الهدف من برنامج "الاتجاه المعاكس" الذي تعرضه محطة "الجزيرة" القطرية ان يقدم حواراً يناقش آراء مختلفة تتناول موضوعاً معيناً وتضعه تحت مجهر النقد ابرازاً للحقيقة. لكن هذا البرنامج بات اليوم اقرب الى الصراخ منه الى الحوار البنّاء، قد ينجح البرنامج في اختيار مواضيع من صميم مجتمعنا العربي، أكان طابعها سياسياً ام اجتماعياً، لكنه كثيراً ما يعجز عن معالجة هذه المواضيع في منهجية واضحة ومتسلسلة ومفيدة بسبب اسلوب مقدمه الدكتور فيصل القاسم. ما ان يطل القاسم على الشاشة ليتلو مقدمته حتى يبدو كأنه يرغب في القتال والمشاكسة بسبب نبرة صوته العالية جداً، واسلوبه الذي يعاكس في احيان كثيرة المتطلبات التي تفرضها الشاشة الصغيرة. فقد استهل حلقة استقبل فيها رئىس المجلس الوطني اللبناني للاعلام ناصر قنديل ومدير التحرير التنفيذي في جريدة "النهار" ادمون صعب، بشن حملة شعواء على المدير العام رئىس مجلس الادارة لجريدة "النهار" البيروتية جبران تويني، لأنه اعتذر عن عدم المشاركة في الحلقة، لسوء فهم حصل بالنسبة الى الموعد، فراح ينتقده بطريقة مقذعة، متهماً اياه بالتهرب وناعتاً مساعديه ب"الزمرة"، بما تحمله هذه الكلمة من معان سيئة، وعوض ان تطرح المقدمة موضوع الحلقة تحوّلت تجريحاً شخصياً بصحافي لم يتسن له الحضور لظروف قاهرة. من جهة اخرى، لا يكف القاسم عن مقاطعة ضيوفه واسكاتهم بقساوة عشوائية، كأنه لا يصغي الى ما يقولونه، ولا يكف عن عادته هذه الا حين يشتبك الضيفان في ما بينهما. عندها تظهر عليه أمَّارات الفرح المتأتية من الاثارة الكلامية، ويروح يتفرج عليهما وهما يصرخان ويكادان يتعاركان من دون ان يتدخل. من جهة اخرى، يسكت القاسم المتصلين غالباً بطريقة غير لائقة او يقطع اتصالهم من دون ان يدرك ماهية السؤال، هذا ما حصل في إحدى الحلقات حين اتصل السوري يعرب بن قحطان ليطرح سؤالاً، وبعد تلفظه ببضع كلمات قاطعه القاسم وقطع عليه الاتصال. قد يحاول القاسم من خلال اسلوبه المتوتر دوماً وصوته المرتفع واشتباكه غير المجدي والمزعج في احيان كثيرة اذ يطول احياناً دقائق فيخدش الاذنين، ان يبث النبض في الحلقة. لكنه لا يتنبه الى ان ذلك لا يكون بالصراخ والضجيج وإطلاق التهم يمنة ويسرة، ولأنه في اسلوبه هذا لا يثير سوى الازعاج ويدفع المشاهد للهرب الى حوار اكثر جدية وفائدة و... هدوءاً. يسلك "الاتجاه المعاكس" طريقاً معاكسة للبرامج الحوارية السائدة، في مضمونه واعداده ومحاوره واسئلته الجريئة التي تضع الاصبع على الجرح في مجتمعنا، لكن اسلوب تقديمه قد يحوّل طريقه بعيداً من عيون المشاهدين وآذانهم.