"أرامكو" ضمن أكثر 100 شركة تأثيراً في العالم    رصد 8.9 ألف إعلان عقاري مخالف بمايو    الإبراهيم يبحث بإيطاليا فرص الاستثمار بالمملكة    "كروم" يتيح التصفح بطريقة صورة داخل صورة    تدريب 45 شاباً وفتاة على الحِرَف التراثية بالقطيف    ضبط مقيمين من الجنسية المصرية بمكة لترويجهما حملة حج وهمية بغرض النصب والاحتيال    اختتام ناجح للمعرض السعودي الدولي لمستلزمات الإعاقة والتأهيل 2024    أنشيلوتي: كورتوا سيشارك أساسيا مع ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا    ثانوية «ابن حزم» تحتفل بخريجيها    ترمب يصف محاكمته الجنائية في نيويورك بأنها «غير منصفة للغاية»    ضبط مواطنين في حائل لترويجهما مادة الحشيش المخدر وأقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    «الربيعة» يدعو إلى تعزيز المسؤولية الدولية لإزالة الألغام حول العالم    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم بزيارة تفقدية    شولتس: إصابات "بالغة" إثر هجوم "مروع" بالسكين في ألمانيا    أمر ملكي بالتمديد للدكتور السجان مديراً عاماً لمعهد الإدارة العامة لمدة 4 سنوات    مفاوضات غزة «متعثرة».. خلافات بين إسرائيل وحماس حول وقف الحرب    كذب مزاعم الحوثيين ..مسؤول أمريكي: لا صحة لاستهداف حاملة الطائرات «آيزنهاور»    الذهب يستقر قبل بيانات التضخم الأمريكية    الهلال يبحث عن الثلاثية على حساب النصر    مورينيو يختار فريقه الجديد    حجاج مبادرة "طريق مكة" بمطار سوكارنو هاتا الدولي بجاكرتا    «الجمارك»: إحباط تهريب 6.51 مليون حبة كبتاغون في منفذ البطحاء    وكيل إمارة حائل يرأس اجتماع متابعة مكافحة سوسة النخيل الحمراء    فاتسكه: دورتموند قادر على تحقيق شيء استثنائي أمام الريال    خلافات أمريكية - صينية حول تايوان    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والنبوي    فيصل بن فرحان يلتقي وزير الخارجية الصيني و وزير الخارجية العراق    رياح مثيرة للأتربة والغبار على مكة والمدينة    إسلامية جازان تقيم ٦١٠ مناشط وبرنامج دعوية خلال أيام الحج    5 مبتعثات يتميّزن علمياً بجامعات النخبة    وزير الداخلية يدشن مشاريع أمنية بعسير    ترقية 1699 فرداً من منسوبي "الجوازات"    "سامسونغ" تستعد لطرح أول خاتم ذكي    المملكة ضيف شرف معرض بكين للكتاب    توجيه أئمة الحرمين بتقليل التلاوة ب"الحج"    أطعمة تساعدك على تأخير شيخوخة الدماغ    الرياضة المسائية أفضل صحياً لمرضى للسمنة    البنك الأهلي واتحاد «القدم» يجددان الرعاية الرسمية للكرة السعودية    الغامدي يكشف ل«عكاظ» أسرار تفوق الهلال والنصر    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    جدة تتزين لأغلى الكؤوس    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الخريف لمبتعثي هولندا: تنمية القدرات البشرية لمواكبة وظائف المستقبل    «الدراسات الأدبية» من التقويم المستمر إلى الاختبار النهائي !    كيف تصبح زراعة الشوكولاتة داعمة للاستدامة ؟    5 أطعمة غنية بالكربوهيدرات    المملكة تستضيف الاجتماع السنوي ال13 لمجلس البحوث العالمي العام القادم    المعنى في «بطن» الكاتب !    