لم تتغير أشياء كثيرة في مشهد شبان الانتفاضة منذ الثمانينات. الارجح ان الشباب ليسوا انفسهم، اذ من كان في عمرهم في الثمانينات أخلى في انتفاضة اليوم الشارع لشبان جدد. لكن السؤال يبقى، حول اداء المنتفضين، فمن يشاهدهم على شاشات التلفزيون يشعر ان أفعالهم لجهة رمي الحجارة والتفلت من عبوات الغاز ومن رصاص الجنود تنطوي على احتراف وقدرات تدفع الى الاعتقاد أنهم قضوا اشهراً في التدرب عليها، خصوصاً ان جيل الشبان المنتفضين، هو غير جيل انتفاضة الثمانينات. المدقق في الصور قد يلاحظ تفاوتاً في الملابس بين الجيلين، وفي الوجوه ايضاً، اذ من المرجح ان جيل المنتفضين الحالي اكثر انكشافاً ووضوحاً. وربما ساعد على وضوحه تعاظم دور الصورة اليوم. لكن ما تقدمه هذه الصورة، يؤكد ايضاً ان عناصر التشابه اكثر... مجموعات من الشبان الهارعين في اتجاهات مختلفة ومخلعة، وهلعه. المصورون ايضاً لم يبتكروا زوايا جديدة لصورهم، فراحت الوكالات ترسل صوراً لشبان في لحظة قفزهم واندفاعهم لالقاء الحجر، والصورة حين تؤخذ في لحظة كهذه، تلتقط لحظات يكون الوجه فيها قد بدل ملامحه، فيفقد المرء لثوان تحكمه في عضلاته، وكأن قذف الحجر هو فعل عودة الى ما قبل اختيارنا لملامحنا ولهيئاتنا. من الصعب مجدداً، تجزئة الصورة، فهي واحدة ومتماسكة الى حد يصعب معه فصل فتى او شاب فيها ومحاولة التدقيق بادائه لوحده، فهو دائماً مشدود الى الصورة والى اللحظة التي التقطت فيها. وليست الصورة لوحدها ما يعيق امكان تخليص ملامح الشباب وحركتهم، وانما الحركة نفسها، فهي ليست من فعل الافراد، وانما يتحول، في لحظات المواجهة معظم المشاركين الى نبضات صغيرة في حركة هائلة. الاجسام ضئيلة وبيضاء، هكذا تظهر من تحت "فانيلاتهم"، والوجوه ذاهلة وهارعة، والعدة نفسها، اي مقلاع وحجر، وكأن السنوات العشر الاخيرة والتي شهدت تطورات هائلة في الوسائل، لم تمنّ على شبان الانتفاضة بوسائل عصيان مدني جديدة. في الكثير من المشاهد يظهر الجمع الهاجم ضعيفاً ومضطهداً على خلاف ما توحي به الجموع عادة، فهنا الصورة مقلوبة... الجنود القليلون هم الاقوياء، وهم المتسببون، وتعيق خوذاتهم واسلحتهم وثيابهم محاولة رصد مدى خوفهم او ترددهم او حتى ايمانهم بما يفعلون.