إذا كانت محسنة توفيق حصلت مراراً على جوائز تقديرية وتشجيعية، فإن تقديرها الحقيقي ينبع من حب الجماهير العريضة لها، لعشقها فنها ولتلقائيتها وأدائها وحماستها الشديدة، كممثلة مسرحية وسينمائية. التقت يوسف شاهين، في أعمال عدة، ولم ينس مشاهدو التلفزيون دورها المتميز في مجموعة اجزاء "ليالي الحلمية". "الحياة"، في هذا الحوار، تقترب من عوالم محسنة توفيق: الفن وثيق الصلة بقضية حرية التعبير والديموقراطية... كيف يمكن تطبيق ذلك على حركة الفن الآن؟ - مهما كانت الأوضاع غير مؤاتية الآن لربط العلاقة بين حرية التعبير والديموقراطية، على الفنان ألا يستسلم للظروف، لانتزاع الديموقراطية في شكل أو آخر. وكل من يشعر أن في داخله شيئاً يريد أن ينقله إلى مجتمعه، لا بد من أن يبدأ، ولا بد من تحمل المسؤولية. ويبقى أن نحاول جميعاً ونجهد أنفسنا... والمسألة تحتاج إلى تضحيات. هل يفسر كلامك هذا أسباب قلة أعمالك الفنية؟ - لا تعليق، فأنا لا أستجدي العمل... وفسّر الأمر كما تريد. المهم أن ذلك لا يعفي المسؤولين عن الفن من حمل رسالته الحضارية التي تتلخص في البحث عن سبل لتقديم فن راق نظيف يعمق في الأجيال فكرة إيجاد بدائل وحلول لمشكلاتهم ومسايرة الركب الحضاري والثقافي الحاصل والتوعية الثقافية المطلوبة. لذلك قبلت العمل في الأجزاء الأربعة من رائعة اسامة انور عكاشة "ليالي الحلمية"، من إخراج اسماعيل عبد الحافظ. شعرت أن ليس في هذا العمل وصاية على الجماهير أو مصادرة لحقوقها ورغباتها. وهذه مطالب حضارية ينبغي ان يستمع إليها الآخرون، ولا بد من أن تحققها حكومات المنطقة حيث نعيش. فمأساة الوسط الفني، مثلاً، أن ظروفه وتكوينه على درجة عالية من الذاتية والأنانية والجري وراء الشهرة والنفوذ والمصلحة وعدم توافر النضج السياسي. وهذه من الأسباب التي تجعل فناننا غير ثائر. أحياناً أشعر باليأس، لكنه يأس لحظة، وليس يأساً عاماً... لأن مستقبل بلدنا وشعبنا واعد جداً. البعض وصفك بأنك فانيسا ريدغريف السينما المصرية، فما هو وجه التشابه بينكما؟ - كلما كنت أشاهد فانيسا ريدغريف على الشاشة، كنت أحس أنني أرى نفسي، وأنني كان يمكن ان أكون فانيسا ريدغريف السينما المصرية. كان ذلك قبل أن أحقق نفسي سينمائياً وتلفزيونياً، عندما مثلت فيلم "حادثة شرف". أما الفيلم الثاني، وعنوانه "غفران"، فأكلت اظافري ندماً عليه، لأنه لم يلق نجاحاً جماهيرياً على رغم تفوقه الفني. ثم تتابعت افلامي، وكان أكثرها جذباً للانتباه تلك التي مثلتها تحت إدارة المخرج يوسف شاهين، وهي "العصفور" و"اسكندرية ليه" و"وداعاً بونابرت". هل تصدق أنني لا أشاهد أفلامي بعد تصويرها؟ ذهبت، مرة، إلى بيروت لأشارك رضا كبريت مسرحية "الابن"، من إخراج ميشال نبعه، فعبرت، من فوري، عن رغبتي في مشاهدة "العصفور" الذي لم اكن شاهدته. في اليوم نفسه، كان رضا يجري اتصالات لترتيب عرض خاص. وبالفعل شاهدت الفيلم للمرة الاولى، وما أن اسدلت الستارة وانتهى العرض، حتى اسرعت الى أقرب كرسي وانفجرت بكاء، واستمعت الى عبارات المدح في شأن الواقعية والأصالة والتعبير. الفيلم يروي الظروف التي عاشتها مصر قبل هزيمة 5 حزيران يونيو 1967. وتوقفت الاحداث عند الهزيمة، إلا ان "بهية" رمز الأم والأرض والناس كلهم محسنة توفيق، رفضت الاستسلام أما الأمر الواقع، فانتفضت ثائرة، مؤكدة الحب وقدرة مصر، عبر صرختها التي تصبح صرخة جماعية "حا نحارب". حاربت مصر وانتصرت وحركت حال اللاسلم واللاحرب، وجعلتها معركة دولية. كنت اشاهد الفيلم وأنا في حال هدوء، ولكن ما ان انتهى العرض حتى فوجئت برد فعل ذاتي، قبل خوض الحرب وبعد خوضها. كنت، ولم ازل واثقة من المضي قدماً في طريق النصر. ومسألة البكاء عندي ليست قضية لحظة. إذ قد يبدو الأمر لحظة، إلا انها لحظة ممتزجة بالماضي والحاضر معاً. ماذا عن الادوار التي تعرض عليك الآن؟ - أنا طوال حياتي، أظل أسيرة العمل الذي يروق لي. ودائماً أتلقى الادوار التي لا تعجبني، وهي قليلة. لكنني لست أسيرة المال، بعدما أصبح جحيماً بالنسبة إلي. فأنا لا أريد أن أقول للناس، في استمرار، اموراً حقيقية وعميقة، من دون افتعال. وهذا ما يجعل العلاقة بيني وبين الجمهور في تطور دائم. وكما عشت دوري في فيلم "العصفور" وعشقته، تكرر ذلك في معظم أعمالي، خصوصاً مسلسل "ليالي الحلمية" وفيلم "اسكندرية ليه" الذي تماشى مع ميولي واتجاهاتي ومع ما أؤمن به. وهذا هو المهم. فقد قدمت شخصية امرأة مصرية مناضلة ومكافحة في سبيل تربية أبنائها ورفع مستواهم العلمي وتحقيق مكانة اجتماعية لائقة لهم، وسط موجة الفقر والقهر والذل والمرارة. لذلك حصلت على جائزة التمثيل الأولى عنه في مهرجانات سينمائية دولية عدة.