اسمه الهاتف الخلوي، أو التلفون المحمول، أو التلفون النقّال، أو الموبايل. وأحياناً يطلق المصريون اسم التلفون في شكل مطلق، فإذا فعلوا ذلك فاعلم أنهم يقصدون الهاتف الخلوي، كما كانوا يطلقون اسم الست - في شكل مطلق - على أم كلثوم. وقد انتشر الهاتف الخلوي في مصر انتشاراً يوشك أن يكون عاماً وكاملاً ومستوعباً للجميع. ويبدو أن العالم يعاني هو الآخر موضوع انتشار هذه الوسيلة الجديدة للاتصال. جاء في دراسة بريطانية عن الهواتف الخلوية في جريدة "الحياة" أن تسعة مراهقين بريطانيين من عشرة دون سن السادسة عشرة يستخدمون الهواتف النقّالة، وأن 10 في المئة منهم يستعملونها أكثر من 45 دقيقة يومياً. أجرى الدراسة المركز العلمي في جامعة شيفلد هالام البريطانية، وشملت ألف تلميذ. وحذّرت الدراسة من الاستخدام المفرط للأجهزة الخلوية بين المراهقين، واتضح أن 95 في المئة من المراهقين المشمولين بها يستخدمون خدمة الرسائل القصيرة و16 في المئة منهم بمعدلات تفوق عشر مرات يومياً. وقال 11 في المئة ممن شملتهم الدراسة انهم يعتقدون بوجود الأضرار من جراء استخدام الهواتف الخلوية بسبب الموجات الصادرة عنها. وأكدوا تزايد حالات آلام الرأس بينهم. قلت لنفسي: إذا كان هذا حال بلد متقدم كإنكلترا، فما هو الحال عندنا ونحن جزء من العالم الثالث؟ إن جراهام بل حين اخترع التلفون كان يخترع أداة جديدة للاتصال بين البشر. وكان يفجّر ثورة في الاتصالات في العالم، وقد نجح التلفون أن يقوم بهذه الثورة. لقد اقتربت الشعوب من الشعوب، واقترب الأفراد من الأفراد، واقتربت المجتمعات من المجتمعات، وكشف التلفون عن منافع هائلة، مثل حالات الحوادث وطلب النجدة، أو حالات الخطر الذي يمكن مواجهته في بدايته، أو حالات نقل الأخبار أو الاتفاق على تجارة أو مصلحة. والمفروض أن التلفون جهاز يستخدم في الاتصالات المستعجلة أو المهمة، هكذا كان يفكر السيد جراهام بل، ولو أنه عرف كيف يُستخدم التلفون في مصر لتردد قبل اختراعه أكثر من مرة. إن التلفون عند الكثيرين في مصر ليس جهازاً لنقل الأخبار والاطمئنان الى الصحة، إنما هو في الأصل جهاز للدردشة، والثرثرة، أدخل أي مكتب من مكاتب الحكومة، أو القطاع الخاص ستجد معظم التلفونات الموجودة في المكان معلقة في أيدي الناس جوار آذانهم والكلام مستمر فيها. ماذا يقولون ... إنهم يقولون ما لا يخطر على بالك. أحياناً تصف سيدة لصديقتها كيف تصنع محشي ورق العنب، وهو طبخة شهيرة في مصر. أو تصف السيدة لقريبتها كيف تفصّل فستاناً رأته في فترينة أحد المحال الشهيرة المشهورة بغلاء أسعارها. كما تستغرق المكالمة ... ساعة ... وربما ساعة ونصف الساعة. هذا الولع بالكلام في التلفون من دون ضرورة ملجئة أو سبب قوي ... هو جزء من مميزات الشخصية المصرية، وأحياناً أقول لنفسي إنه نابع من الإحساس بالوحدة، على رغم دفء العلاقات في الأسرة المصرية عموماً. أخيراً ... ظهر التلفون المحمول. وإلى سنوات قليلة مضت كان التلفون المحمول يصادَر في الجمارك، على أساس أنه موجود بالنسبة الى رجال المخابرات والمباحث العامة، وفيما عدا ذلك فمن الذي يريده؟ ثم انفتحت مصر على العالم ودخلها التلفون المحمول، وليس هناك إحصاءات رسمية تقول لنا كم عدد الذين اشتروا هذا الجهاز الجديد الذي يمكن صاحبه أن يتكلم فيه ويتصل بأبعد بقاع الأرض وهو يسير في السوبر ماركت وينتقي بعض أنواع الجبنة التي تستهويه. منذ أعوام كان عدد الذين اشتروا هذا التلفون المحمول نصف مليون مواطن، زاد عددهم إلى المليون نتيجة الدعاية التي قامت بها شركات الهاتف الخلوي ونتيجة بيعه بالتقسيط المريح، ولست أعرف آخر رقم وصل إليه عدد المستخدمين له، ولكنني أراهم يتزايدون كل يوم. إن الأسرة المتوسطة المصرية التي تضم أربعة أفراد تضم في الوقت نفسه 4 تلفونات محمولة، وقد صار هذا التلفون أجمل هدية تقدم في المناسبات الخاصة كأعياد الميلاد. هذا التلفون هو أحد الأسباب المسؤولة عن الركود الاقتصادي ونقص السيولة، فقد سحبت شركات الهاتف الخلوي ما يقرب من 7 بليون جنيه في الأعوام الأخيرة، ولله في خلقه شؤون.