بيروت - "الحياة" - صاحبَ تلقي اللبنانيين ما حصل في اميركا في لحظاته الأولى مشاعر من الدهشة لم يسبق أن اصيبوا بها، فكان من الصعب رصد اتجاه هذه المشاعر، هل هو الخوف، ام تلك الحيرة التي تصيب من يشاهد معجزة تتحقق امام ناظريه؟ فأميركا تتفجّر والطائرات تقتحم ناطحات سحابها، والتلفزيون ينقل إلينا هذه الأحداث لحظة بلحظة. فبأي شيء نفكّر؟ بما يحدث وبمن يقف وراءه، ام بذلك الشيء الذي جعل من مشاهد سبق ان شاهدناها هي نفسها تقريباً في افلام هوليوودية خيالية، تحدث وراء المحيطات ولكننا نشاهدها في اللحظة نفسها التي تحدث فيها؟ كان نقل الصور حدثاً يوازي بأهميته الحدث نفسه، وكان شيئاً غير مفهوم ذلك الذي حملته الوجوه في كل لحظة كانت تسقط فيها طائرة او يُعلن عن انفجار. كأن ما يجري لم يكن له في خيالنا مرادف يتيح لنا ان نعبر برأي او بخاطرة. زينة مثلاً راحت تبكي عندما شاهدت الطائرة تطيح ناطحة السحاب، لم يكن بكاؤها ثمرة شعورها بالحزن على الضحايا وإنما خوفاً من الذي يجري، فكان بكاؤها خرافياً، إذ كيف يمكن ان نخاف من حدث يجري وراء المحيطات!؟ ولكن الصورة امامنا، وبما ان التلفزيون قرّب لنا الحدث الى هذا الحدّ، لماذا لا يقرّب في الوقت نفسه نتائجه؟ فادي وهو تلميذ كثير الكلام، كان يجلس امام التلفزيون ذاهلاً وعاجزاً عن قول اي جملة مفيدة، إذ ان سير الحوادث خارج إمكان التوقع، وحين سئل عن مشاعره تجاه ما يحصل قال انه لا يمكن له في هذه اللحظة إلا ان يضع نفسه مكان اي موظف في مركز التجارة العالمي او مكان راكب عابر في الطائرة المنتحرة. سائق التاكسي وبحدسٍ فطري راح يقول انه يجب استبعاد المشاعر الثأرية والانتقامية. قال هذا الكلام في السادسة مساء، اي في الوقت الذي لم يكن اللبنانيون فيه قد استفاقوا من دهشتهم بعد. ربما شعر السائق ان ثمة من تمكن ان يجنح بمشاعره. وبالفعل، حلّ المساء وبدأت التعليقات والتساؤلات. المتصلون بإذاعة "صوت الشعب" الشيوعية عبّر اكثر من واحد منهم عن اعتبارهم ما جرى درساً كبيراً لأميركا، ويبدو ان المحطة انساقت وراء مشاعر مستمعيها فراحت تبث اغاني لمارسيل خليفة والشيخ إمام، مع تعليقات مبتورة للمذيعين، فهم لا يتجاوبون بالكلام مع المتصلين المنتصرين لما جرى، ولكنهم لم يتمكنوا من إخفاء النبرة الاحتفالية اثناء محاورتهم هؤلاء المتصلين. حاملو الهواتف الخلوية تلك التي تتيح شاشاتها استقبال الصور، بدأت تصلهم على اجهزتهم صور متلاحقة لطائرة تهوي، وذيلت هذه الرسالة بعبارات مختلفة.