محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    الدولار يسجل مستويات متدنية وسط مخاوف حيال استقلال البنك المركزي    استشهاد 26 فلسطينيًا في قصف على قطاع غزة    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    مونتيري المكسيكي يفوز على أوراوا الياباني برباعية ويصعد لدور ال16 بكأس العالم للأندية    إحباط محاولة تهريب أكثر 200 ألف قرص إمفيتامين    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    بيئة الشرقية تقيم فعالية توعوية عن سلامة الغذاء بالشراكة مع مستشفى الولادة بالدمام    الخط العربي بأسلوب الثلث يزدان على كسوة الكعبة المشرفة    مجلس الشورى" يطالب "السعودية" بخفض تذاكر كبار السن والجنود المرابطين    الذكاء الاصطناعي.. نعمة عصرية أم لعنة كامنة؟    روسيا تسقط 50 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    "الغذاء " تعلق تعيين جهة تقويم مطابقة لعدم التزامها بالأنظمة    في جولة الحسم الأخيرة بدور المجموعات لمونديال الأندية.. الهلال يسعى للتأهل أمام باتشوكا    في ربع نهائي الكأس الذهبية.. الأخضر يواصل تحضيراته لمواجهة نظيره المكسيكي    النصر يفسخ عقد مدربه الإيطالي بيولي    10.9 مليار ريال مشتريات أسبوع    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    بحضور مسؤولين وقناصل.. آل عيد وآل الشاعر يحتفلون بعقد قران سلمان    طقس حار و غبار على معظم مناطق المملكة    الجوازات: جاهزية تامة لاستقبال المعتمرين    سلمان بن سلطان يرعى حفل تخرّج طلاب وطالبات البرامج الصحية بتجمع المدينة المنورة الصحي    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    عسير.. وجهة سياحة أولى للسعوديين والمقيمين    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    "التخصصات الصحية": إعلان نتائج برامج البورد السعودي    مؤتمر صحفي يكشف ملامح نسخة تحدي البقاء لأيتام المملكة    «الظبي الجفول».. رمز الصحراء وملهم الشعراء    الإبداع السعودي يتجلى في «سيلفريدجز» بلندن    الهلال يصل ناشفيل وكوليبالي يحذر باتشوكا    مهندس الرؤية وطموحات تعانق السماء    صوت الحكمة    صيف المملكة 2025.. نهضة ثقافية في كل زاوية    رخصة القيادة وأهميتها    المملكة حضور دولي ودبلوماسية مؤثرة    مرور العام    جبر الخواطر.. عطاءٌ خفيّ وأثرٌ لا يُنسى    توقيف قائد «داعش» في لبنان    بكين تحذّر من تصاعد توترات التجارة العالمية    دورتموند يكسب أولسان ويتصدر مجموعته بمونديال الأندية    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل البريطاني    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    بنفيكا يكسب البايرن ويتأهلان لثمن نهائي مونديال الأندية    أمير الجوف يبحث تحديات المشروعات والخدمات    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الجوز.. حبة واحدة تحمي قلبك    الميتوكوندريا مفتاح علاج الورم الميلانيني    استشارية: 40% من حالات تأخر الإنجاب سببها الزوج    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب - مرجع : الاتجاهات والحركات في الشعر العربي
نشر في الحياة يوم 15 - 08 - 2001


الكتاب: الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث
الكاتبة: سلمى الخضراء الجيوسي نقله من الانكليزية الى العربية عبدالواحد لؤلؤة
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت 2001
ظلت سلمى الخضراء الجيوسي تعمل عشر سنوات من دون توقف لانجاز عملها الكبير "الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث" وسبب هذا البطء في العمل انها كتبته باللغة الانكليزية، متوجهة به الى مثقفي الغرب ومستعرضة حركة الشعر الحديث خلال القرن المنصرم، بأسلوب أكاديمي رفيع المستوى، وبوجهة نظر نقدية وموضوعية، فالجيوسي وهي في الأصل شاعرة، وقد يغيب عن البال مجموعتها الشعرية واليتيمة الصادرة أوائل الستينات بعنوان "العودة من النبع الحالم" لكن من المؤكد ان هذه المجموعة لم تقل قيمة عن الشعر الحديث آنذاك برواده السياب والملائكة والبياتي وأدونيس الخ، والغريب ان ما كتب عن تجربة الشعر الحديث لم يتعرض إلا نادراً الى هذه المجموعة الرائدة.