كيف نحقق السعادة ؟    العِلْمُ ينقض مُسلّمات    الحوكمة والنزاهة.. أسلوب حياة    تشجيع المتضررين لرفع قضايا ضد الشركات العالمية    عبدالعزيز بن سعود يلتقي عدداً من المواطنين من أهالي عسير    عبدالعزيز بن سعود يطلع على عدد من المبادرات التنموية التي تشرف على تنفيذها إمارة عسير    أمير القصيم يكرم 7 فائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز    حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة تبوك    تكريم الفائزين بجائزة الباحة للإبداع والتميز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واتصل بالأميركيين خفية عن الوزراء ... ورضي بالحل السلمي مع إسرائيل 10 من 12
نشر في الحياة يوم 06 - 08 - 2000

في 18 أكتوبر تشرين الأول 1970 أعلنت نتيجة الاستفتاء، على ترئيس أنور السادات، وكانت النتيجة أن أكثر من ستة ملايين مواطن قالوا نعم، ونحو سبعمائة ألف قالوا لا. وبعد إعلان النتيجة وجه السادات بياناً للشعب قال فيه إن قول من قالوا لا في الاستفتاء ظاهرة صحية، لأن هذا الشعب لا يمنح ثقته المطلقة لحاكم بعد جمال عبدالناصر، وقال إنه سيكون للجميع، للذين قالوا نعم والذين قالوا لا.
وبعد إعلان النتيجة قابلت أنور السادات وهنأته برئاسة الجمهورية، وقلت له: لا بد فوراً من سد الفراغ. وحدثته في تشكيل الوزارة وتعيين رئيس الوزراء، فرد علي أنه لا بد أن يكون رئيس الوزراء من اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي، "ولذلك فإنني أعرض عليك أن تكون رئيساً للوزراء". فاعتذرت وقلت: إنني سبق أن قلت لك انني سأعمل حتى تستقر الأمور، وها هي استقرت، وأصبحت رئيساً للجمهورية، وعلى ذلك فمهمتي انتهت، وأنت على علم أنني طلبت من الرئيس عبدالناصر إعفائي ثلاث مرات. "ومن تظنه يصلح رئيساً للوزراء؟حسين الشافعي وعلي صبري غير واردين ومحمود فوزي لم يمارس العمل التنفيذي، ولبيب شقير رئيس مجلس الأمة، وضياء داود ما زال صغيراً على هذا الموقع، ولم يعمل في منصب وزاري إلا قرابة عام، من يكون إذاً؟ مفيش غير إنني أتولى الوزارة بنفسي".
الأمانة العامة
للاتحاد الاشتراكي... وأنا
قلت له: "لا يصح! فستكون بداية غير صحيحة، فقد اتفقنا على توزيع المسؤوليات و لا يمكن أن تبدأ مخالفاً ما اتفقنا عليه، وقمت بإعلانه بنفسك. وعموماً أترك لي الموضوع يوماً واحداً، سأفكر مع إخواني وأجس نبض قيادات الاتحاد الاشتراكي ومجلس الأمة وأوافيك بالنتيجة". وفعلاً اجتمعت مع هذه القيادات، وبعد مداولة ومناقشة شديدين توصلنا إلى أن الدكتور محمود فوزي هو الملائم لرئاسة الوزارة في هذه الفترة. فهو وجه محترم ومقبول لدى الجماهير،، وهو ديبلوماسي وله صداقات دولية كثيرة وهو أخيراً مدني وليس عسكرياً، وهذا تغيير يحدث قبولاً وخصوصاً لدى المثقفين.
وبعد أن وافق غالبية من استشرتهم، ذهبت الى أنور السادات، وأخطرته بهذا. وقال: "خلاص! على بركة الله. بس يمكن ما يقبلش. إنت عارف إنه في اللجنة التنفيذية العليا كان عايز يستقيل". فقلت له: "ابعت له هيكل. فهو صديقه، وقادر على إقناعه". وقبل الدكتور فوزي بعد أن ذهب هيكل إليه.
