الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للبحر الأحمر يهنئ القيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    أمير جازان يستقبل المهنئين بعيد الأضحى المبارك    عبدالعزيز بن سعود يلتقي منسوبي الإدارة العامة للتوجيه والإرشاد بوزارة الداخلية    الشؤون الإسلامية تعايد ضيوف خادم الحرمين الشريفين بعيد الأضحى المبارك    «الإحصاء»: التضخم يواصل استقراره.. وصعود طفيف للأسعار    تزامناً مع العيد.. أسعار «الشوكولاتة» تواصل صعودها    قتل تمساح ابتلع امرأة !    وزير الداخلية يدشن قيادة المجاهدين بعرفات    وليّ العهد يستعرض مع شارل ميشيل القضايا الإقليمية    مصادر «عكاظ»: هتان يحدد مصيره «الاحترافي» عقب رحلة أمريكا    الداخلية: إدارة الحشود صناعة سعودية ندرّسها للعالم    40 ألف ذبيحة في أول أيام عيد الأضحى بالرياض    40 نيابة لمباشرة القضايا في الحج    دقيقتان تفصلان حاجة باكستانية عن العثور على هاتفها    رصاصة تقتل طفلاً حاول إنقاذ أمه من أبيه!    وليّ العهد والرئيس السيسي خلال لقاء أخوي بمنى    «السراب» يجمع يسرا اللوزي وخالد النبوي    محافظ الطائف يهنئ القيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    في أمنٍ واطمئنان.. الحجاج يستقرون في منى    استثمار منصات التواصل في تجديد الخطاب والرد على شُبُهاتِ أهل الإلحاد    1 من 6 مصابون به.. هذه المشكلات وراء العقم في العالم    5 فوائد صحية لماء البامية للرجال    جهاز إشعاعي للكشف عن زهايمر القلب    ولي العهد يتبادل التهاني مع ملك البحرين وأمير الكويت والرئيس التركي ويتلقى اتصالاً من رئيس المجلس الأوروبي    القبض على مهرب مخدرات إثيوبي    تين هاج: إدارة مانشستر يونايتد أبلغتني بالاستمرار مدربا للفريق    العيال لم تكبر !    ردة الفعل تجاه مستيقظي العقل    في فمي ماء !    أميركا: توقعات بزيادة استهلاك الكهرباء مع موجة شديدة الحرارة    نستثمر في مستقبل المملكة والعالم    العيد.. فرصة للتجديد!    تطوير مركز عمليات مكة الذكية    المجسمات الجمالية تزين الشرقية    أمير مكة يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة عيد الأضحى    صلاة العيد على أنقاض المنازل    الغيص: الأولوية لأمن الطاقة وتوفيرها بأسعار معقولة وتعزيز الاستدامة    عاتق البلادي يحصي آثار أم القرى    د. السعدي وسالف الذكريات    الكتابة العلاجية    دعم سعودي لجهود إنهاء الصراع الروسي - الأوكراني    صندوق الاستثمارات العامة و«أرديان» يعرضان شراء 37.6 % من مطار هيثرو    أمراء المناطق والمحافظون يتقدمون المصلين في صلاة عيد الأضحى    السجن والغرامة والترحيل ل18 مخالفًا لأنظمة الحج    5.61 ألف تيرابايت استهلاك البيانات يوم عرفة    وكيل إمارة منطقة الباحة يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين    سامسونج تكشف عن هواتفها الجديدة في يوليو    أمير منطقة تبوك يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين    "الصحة" توضح كيفية تجنب الإجهاد العضلي في الحج    سمو محافظ الخرج يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين    "روبوتات المطاعم " هل تهدد وظائف البشر ؟    أمطار رعدية المرتفعات الجنوبية    عروض مسرحية وفلكلور شعبي في احتفالات الشرقية بعيد الأضحى    الكشافة تواصل جهودها بإرشاد الحجاج التائهين في مشعر عرفات    اكتشاف النهر المفقود في القطب الجنوبي منذ 34 مليون سنة    القبض على بلوغر إماراتية بعد تصويرها مقطعا في مكان محظور    «الكانفاس» نجمة الموضة النسائية    أبرز أمراض العيد وكيف يمكن الوقاية منها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شعر يقدم عوالم نظيفة وأثيرية ولصيقة بالفطرة