لقد اعتبرت سلمى الخضراء الجيوسي نفسها رسولة للأدب العربي في الغرب، وقد كان نشاطها في هذا المجال كبيراً خصوصاً عبر المؤسسة الثقافية التي أسستها بعنوان "بروتا" فترجمت عبرها الكثير من الأعمال العربية الابداعية الى اللغة الانكليزية، وأصدرت في السبعينات موسوعة القصة العربية القصيرة الحديثة، كما أصدرت روايات عدة ومجموعات شعر عدة لكتاب وشعراء عرب بارزين.
كتابها الجديد ترجمه الدكتور عبدالواحد لؤلؤة الى العربية، وهو أستاذ عراقي اكاديمي وناقد معروف، فجاء العمل متكاملاً من كل النواحي. وهو في ثمانية فصول وبحوالى 915 صفحة من القطع الكبير، وهذا يدل على قيمة الموضوع وشموليته. فبدءاً تناولت الجذور الثقافية للشعر العربي الحديث، الى بواكير التطور في القرن العشرين خصوصاً في مصر والعراق وسورية ولبنان والاردن وفلسطين. الى ظهور الاتجاه الرمزي في هذا الشعر وصولاً الى انجازات الشعر الجديد حتى مطلع السبعينات حيث توقفت الناقدة عن المتابعة هنا، مشيرة الى ان شعراء ما بعد السبعينات لم تنضج تجاربهم بعد، وتترك أمرهم لمحاولة أخرى في مثل هذا العمل الكبير.
بداية تشير الكاتبة الى أنه قد طرأ على الشعر الحديث تغيرات جذرية منذ بداية انتعاشه حتى اليوم. وذلك في فترة قصيرة لا تزيد على مئة عام، وصاحبت ذلك تغيرات مشابهة تناولت الأمة العربية نفسها من جميع الوجوه: السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية... مشيرة من ناحية أخرى الى أن كثيراً من المؤشرات والأحداث المهمة في التاريخ السياسي للوطن العربي قد جرى قبولها اعتباطاً عند بعض النقاد العرب، على انها مؤشرات للتغير الشعري، لكن النظرة الفاحصة تبرهن في الغالب ان حدثاً شعرياً معيناً قد لا يكون متصلاً مباشرة بأحداث سياسية خاصة، بل بعوامل اجتماعية أو فنية، أو بهذه أو تلك، هذا لا يعني انه ليس بوسع أي حدث سياسي أن يحدث أثراً عميقاً مباشراً في الشعر. لكن المهم عادة ليس الحدث، بل استجابة الناس اليه وقدرتهم على استيعاب معنى ذلك الحدث كاملاً وترجمته الى فن معبّر.
وتستغرب الناقدة الجيوسي ان دارس الشعر العربي الحديث قد يعجب إذ يجد أن السياسة كان لها أثران متناقضان في فن الشعر العربي الحديث، أحدهما ايجابي وتجديدي، والآخر رجعي وتقليدي. فالأحداث السياسية لا تكفي وحدها أبداً لتفسير العوامل الخارجية التي تؤثر في الشعر، فالعوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لا يمكن فصلها عن العوامل السياسية.
لقد إتبعت الكاتبة في هذا الكتاب طريقة حاولت فيها الجمع بين عوامل كثيرة في آن معاً، طريقة تعنى بالعوامل الاجتماعية والسياسية بوصفها قوى مهمة لعبت دوراً ما في تغيّر كبير في وعي الموهبة العربية المبدعة وطريقة تفكيرها. وهي في الوقت نفسه نظرت في التغيرات النفسية التي حدثت في المواقف. ووجهات النظر عند العرب. وفي تأكيداتهم العاطفية فانعكست في شعرهم، غير أن تركيزها الأهم في هذا المجال لا ينحصر في تفاصيل الأحداث السياسية والحركات الفكرية والقومية والاجتماعية، بل يركز على تأثير هذه الأحداث في الشعراء المختلفين في فترة تاريخية معينة... الى جانب دراسة الأوضاع الخارجية التي أحاطت بالشعراء والنقاد.