وفي اجتماع اللجنة المركزية عرض اسم الدكتور محمود فوزي كرئيس للوزارة، وتمت الموافقة عليه، وبعد ذلك عرض السادات اسمي كأمين عام للاتحاد الاشتراكي. وكانت مفاجأة لي وللجميع. فالسادات لم يتفق معي على ذلك، ولم يفاتح أحداً به من قبل. ووقعت في حيرة لمدة دقائق. ذلك أن الاعتذار أمام اللجنة سيعني خلافات بيننا. ولكن ماذا سيقولون إذا قبلت، وكنت سئلت عمن سيكون أمين عام الاتحاد الاشتراكي، وقلت لهم إن المسألة لم تبحث؟ ولم يدم حرجي طويلاً، ووافق الأعضاء على ترشيحي أميناً عاماً للاتحاد الاشتراكي. ولكنهم بعد نهاية الجلسة، عاتبوني على سكوتي من قبل. وبعد الجلسة ذهبت لمقابلة أنور السادات، وعاتبته على وضعي في هذا الموقف الحرج. وقلت له: "سبق أن أخطرتك أنني سأعتزل العمل السياسي والتنفيذي". ولكنه ضحك وقال: "بقى معقول تسيبني في الوقت ده؟ مش ممكن".
وبعد إلحاح شديد مني رضي السادات تعيين حسين الشافعي وعلي صبري نائبين لرئيس الجمهورية.
وبدأ السادات فعلاً في عقد لقاءات مع اللجنة التنفيذية العليا واللجنة المركزية، و عرض جميع الأمور عليهما. وفي يوم 6 نوفمبر تشرين الثاني 1970، تم الاحتفال بذكرى اليوم الأربعين لوفاة عبدالناصر وألقى السادات خطاباً في المناسبة.
... وفي سابقة تبرهن على عدم إيمان السادات في الرأي والرأي الآخر، ولا في مناخ ديموقراطي حقيقي، بدأ بإيذاء عشرات من كبار الكتّاب والصحافيين الذين لم تعجبه مواقفهم. فأصدر، بواسطة لجنة النظام الصورية التي اختار لرئاستها رجله الجاهز دائماً حافظ بدوي، قراراً بإسقاط العضوية العاملة عن أربعة وستين من المهنيين، بحسب تعبير القرار. وذكرت الصحف أنه يترتب على إسقاط العضوية حظر أي عمل تكون العضوية العاملة شرطاً لممارسته. وأعلنت اللجنة، من باب التهديد والوعيد، أنها ستظل في حال انعقاد مستمر للنظر في باقي الحالات. ولم يجر أي تحقيق مع الذين أسقطت عضويتهم، ومنهم: محمود المراغي ويوسف ادريس وعادل حسين ومحمد عبدالمعطي حجازي وفريدة النقاش وصلاح عيسى وصافيناز كاظم ومصطفى الحسيني ومحمد العزبي وجمال الغيطاني ومحسنة توفيق وصلاح السعدني وأحمد فؤاد نجم وعلي الراعي ومحمود العالم وألفريد فرج وأمل دنقل ولويس عوض ولطفي الخولي وميشيل كامل ومحمد سيد أحمد، وغيرهم.
وقررت اللجنة نقل عدد كبير من الصحافيين والكتّاب الى الاستعلامات والوزارات من دون تكليفهم بأي عمل وعلى رأسهم الأستاذ أحمد بهاء الدين.
الخلاف على المعركة
ومنذ النصف الثاني من ديسمبر كانون الأول 1970 بدأ السادات يتغير، وأخذ يؤجل اجتماعات اللجنة التنفيذية العليا التي وعد بجمعها كل أسبوع. وبدأت تروج إشاعات عن اتصالات مع الأميركان، وأخرى عن إرجاء المعركة. وشكا لي محمود رياض، وزير الخارجية، إجراء اتصالات بين أنور السادات والأميركان، بواسطة بعض المقربين من السادات، وهو، وزير الخارجية لا يعلم عنها شيئاً. واتصل بي أمناء الاتحاد الاشتراكي، وأعضاء مجلس الأمة يسألون عن حقيقة الموقف، ويتذمرون من تأجيل انعقاد اللجنة المركزية وأمانات الاتحاد الاشتراكي.
