ما يحدث في مصر هذه الأيام - في اعتقادي - ليس أكثر من صورة مصغرة لما حدث ويحدث في بلدان عربية أخرى وإن لم يأخذ مداه الاعلامي... وهو في تصوري ليس مواجهة بين "وزارة" ومجموعة كتّاب ومثقفين يرفضون مصادرة الرأي ومحاكمة الابداع... إنما بين عقل التدجين والتهجين وعقل ينتصر للحرية والابداع خارج الفضاءات المسيجة... والمواجهة بين مؤسسة السلطة ومؤسسة الفرد الحر... المسألة لا ترتبط بعلاقة المثقف والسلطة سواء في صورتها التقليدية أو في صورها الجديدة المحكومة بتفاعلات العولمة والعالمية وانتشار قيم الحرية وحقوق الانسان... إنما العلاقة - خصوصاً في البلاد العربية - مرتبطة بشرعية السلطة، إذ ان افرازات الشرعية القهرية تنبني على مؤسسات القمع والمحاصرة والرقابة... فالسلطة العربية لم تأخذ شرعيتها من القنوات المشروعة، أي بالوسائل الديموقراطية، التي تتولد عنها مؤسسات محكمة لا تحاكم العقل ولا تفتح السجون للرأي ولا توسع مجالات المنافي... وبالتالي فإن مصادرة رواية أو مداهمة صحيفة أو الحجر على سياسي لا تتم إلا داخل بلدان منقوصة الشرعية، مبنية على عقل القوة لا قوة العقل.. وهذا لا يعفينا من القول بأن السلطة - حتى وإن كان مطعوناً في شرعيتها - تتحمل وحدها أعباء القمع والمحاصرة، إنما يتحمل بعض المثقفين جزءاً من المسؤولية عندما يستعيرون أدوات السلطة ذاتها بقمع الرأي الآخر وممارسة الاقصاء والإلغاء وفرض الوصاية والأبوة وتجاوز بعض الخطوط التي يفرضها احترام شعور الناس في مسائل مرتبطة بالدين أو التاريخ... غير اننا نرفض أي تهديد أو استخدام للقوة والعنف ضد أي مبدع لأن الفكر ولد حراً... والحرية لا تتجزأ... ومصر التي علمتنا أصول التنوير قادرة على تجاوز حالات التشنج الناتجة من وصول العقل أعلى مستوى الصراع بين من يكون عراب السلطة: الفكر أم الدين؟ ان الاختلالات الدائمة والمستمرة بين السلطة والمثقف في البلدان العربية ستستمر ما دامت هذه السلطة ترتكز على "العسكرتاريا" كما يقول أنور عبدالملك... ولا تتأسس على الوعي المعرفي الكفيل بإزاحة كل المعوقات التي تحول دون نضج المجتمع وتحسين أداء الكفاءات فيه... فعندما يوكل "المواطن" أمر الحكم لمثقف فلأنه يدرك أن المثقف لا يخون ولا يتآمر ويخشى التاريخ... أما السياسي فيرى في الخيانة ضرورة وفي المؤامرة وسيلة وأما التاريخ فله المزبلة! ولكم أن تسقطوا ما أردتم على الخريطة العربية... رئيس اتحاد كتّاب الجزائر.