ظنّ بافل بورودين أمين سرّ الاتحاد الروسي - البيلاروسي انه في طريقه للمشاركة في حفلة تنصيب جورج بوش رئيساً، التي تلقى دعوة رسمية لحضورها، لكنه وجد الشرطة في انتظاره في مطار نيويورك حيث ألقي القبض عليه بطلب من الادعاء السويسري الذي يتهمه ب"غسل" اموال. وكان بورودين تبوأ مناصب مهمة، آخرها مدير أعمال الرئيس السابق بوريس يلتسن. لكن فلاديمير بوتين الذي سبق ان عمل تحت إمرة بورودين قرر نقله الى منصب آخر، بعيد عن المال والفضائح، فاتفق مع الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشنكو على أن يتولى أمانة سر الاتحاد بين الدولتين. وأثار الاعتقال ردود فعل غاضبة، واعتبره لوكاشنكو "خطوة غير ودية" واستغرب احتجاز "مسؤول دولي يتمتع بحصانة ديبلوماسية"، فيما استدعى وزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف السفير الاميركي جيمس كولينز ليبلغه احتجاجاً رسمياً ومطالبة ب"الافراج الفوري وغير المشروط" عن بورودين. وكان نجم بورودين لمع في التسعينات عندما انتقل من مدينة ياقوتسك النائية التي كان رئيساً لبلديتها الى موسكو حيث صار نائباً في البرلمان ثم تدرج في مناصب ادارية. وبلغ القمة التي حلم بها حينما عينه يلتسن مديراً لأعمال رئيس الدولة، المنصب الذي يبدو "عادياً" للوهلة الأولى، لكنه يعطي صاحبه صلاحيات تقارب صلاحيات الرئيس. وورثت المديرية التي قادها بورودين كل املاك الحزب الشيوعي السابق وكثيراً من ممتلكات الدولة. وعمل تحت أمرته 120 ألف موظف تولوا ادارة اعمال تدر سنوياً أرباحاً تقدر بثلاثة بلايين دولار. وكان يمنح كبار موظفي الدولة الفيلات والشقق والسيارات ويستخدم صلاحياته لأغراض سياسية، اذ قطع خطوط الهاتف عن رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية وحرمهم الفيلات الريفية عندما "تجرأوا" على مناكفة يلتسن ورفضوا الموافقة على مراسيمه "غير الشرعية" لحل البرلمان وتعطيل احكام الدستور. ولاحقاً كشفت معلومات عن فضائح مالية بينها حصول عائلة يلتسن وبورودين وزوجته وابنته على ملايين الدولارات من شركة "مابيتيكس" السويسرية التي يملكها البوسني بهجت باكولي، لقاء تلزيمها اعمالاً في مواقع رئاسية بينها ترميم الكرملين الذي انفق عليه 300 مليون دولار في الوقت الذي عجزت الدولة عن تأمين 100 مليون لادامة مشاريعها الفضائية الكبرى. ونقلت صحيفة "كوريرا ديلا سيرا" الايطالية عن مصادر في النيابة العامة السويسرية ان تحقيقات أظهرت تورط 24 شخصية سياسية في فضائح رشوة و"غسل" اموال، بينها اثنان من رؤساء الوزراء السابقين: فيكتور تشيرنوميردين وسيرغي كيريينكو، اضافة الى ابنتي يلتسن وزوجته وبورودين. لكن النيابة العامة الروسية اغلقت ملف "مابيتيكس" ومنحت بورودين براءة ذمة، محاولة إسدال ستار على القضية، فأصر السويسريون على المضي في مطاردة بورودين. ولم يستبعد مراقبون ان يكون الاميركيون أرادوا باعتقاله توجيه "رسالة" الى موسكو "لتعرف مكانها ومكانتها" بحسب تعبير أحد المعلقين الروس. كذلك لم تستبعد احدى الاذاعات في موسكو ان يكون اعتقال بورودين "رسالة جوابية" على ملاحقة روسيا قضائياً البليونير اليهودي فلاديمير غوسينسكي الذي احتجزته السلطات الاسبانية بطلب من موسكو. كما لا يستبعد أن يكون بورودين ضحية "لعبة سياسية داخلية"، ذلك أن أحداً لم يوضح لماذا ذهب الى أميركا بجواز سفر عادي بدلاً من ديبلوماسي. وأياً كان سبب الاحتجاز فإن المسؤولين الروس الذين تلقوا دعوات لحضور احتفالات التنصيب في واشنطن سيفكرون ملياً قبل التوجه الى العاصمة الاميركية، خوفاً من فخ ينصب لهم هناك.