في نوفمبرتشرين الثاني 1982 احتاج الملك الراحل الحسن الثاني ان يتوجه من مدينة فاس المغربية الى المنتجع الشتوي في ايفران مرات عدة لاقناع الرئىس الراحل حافظ الاسد بمبادرة السلام التي اقرتها قمة فاس. وكان على البروتوكول المغربي ان يحدد اقامة الرئيس الاسد في ايفران فيما كان خصمه الرئيس العراقي صدام حسين يقيم في فاس. الا ان الرجلين اجتمعا معاً في ايفران وركبا الى جانب القادة العرب كافة عربة مفتوحة جابت شوارع المنتجع الشتوي في نهاية قمة فاس. بعد حوالي عقدين، ستستضيف المدينة العتيقة فاس غداً اول قمة بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس السوري بشار الاسد، نجلي القائدين الغائبين،،ولا يبدو ان القضايا التي كان يتداولها الحسن والاسد هي نفسها التي ستشد الاهتمام، فقط هناك مرجعية خطة السلام التي اصبحت خياراً استراتيجياً ستتمحور حولها مباحثات القائدين الشابين، لكن الانفتاح على بلدان الجوار في المشرق والمغرب سيكون ضمن القضايا التي تستأثر بالاهتمام. ففي العلاقة بين سورية والعراق قطع البلدان شوطاً مهماً على طريق الانفراج، لكن المغرب والجزائر لا يزالان اكثر تردداً في تكريس ثقافة الثقة المتبادلة، والارجح ان تجربة القائدين في الانفتاح الداخلي ستكون مدعاة للتأمل. وفي حال ترسيخ المسار الديموقراطي المبني على دعم التعددية سيصبح الانحياز الى هذا الخيار اقرب الى تغيير الصورة، اي الى الرهان على الديموقراطية سبيلاً لكسب المعركة. ومع فارق ان الجولان محتلة من طرف اسرائيل وان مدينتي سبتة ومليلية تحتلهما اسبانيا فإن الانشغال بتحرير الاراضي المغتصبة يظل هاجساً مشتركا بين السوريين والمغاربة. في امكان القمة المغربية - السورية ان تضع مقاربات جديدة في التعاطي والاستحقاقات الراهنة، اقربها ان الدينامية الجديدة في العلاقات العربية - العربية يمكن ان تقود الى صفاء يعزز الصف العربي. وكما ان الزيارة المرتقبة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الى دمشق ستزيل حواجز عدة امام التفاهم السوري - الفلسطيني، فإن الملك محمد السادس او الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة يمكن ان يقدما على مبادرة مماثلة لرأب الصدع بين البلدين الجارين. وفي وسع تيار الحاكمين الشباب في العالم العربي في ضوء الافادة من تجارب الحكماءالعرب ان يحقق نقلة نوعية في بناء علاقات جديدة تدعم خياري الديموقراطية والسلام في ترابط جدلي يعزز الموقف العربي. ثمة مؤشرات عدة تفيد بإمكان دعم الحركية الجديدة في العلاقات العربية - العربية، فالانعقاد الدوري للقمة العربية يعتبر انجازاً على طريق تفعيل مؤسسة القمة كما في تجربة بلدان الاتحاد الاوروبي، وحل الخلاف الحدودي بين قطر والبحرين يؤشر الى بدء روح جديدة في تسوية النزاعات الاقليمية كذلك فإن اقامة مجالس للشورى والحوار في بلدان خليجية عدة يصب في اتجاه المتنفس الديموقراطي، من دون اغفال الدور المتزايد للمرأة العربية، كونه يدعم خيار الانفتاح. بيد ان هذه الحركية وحدها لا تجيب عن كل الاسئلة المطروحة، فهي حركية في سياق واقع قائم، والمطلوب تطوير هذا الواقع على صعيد امتلاك مؤهلات تغييره بما يفيد في كسب رهان الديموقراطية والسلام. فالتوازن في المعركة لا يقوم على قوة السلاح وغلبة الاقتصاد فقط، ولكنه ينبني على قيم الحداثة والتطور، وفي مقدمها احترام حقوق الانسان واشاعة الحرية والديموقراطية وبناء المجتمعات المتماسكة التي تقدر على المواجهة والمنافسة في عالم يتغير باستمرار. من قبل كان هناك تقسيم جغرافي للعالم العربي يستند الى المواقع والثروات، والآن يمكن البحث في تقويم جديد بين اهل القرار الشباب واهل الحكمة. وكلما تعمق التفاهم بين الجيلين كلما ترسخ المنظور المتطور لبناء علاقات عربية جديدة.