الحربية. وراحت المجموعات تفد تباعاً الى هذا المخيم بمعدل دفعة واحدة في الاسبوع. وكان المدعى عليهما احمد ميقاتي وفواز النابلسي "أبو عمر" يتوليان، الى آخرين، نقل الاسلحة والذخائر والعناصر الى هذا المخيم. اما عمر إيعالي فنقل الى هذا المخيم احمد اليوسف وعبدالباري وهو غير معروف كامل الهوية، وقاسم ضاهر "عبدالخالق"، وشخصين من تابعية اجنبية عرفا باسم "أبو محمد" و"أبو بكر". وكان قاسم ضاهر "محمود" او "عبدالخالق"، في 1984 مهاجراً الى كولومبيا. وهناك تعرف على الشيخ حسين احمد، من بلدة الرميد في البقاع الغربي. وهذا، كان في تنظيم الاخوان المسلمين. وفي 1987 عاد الشيخ حسين احمد الى لبنان تمهيداً للانتقال الى كندا. وتعرف في بلدته القرعون، على علي حاتم ، الناشط في "حركة التوحيد الاسلامي". فانتسب الى هذه الحركة بواسطة علي حاتم هذا، واستلم منه كلاشنيكوف، مع ذخيرته، ولكنه لم يقم بأي نشاط في هذه الحركة. وفي 1987 سافر الشيخ الى كندا. وهناك اخذ يتردد على بعض المساجد، لا سيما المركز الاسلامي الكندي، في مدينة ادمنتون. فتعرف على كثير من الرعايا العرب، منهم ابو عبدالله رمضان الكويتي. وكان هذا يجمع التبرعات للمجاهدين في البوسنة وكشمير وأفغانستان. وتعرف على الشيخ شوقي محمد، من التابعة المصرية، ويقيم في النمسا، ويرأس "الاتحاد الاسلامي"، ويرسل التبرعات التي ترده من قاسم ضاهر الى اهالي البوسنة. اما التبرعات المخصصة لأفغانستان فكان يرسلها قاسم ضاهر بواسطة ابو عبدالله رمضان الكويتي. في 1993 سافر قاسم ضاهر الى بيشاور لاقناع علي حاتم، وكان يقاتل هناك، بالعودة الى لبنان. إذ سبق لعلي ان وعد شقيقته بالزواج ولم يفعل. وقبل وصوله الى بيشاور عرج قاسم على النمسا، وقابل الشيخ شوقي محمد هناك وسلمه مبلغ سبعة آلاف دولار تبرعات لثوار البوسنة. ومرّ على الدنمارك بناء لنصيحة الشيخ شوقي. وهناك قابل طلعت فؤاد قاسم، المعروف باسم ابو طلال القاسمي، وهو نائب "الجماعة الاسلامية" في مصر، وأمضى في ضيافته يومين. وفي الدنمارك عرفه ابو طلال القاسمي على المدعو "فياض" الفلسطيني، وعلاقته ب"ابو محجن" امير "عصبة الانصار" في مخيم عين الحلوة علاقة ممتازة ومباشرة. وطلب منه "فياض" هذا ان يوصي علي حاتم بالتنسيق مع ابو محجن. وقام علي حاتم فعلاً بزيارة "ابو محجن" برفقة بهجات جبارة "ابو حبيب" في منزله في مخيم عين الحلوة، واختليا منفردين لمدة ساعة تقريباً. وخلص علي بهجات الى ان "ابو محجن" رجل جهادي، ويحمل فكراً مثل فكرهم، اي فكر الجهاد والدولة الاسلامية. ثم قام علي حاتم بزيارة نائب "ابي محجن" برفقة محيي الدين عميص "أبو جهاد". واختليا لمدة ساعة من الزمن. وأكمل قاسم ضاهر سفره الى بيشاور، ومنها الى منطقة بابو. وهناك قابل علي حاتم وأقنعه بالعودة الى لبنان. فعاد علي حاتم من طريق الكويت، فيما بقي قاسم ضاهر في بيشاور اسبوعاً. وغادر الى كراتشي يرافقه شخص يدعى ابو عمر المصري، كان عرّفه عليه علي حاتم. وعرّفه ابو عمر على المدعو ابو الفضل الليبي، المقيم في مونتريال في كندا، وله علاقة بالمجاهدين. وعرّفه ابو الفضل الليبي على بعض من يحمل الفكر الجهادي مثل أبو تنسيم الفلسطيني وحسن فرحات العراقي وأبو خالد وأبو أحمد المصري، وغيرهم... * غداً: كيف تشكّل التنظيم في بيروت والبقاع الغربي؟.