الأفضل ان لا يبني العرب آمالاً كبيرة على الكلمة التي رماها الرئيس جورج بوش عن "الدولة الفلسطينية"، قال كانت في "الرؤية الأميركية" لمؤدّى عملية السلام في الشرق الأوسط. انها خطوة ايجابية، بلا شك، لكنها للأسف تأتي في سياق تحضير "مسرح العمليات" للحرب على الارهاب. والعرب معنيون بهذه الحرب، شاؤوا أم أبوا، وسيتأثرون بنتائجها، والأسوأ انه لا يزال فيها الكثير مما هو مجهول وغير مصرّح به، لا باسم التعاون والتنسيق المزمنين مع الولاياتالمتحدة، ولا حتى باسم الصداقة. يفترض ان كلام الرئيس الأميركي مجرد اشارة. اي انه لا يمثل بعد تغييراً في الاتجاه الأميركي. ويقال ان وزير الخارجية كولن باول سيوضح الخط "الجديد" ؟ في الجمعية العامة للأمم المتحدة. بل قيل ان الولاياتالمتحدة كانت وعدت باعلان مواقف جديدة، وكان ذلك قبل التفجيرات والأزمة الدولية التي نجمت عنها، وهي لا تفعل الآن سوى دفع هذا الاتجاه الى أمام متشجعة ب"وقف نار" يبدو واضحاً ان الجيش الاسرائيلي نسفه، يدعمه في ذلك رئيس الوزراء وعصابته. لا بد أن واشنطن فهمت أخيراً ان لديها مشكلة اسمها ارييل شارون. وهذا الأخير ليس سوى الوجه الذي تختبئ وراءه مشكلة أكبر تتمثل في ان اسرائيل - الدولة رفضت دائماً السلام ولم تتعامل معه كاستراتيجية، بل أمعنت تخريباً في كل ما انبثق منه. يُسأل عن ذلك بنيامين نتانياهو، وايهود باراك، والرئيس الأميركي بيل كلينتون وادارته. كما تُسأل عنه سياسة اميركية لم تأخذ في اعتبارها التغيير العميق الذي حصل عربياً في اطار "عملية السلام"، ولم تعرف كيف تتأقلم معه لتشجيعه وحمايته وترسيخه، وفضلت دائماً التمترس وراء خط تقليدي بناه صهاينة الادارة والكونغرس. لقد أُشعر العرب دائماً بأنهم مدعوون لقبول خدعة مكشوفة، ولم تؤخذ تنبيهاتهم وانذاراتهم ورؤاهم على محمل الجد. كان هوس "الدول المارقة" يغري واشنطن بتجاهل الجهود التي بذلوها للتكيّف مع سلام يحتاجونه، خصوصاً لأنهم فقدوا الخيار الآخر الذي ظلت اسرائيل تستفزهم وتدعوهم اليه معربدة بتفوقها العسكري، لمجرد انها تخشى انعكاسات السلام على كيانها. ان يكون شارون منتخباً فهذا لا يمنع ان تكون اسرائيل دولة مارقة، فهي تتصرف خارج كل القوانين الدولية مثلها مثل أي دولة تستحق هذا النعت، وكونها "نظاماً ديموقراطياً" لا ينفي أنها دولة احتلال، حتى انها قولبت قوانينها الداخلية لتشريع كل الممارسات الشريرة التي يقدم عليها جيشها والمستوطنون. الأزمة الدولية الراهنة اجبرت السلطة الفلسطينية على اعلان وقف النار، لكنها لم تجبر شارون وعصابته بعد على وقف سياسة العدوان. قد تضطر للرضوخ لكنها قد تصبح أكثر خطورة، لأنها مدعوة بموجب توصيات "لجنة ميتشل" لتنفيذ استحقاقات تتناقض مع توجهاتها الرئيسية. قد يشجعها ذلك على التمرد والتخلي عن مراعاة "الخطوط الحمر" التي قيل ان الادارة الأميركية وضعتها، سواء بالاغتيالات أو باحتلالات جديدة أو بافتعال مستوطنات كما حصل بالأمس. من هنا الحاجة الى أكثر من اعلان "أفكار" اميركية موظفة لإرضاء العرب في الظرف المصلحي الراهن. صحيح ان الادارة الأميركية منشغلة وستبقى منشغلة لفترة طويلة، لكن هذا الانشغال هو أفضل ما يتمناه الاسرائيليون، وهم يحسنون استغلاله خصوصاً إذا تأكد لهم أن لا تغيير في أسس السياسة الأميركية وانما هناك التزامات لفظية تفرضها دواعي الحرب. لذلك يفترض ان تبدي واشنطن أقصى الجدية، وأن تتخذ اجراءات تبرهن انها معنية بترسيخ التهدئة وتمهيد الأجواء لاستئناف التفاوض، وإلا فإن الوضع الفلسطيني يبقى مرشحاً لتطورات كارثية.