نشر في الحياة يوم 28 - 03 - 2001


الكتاب: يدان الى هاوية شعر
الكاتب: جمانة سلوم حداد
الناشر: دار النهار، بيروت - 2000
يخرج شعر جمانة سلوم حداد عن التراث التقليدي للكتابة النسائية العربية الباحثة عبر الافصاح الجسدي السافر عن وسيلة للتحقق واستعادة التوازن والتنفيس عن الرغبات المقموعة. فهذا الشعر لشدة رهافته واتصاله بالداخل الانساني المشترك بين الأجناس يبدو وكأنه كتابة بلا جنس أو اصغاء الى المناطق الجوفية التي يتحد فيها الكائن مع نقيضه ويتحولان الى صرخة واحدة في وجه الموت. ثمة من النقاد ومتذوقي الأدب من لا يرى أي وجه للتشابه بين الانسان وبين عمله الابداعي، أو بين الشاعر وشعره في الاطار الأضيق، وثمة من يذهب في المقابل الى كون النص سر صاحبه وتمظهره الأكثر جلاء وصدقية. وإذا لم تكن هذه المقالة العجلى معنية بتقديم اجابة شافية عن هذه التباينات فإنني أستطيع ترجيح وجهة النظر الثانية في ما يتعلق على الأقل بجمانة حداد. كأن الشعر هنا هو عين صاحبته ومرآتها الأكثر جلاء من حيث الجمع بين الأنوثة وامحائها، بين الاستدعاء والتواري وبين الافصاح والاضمار. لكنه لا يتوخى في كل ما يذهب اليه سوى مطاردة الحقيقة والوقوف على الينابيع.
يشعر قارئ "يدان الى هاوية"، العمل الشعري الجديد لجمانة حداد، بأنه ازاء شعر مقتطع من الشفاف ومنفتح على تموج لا قرارة له من الاعترافات والأسئلة والوثوق بجدوي الكتابة. كأن الكتابة هي الامتحان الأكثر جدارة لاستحقاق الحياة أو للتعبير عنها. لذلك فإن ما تخفيه الشاعرة في النص ليس ناجماً عن الرهاب أو الخوف الاجتماعي بل عن شعورها الفعلي بأن ثمة أستاراً في الحياة يجب أن لا تهتك أو يتم تمزيقها وبأن الكثير من المكنونات والرغبات المشبوبة يمكن تلمسها بالايماء والقلب المتلفت لا بالبوح المباشر أو السفور الفضائحي. لذلك فإن انوثة جمانة حداد ليست سوى ملمح جانبي من ملامح كينونتها الانسانية.
أكثر ما نستشفه في مناخات جمانة الشعرية ذلك البعد الوجودي في الرؤية الى الحياة والنفس والأشياء. وهو بعد يبدأ من العنوان ذاته ويتغلغل في ثنايا القصائد وتفاصيلها المختلفة. فاليدان يفترض فيهما أن يكونا أداة لتلمس العالم والتلذذ بمباهجه في حين تبدوان في المجموعة أداة للهلاك أو وسيلة للاستغاثة شبيهة بما يظهر من صواري السفينة بعد الغرق. والمجموعة برمتها تبدأ بسؤال مرير عن الذات الضائعة في التباس المعنى أو التباس الهوية. كما لا تكتفي الشاعرة بصرختها المبكرة "من تكونين أيتها الغريبة؟"، بل هي تلح على المعنى ذاته في غير صورة ووجه. وهي لم تولد بعد وتفضل أن تتأخر قليلاً لكي تتخفف من الآخرين وتصير هي نفسها تماماً.
كما تشيع في المجموعة المفردات الدالة على الغربة والضجر والوهم والخسارة والوحدة وفوات الأوان. كأن الانسان منذ الخطيئة الأصلية ليس سوى كائن محكوم بالوحشة والفقدان ومراوغة المصير المحتوم عبر الجسد أو الشهوة أو الكتابة.