يحاول هذا الكتاب الاحاطة قدر الإمكان بثقافة الشعراء أنفسهم، نوع المدارس التي درسوا فيها، وما قرأوا من كتّاب آخرين وما زاروا من بلاد، وما أقاموا من علاقات، وما ورثوا من تقاليد أدبية مباشرة، إذ ترى الكاتبة انه من الأهمية بمكان معرفة العلائق الثقافية لدى هؤلاء الشعراء وما حملوا من مثل.
لقد غربلت الشاعرة معظم التجارب الشعرية منذ بداية القرن حتى السبعينات بموضوعية وحكمة - ان صح التعبير - فهي تكتب مادتها للقارئ الغربي قبل العربي، فاستعرضت أبرز الشعر وأبرز الشعراء... وقدمت نماذج من أعمالهم مستلهمة الاحاطة بهذه التجارب من كل جوانبها.
مثلاً اذا تناولت تجربة الأخطل الصغير ترى فيه أن ثمة حيوية صاخبة في الطبيعة في شعره، حيث نجدها قد اكتسبت اشكالاً وألواناً وقيمة استاتيقية وحالات نفسية نتيجة ذلك تأثره بالشعر الفرنسي وجبران خليل جبران، متجاهلاً ان هذه العلاقة في المظهر الجمالي للطبيعة من الصفات البارزة في الحياة اللبنانية وتوجد على نطاق واسع في الشعر الشعبي... وعلى رغم ان الأخطل الصغير يبقى من حيث الأساس شاعر اللوحة والصورة، يحدد ملامح موضوعاته من الخارج، ولا يكاد ينفذ الى اللب من التجربة، فقد اكتسبت مقدرته الشعرية قوة أكبر وطرافة أكثر بمرور الزمن. وصوره في أحسن أحوالها واضحة شفافة، وهي في بعض الأحيان تعبر عن أفكار معقدة، على كل حال يبقى الأخطل الصغير علماً مهماً من أعلام الشعر الحديث، ليس في الشعر اللبناني وحسب، بل في الشعر العربي كله... على أن شعر أمين نخلة مثلاً كان توكيداً للعرف الشعري الذي استنه، بدرجة أقل، الأخطل الصغير، وتوكيداً أكبر لاستمرار العرف الكلاسيكي من بناء بلاغي ونحت للكلمات في تعمّد وأناة. وظل في طليعة المبدعين من حيث صوغ القصيدة والتقاط اللفظة اليانعة الفريدة.
يتناول الكتاب في أحد فصوله الشعر الرومانسي بدءاً بجماعة أبولو في مصر وتجربة أحمد زكي أبو شادي، الى الشاعر التونسي ابو القاسم الشابي، وعودة الى الهمشري في مصر، الى الأبرز: ابراهيم ناجي وعلي محمود طه، الى أبو شبكة في لبنان الذي كان يرى ان الموسيقى واحدة من عناصر عدة متساوية في الأهمية في الشعر، ويجب ألا يكون المعنى في القصيدة أقل قيمة من الموسيقى ولا الصورة في المعنى، وهو يرى أن الطبيعة قيثارة الشاعر، لكنه يصر كذلك على ان الشاعر يجب أن يكون صورة لعصره.
في الشعر الرمزي ظهر يوسف غصوب، الذي ظلت قصائده تدور حول موضوع الحب وفي الوقت نفسه اصراره الصوفي على الجمال الأمثل، يكشف عن نزعة رمزية، على رغم انه لا يبلغ درجة الاصرار واللاعقلانية التي نجدها عند سعيد عقل.