وقالوا إن الشعب في المحافظات يسألهم عن حقيقة الإشاعات عن تأجيل المعركة والاتصالات السرية مع أميركا وإسرائيل. وقابلت السادات في منزله، وشرحت له الموقف، وطلبت منه عودة الاجتماعات القيادية كما اتفقنا. ووافق على ذلك وعقد الاجتماع مرة واحدة ثم صرف النظر عن الاجتماعات. وفجأة، في 26 يناير كانون الثاني 1971 طلب السادات عقد مجلس الدفاع الوطني، وهو يضم نائبي رئيس الجمهورية، حسين الشافعي وعلي صبري، والدكتور محمود فوزي، رئيس الوزراء وأنا، باعتباري أميناً عاماً للاتحاد الاشتراكي، وشعراوي جمعة، باعتباره وزير الداخلية، ومحمود رياض وزير الخارجية، ومحمد فائق وزير الإعلام، ومحمد فوزي وزير الحربية والقائد العام، وسامي شرف ومحمد صادق، رئيس الأركان، وأحمد كامل مدير المخابرات العامة، واللواء محرز مدير المخابرات الحربية لبحث وضع وقف إطلاق النار الذي كان ينتهي مفعوله في 5 فبراير، وأجمع الحاضرون على أننا استنفدنا كل الجهد في سبيل حل سلمي، وعلينا اتخاذ الإجراءات اللازمة للدخول في المعركة المصيرية. ولكن الفريق فوزي طلب تأجيل المعركة شهراً آخر، لأن نصب الصواريخ المضادة للطائرات في الصعيد، وحول القناطر على النيل، يستغرق هذا الوقت.
وفي نهاية الجلسة، والجميع يهمون بالانصراف قال السادات إنه سيطرح في خطابه الذي سيلقيه في مجلس الأمة، يوم 4 فبراير، مبادرة تقضي بفتح قناة السويس مقابل انسحاب إسرائيل جزئياً من شرق القنال. لكن أحداً لم يوافق على ذلك. وقال حسين الشافعي: لقد اتخذنا قراراً بالمعركة، فلماذا لم تقل هذا أثناء المناقشة؟ وانصرفنا مقتنعين أن ما قاله السادات هو كلمة عابرة. أما أنا فبقيت متخوفاً مما قاله السادات عن المبادرة التي يريد الإعلان عنها في جلسة 4 فبراير، في مجلس الشعب. وذهبت إليه وناقشته في الموضوع، وأبديت له مخالفتي رأيه. فوعدني بالتفكير في الأمر.
ودعي مجلس الأمة للاجتماع في 4 فبراير لكي يعلن رئيس الجمهورية أمامه الموافقة على مد وقف إطلاق النار لآخر مرة ثلاثين يوماً. وفي اليوم هذا ذهبت الى قاعة الانتظار الخاصة برئيس الجمهورية، فوجدت شعراوي جمعة وسامي شرف ومحمود رياض مجتمعين في ركن من القاعة. وعندما دخلت دعاني شعراوي جمعة للانضمام اليهم. وإذا به يقول إن السادات أعطاهم صورة الخطاب الذي سيلقيه أمام المجلس،وفيه يعلن الموافقة على مد وقف إطلاق النار لمدة محددة، ويضيف من عنده، ومن غير استشارة رأي أحد "أن مصر تضيف الى كل الجهود الرامية الى حل الأزمة مبادرة مصرية جديدة يعتبر العمل بمقتضاها رغبة حقيقية في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242، إننا نطالب في هذه الفترة التي نمتنع فيها عن إطلاق النار بانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من الشاطئ الشرقي للقناة كمرحلة أولى على طريق جدول زمني يتم وضعه بقرار من مجلس الأمن، إذا تحقق ذلك فإننا على استعداد للبدء فوراً في تطهير قناة السويس وإعادة فتحها للملاحة الدولية لخدمة الاقتصاد العالمي".