ثمة لمعان كريستالي في لغة "يدان الى هاوية" ونسيجها التعبيري. لمعان يتولد لا من قوة المعنى وتماسك بنيته المفتوحة على الحكمة والغواية وكثافة السؤال فحسب، بل من نزوع الكتابة الى قوتها الفطرية المجردة وقدرتها على الجمع بين اللغة المائية المغسولة بالصدق وبين التوشية والاختزال الدال في الوقت ذاته. كأن عالم حداد مزيج مركب ومتنوع من العالم الأثيري الطيفي الذي يشيع في أساليب جبران وجورج شحاده وناديا تويني. ومن الأناقة التعبيرية المنمنمة لدى أمين نخلة وسعيد عقل وشعراء المدرسة اللبنانية ومن القفز المستمر بين الطهرانية والاثم في شعر أنسي الحاج. ومع ذلك فإن ما يعصم الشاعرة من الوقوع في فخ الأساليب التي ذكرت هو اصرارها الدؤوب على مقاومة فتنة اللغة واغرائها وايمانها القوي بقدرة الشعر على أن يكون شكلاً من أشكال التطهر والخلاص. في هذا الشعر ليس ثمة من زوائد وافاضات وسيلان انشائي، بل كثافة وايحاء وتدرب على اصابة الهدف. وفي هذا الشعر ليس هناك من ثنائية واضحة بين الشيطان والملاك أو بين الطهرانية والإثم. ففي حين تعلن الشاعرة "لم أرتكب ما يكفي من الأخطاء" تعلن في الوقت ذاته "براءتي فوق الشبهات/ هبني ذنوباً تليق بها" وأنكم "تجهلون اني لا أريد سوى عصفور" وأنها تنام لكي "تظل شبيهة بالجنين".
واذا كانت المجموعة تحفل بإشارات كثيرة حول الجسد والشهوة والجنس والعري فإن هذه الاشارات لا تبدو سوى نتوءات صغيرة طافية فوق صفحة الروح. فالعري هنا ليس التجرد من الثياب، بل من الجسد نفسه والشهوة لا تتولد من الرجس والدنس، بل من اكتشاف الذات لنفسها ومن تفتحها التلقائي الشبيه بتفتح الورود في الطبيعة. هكذا تعيدنا جمانة حداد الى عوالم نظيفة وأثيرية ولصيقة بالفطرة كما لو أنها لا تزال هناك في فردوسها الأول حيث "الوقت لم يصر وقتاً/ والشفاه شفاه بالفطرة/ والغيوم لا تتعقب أمطارها" على حد ما تقوله الشاعرة. ومع ذلك فليس هنالك من وجود متحقق للكائنات أو للرغبات أو المشاعر. والشاعرة نفسها لا تبحث عن الحضور، بل الغياب والمسافة اللذين هما الشرط الرئيسي للشغف. واذا كان قد أنهكها البحث عن الشعراء فهي "اكتفت بهم قصائد في ثنايا الكتب" والذين أحبوها "كان يمكن أن تحبهم لو لم يتحققوا".
القصائد برمتها تميل الى القصر والاختزال. لكنها تتكئ على عصب داخلي يوائم بين فقراتها وسطورها القليلة. وهي لا تعود الى ضمير المتكلم وحده، بل تتوزع بين صيغ المتكلم والمخاطب والغائب تبعاً للأنا المركبة والرجراجة التي يتكنفها القلق وتلفها الغربة والبحث الدؤوب عن هوية نهائية. هنالك قصائد أخرى تجنح الى الاضمار والحذف والقصر الشديد بما يجعلها أقرب الى الحكم أو التوقيعات. وعلى رغم غياب الوزن التقليدي عن القصائد إلا أن اللغة المحكمة والتناظر والتكرار ورهافة الصياغات تسهم اسهاماً بعيداً في خلق بنية ايقاعية وجمالية شديدة التوتر والجرس والانسياب النغمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.