وإذا انطلقنا الى انجازات الشعر الجديد حتى مطلع السبعينات نجد الكاتبة الناقدة تناولت تجارب عدة لرواد القصيدة الحديثة الجدد. مثل "الشعر الحر" و"قصيدة النثر" و"القصيدة الحديثة"، فبدأت بالسياب الذي جرب "الخفيف" في قصيدة واحدة "حيكور أمي" وفي كتاب "رسائل من لندن" لمصطفى بدوي يتعرض الى هذا النوع من الشعر بأنه ينطوي على موسيقية وميل لتجميع نفسه.
أما عن قصيدة "النثر" فتشير الكاتبة الى تجربة ت. س. ايليوت الذي أراد في قصيدة النثر "ايقاعات الظلام" و"أنساق الصوت" فتأتي الى تجربتي أدونيس وأنسي الحاج، الذي أقام كل منهما أفكاره على أفكار سوزان برنار في كتابها القيم "قصيدة النثر من بودلير حتى أيامنا هذه" لكنهما يتحدثان بثقة وحماسة الى أن تصل بهما هذه الحماسة الى أن يجعلا من قصيدة النثر أعظم شكل أمكن بلوغه.
يقول الحاج: وقصيدة النثر هي اللغة الأخيرة في سلم طموحه، لكنها ليست باتّة. سوف يظل يخترعها. ويرفع أدونيس شاعر النثر فوق منزلة شاعر النظم بكثير: "فشاعر الوزن.. منسجم يقبل قواعد السلف ويتبناها. بينما شاعر النثر متمرد ورافض، فهو ليس تلميذاً، بل خالق وسيد". وترى خالدة سعيد ان كتابة الشعر في قالب النثر أصعب بكثير من كتابة الشعر المنظوم: "الشعر مزلق خطر لا ينجو منه إلا الشعراء الموهوبون وحدهم". لكن مصطفى بدوي يرفض هذا الشعر لسببين: الأول، لأن الشعر "تعبير لفظي عن تجربة نفسية لها عناصرها العاطفية الأساسية الخاصة".
وثانياً - وهو يعد هذا عظيم الأهمية - لأن هذا التعبير لا يمكن أن "يقوم على فوضى، بل انه يتبع نظاماً كاملاً موحداً. وهذا النظام هو الذي يمكّن الشاعر من السيطرة على تجربته العاطفية".
وعن تجربة أدونيس تقول الجيوسي: ان أدونيس كثير المغامرة في مجال اللغة، فهو شاعر مغامر في استخدام كلماته مغاير للأسلوب المألوف، يمتلك ثروة هائلة من المفردات الشعرية. فهو في بلوغه أسلوباً شعرياً يختص به وحده يقف مغامراً جريئاً، يُدخل في الشعر كلمات لا عهد للشعر بها من قبل:
"أطعمته المغنيسيا
وعسل الخل وماء الزاج".
وهو شاعر ايحاء وتوهج صوفي، تكاد تتلاشى لديه المعاني الأساسية في الكلمات لتعطي المكان لمعانيها المستقاة وترابطاتها الجديدة".
وتنتقل الناقدة للحديث عن خليل حاوي "الشديد التأثر بصور العتمة والدمار، وهو استمرار لما بدأه شفيق المعلوف في "عبقر" والياس أبو شبكة في قصيدته "الدينونة"... ويكتب أنسي الحاج بالعرف نفسه وخصوصاً في مجموعته الأولى "لن" مع الفارق الكبير ان حاوي يهدف الى بناء عالم على أنقاض التعاسة والقبح، بينما يهدف الحاج في تمرده المطلق الى تدمير جميع القيم القائمة واظهار تلوثها.
تختم الكاتبة قولها: ان الحديث عن لغة الشعر العربي الحديث لا يمكن أن تنتهي. ولكن يستحيل الاستمرار في ذلك في هذا الكتاب. لقد أوردت أمثلة مختصرة معبرة في هذا المجال، ولكن يبقى الكثير مما يمكن قوله عن شعراء آخرين.
على كل حال، لا نستطيع عبر تلك السطور من الاحاطة احاطة شاملة في هذا السِفر الكبير. إذ كانت سطور ملخص قدر الإمكان لإعطاء فكرة عن هذا الكتاب. وعلى الباحث والناقد والأستاذ الاكاديمي العودة اليه وقراءته لأنه مفيد له ومرجع لا غنى عنه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.