وعندما أتم الحاضرون قراءة الخطاب ضربنا كفاً بكف وأصابنا الذهول، واعترضنا على الخطاب. وكان مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، السيد يارنج يارينغ، أخطر محمود رياض، وزير الخارجية، بأنه في سبيله الى إعلان مبادرة يطالب فيها إسرائيل إعلان التزامها الانسحاب الى حدود مصر الدولية ومن قطاع غزة وباقي الأراضي العربية المحتلة، فيعود الوضع الى ما كان عليه قبل حرب يونيو حزيران 1967، وتتعهد مصر لقاء ذلك بإنهاء حال الحرب بينها وبين إسرائيل. ومبادرة السادات أضعف كثيراً من مبادرة يارنج.
وسأل وزير خارجية إسبانيا ورئيس جمهورية فرنسا وزير خارجيتنا عما إذا كنا صرفنا النظر عن استرداد كامل أراضينا، واكتفينا بجزء منها.
وبعد أن انتهى السادات من إلقاء خطابه قابلني حسين الشافعي وعلي صبري وقالا لي: "حتعمل إيه مع الناس بعد هذه المبادرة؟" فرددت أنني لن أدافع عنها إطلاقاً. وفعلاً حددت اليوم التالي للاجتماع بأمناء الاتحاد الاشتراكي في المحافظات وكنت قد طلبت مقابلة السادات، وأعددت استقالتي. وجرى الاجتماع مع الأمناء، وكان اجتماعاً صاخباً. وتناول الأمناء في كلماتهم أننا عندما أقنعناهم بترشيح السادات كان على أساس أن الرأي شورى وأن يأخذ رأي الاتحاد الاشتراكي بمستوياته المختلفة في أمور الدولة الأساسية، وعلى أساس أن تجتمع اللجنة التنفيذية العليا في كل أسبوع واللجنة المركزية كل أسبوعين، برئاسة السادات، ومضى أكثر من شهرين ولم تجتمع هذه اللجان، وأخيراً يتم إعلان مبادرة مصرية لا يؤخذ رأيهم فيها، ولا يعرفون عنها شيئاً...
وجاء من أخطرني أن السادات حدد لي موعداً لمقابلته بعد ساعة في استراحة القناطر الخيرية. وتركت الاجتماع ليستكمله السادة أعضاء اللجنة التنفيذية العليا. وتوجهت لمقابلة السادات، فقدمت له استقالتي المعللة بانفراده بالقرار، وعدم الموافقة على المبادرة، وشائعات اتصالاته مع الأميركان. واعترف السادات أنه تعمد اتخاذ قرار المبادرة وحده، وأنه أراد بمبادرته أن يثبت للأميركان أنه باق في السلطة وقادر على اتخاذ القرار وحده. وقال لي: "أنا كنت بجس نبض أميركا وإسرائيل في فترة وقف إطلاق النار". وأخذني بالأحضان وقال: "هل يعقل وإحنا طول عمرنا اخوان إنك تقدم استقالتك وتسيبني في هذا الوقت؟ وعموماً سأعمل اجتماع للجنة العليا واللجنة المركزية وأريح الجميع، وسأقوم بنفسي بشرح أسباب هذه المبادرة". وقام الأستاذ هيكل بصياغة تعديلات السادات على مبادرته، ونشرها في صحيفة الأهرام في 2/4/1971 وتنص على ما يأتي:
1- إن المبدأ الأساسي التي تلتزم به الجمهورية العربية المتحدة تنفيذ قرار الأمم المتحدة.
2- إن تقديم الرئيس السادات لمبادرته يوم 4 فبراير لم يقصد به حلاً جزئياً، أو حلاً منفرداً، بل المقصود به تحريك القضية، ويرتبط ارتباطاً كلياً بالانسحاب الكامل من جميع الأراضي العربية التي احتلت في الخامس من يونيو 1967.
