أحمد عمر عليان مؤذن فلسطيني عمره 23 سنة. أمضى أول عشر من ذي الحجة معتكفاً في مسجده، أحيا الليل بالصلاة والتهجد، وأشبعه بمخّ العبادة. في صبيحة يوم عرفة خرج أحمد من المسجد. توقف في منزله قليلاً. تأكد أنه أوصى بتوزيع راتبه القليل على اخواته البنات. صلى ركعتين وحمل سلاحه، ودع منزله في المخيم العابر ومضى. وصل إلى مستعمرة نتانيا. هناك نفذ عملية فدائية شجاعة، هزّت كيان العدو. قتل ثلاثة يهود وجرح 70 آخرين واستشهد. عاش أحمد في مسجد مخيم "نور الشمس"، واستشهد صائماً في أفضل يوم تطلع عليه الشمس. بعض الصحافة العربية تجاهل كل هذا المجد الذي حققه شهيد الشمس أحمد، ووصف عمليته الفدائية بالانتحارية. ونقله من مرتبة الشهيد إلى درك المنتحر. واعطى لإسرائيل حق التمادي في استباحة الدم الفلسطيني، ورضي بالرطانة العبرية، والخنوع لمنطق الاستسلام والهزيمة بحجة "الموضوعية والحياد"، على رغم أن دوره الصحافي صار مسخاً يرفضه حتى الصهاينة لأن فيه تصهيناً ممجوجاً وتهافتاً قبيحاً يأباه حتى اليهود. بعض الصحافة العربية تجاوز مرحلة التطبيع إلى تسويغ الارهاب الإسرائيلي، والهمجية اليهودية، والدفاع عن التسوية بلغة أشد همجية وعنفاً من القنابل الحارقة. وأصبح يرى حق الدفاع عن النفس جزءاً من "العنف المتبادل بين الشعبين"، واستنزافاً لا طائل من ورائه، واستمرأ تزوير المفاهيم السياسية، وتسمية الأشياء بغير اسمائها. فالشهيد في رأيه ارهابي والفدائي انتحاري، والاحتلال "ميراث سياسي" مشترك تحل اشكالاته بالحوار، والانفتاح على الرأي العام الإسرائيلي. وفلسطين وطن "غير متفق عليه" بين اليهود والعرب. سيبقى أحمد عمر عليان شهيداً رغم أنف السلام. وستبقى إسرائيل عدواً رغم كذب الصحف وبعض كتابها، ورغم تطبيع القنوات الفضائية والأرضية، وتزوير التاريخ والجغرافيا، والعبث بالمفاهيم والتسميات، ورغم تبرير الهمجية الإسرائيلية، وتوقف الحرب وهجوم التسوية. إسرائيل أخذت أرضنا بالقوة ولن تخرج منها إلا بالاستشهاد وعلى طريقة مؤذن مسجد النور، وشهيد الشمس أحمد عليان، الذي ذكرنا بعز لنا مضى، وبشرنا بنصر لنا سيأتي.