... وبدأ التشاور بين القيادات التي ساهمت في الوقوف خلف السادات، وترشيحه لرئاسة الجمهورية ورئاسة الاتحاد الاشتراكي. ووصلنا الى قرار بأنه لا يمكن أن نوافق على القرارات المنفردة للسادات مرة أخرى. وفي اجتماعنا مع القيادات السياسية طالبت القيادة السياسية بضرورة انعقاد اللجنة المركزية فوراً لبحث هذا الموضوع. وتوجهت للسادات في منزله، وطلبت منه انعقاد اللجنة المركزية لأن هناك بلبلة كثيرة وسط الجماهير، ووسط القيادات، ولا بد من حل لها. فرد علي قائلاً: "هو انت عايزني أعمل زي حزب البعث، كل حاجة أعرضها عليهم؟ اجمعهم إنت واتكلم معاهم". فقلت له: "إنهم يطلبون الاجتماع معك وليس معي، فأنا معهم كل يوم، وأن عدم الاجتماع بهم يخالف ما تم الاتفاق عليه معك". فقال: "طيب خلاص، مرة تجمعهم برئاستي ومرة برئاستك، وعلى العموم كلها شهر وندخل المعركة". وكان لهذه العبارة أثر كبير في تهدئتي وتهدئة القيادات السياسية التي طالبناها بنسيان ما مضى والعمل على الاستعداد للمعركة التي يمكن أن تبدأ خلال شهر.
... واتضح لي من إصرار السادات على إتمام الوحدة مع معمر القذافي وحافظ الأسد، على رغم معارضة غالبية أعضاء اللجنة التنفيذية، ومن الإعلان عن مبادرة فتح القناة، أن السادات قرر الانفراد بالحكم وبالقرارات المصيرية. وهذا ما يتنافى مع ما اتفقنا عليه، ومع شرطي كي أستمر في العمل معه. ففكرت جدياً في الاستقالة، وأعلمت بذلك إخواني في اللجنة التنفيذية العليا، وفي قيادات الاتحاد الاشتراكي. ولكنهم أقنعوني أن المعركة على الأبواب، وأننا يجب أن لا ندع السادات ينفرد بأخذ القرارات المصيرية، فالوضع لا يحتمل ذلك.
وجاءني شعراوي جمعة قائلاً إنه قابل السادات ومعه سامي شرف، وحاولا ثنيه عن جمع اللجنة المركزية، ومناقشة الخلافات فيها. لكنه أصر على رفع الأمر للجنة المركزية. فأخبراه أنهما سيحضران إليه في المساء وأنا معهما. وفعلاً ذهبت معهما حوالى الساعة السادسة مساء لمقابلته في استراحة القناطر الخيرية. وقابلني في حجرة النوم وهو لابس العباية، وجلسنا جميعاً على الأرض، وأوضحت له أن مشروع الوحدة ليس جديداً علينا، وأن إصراره على عرضه على اللجنة المركزية على رغم عدم موافقة غالبية اللجنة التنفيذية العليا عليه، معناه أن عدم الموافقة هي ضد السادات شخصياً، فكيف يسمح أن تصل الأمور الى هذا الحد الذي يعني حدوث شرخ كبير داخل القيادة، وسيصل هذا الخلاف الى الشعب والجيش، وبعد مناقشة طويلة بيني وبينه استمرت حتى منتصف الليل وضع يده على قلبه وقال: "إنت جيبت لي وجع القلب تاني، قوم روح بقى".
واجتمعت اللجنة المركزية في 25/4/1971 وألقى السادات كلمة عن الوحدة، ثم تكلم علي صبري وأخذ يشرح رأيه في تحقيق الوحدة وأهدافها. فانبرى الدكتور أحمد السيد درويش، وهو عضو في اللجنة المركزية، طالباً إيقاف علي صبري لأنه خرج عن الموضوع. وهنا أخذنا الأصوات على استمرار علي صبري في الكلام، فوافقت اللجنة ما عدا أربعة على أن يستمر علي صبري في حديثه ... واستمر علي صبري مفنداً مساوئ الاتفاق. وطلب الدكتور جابر جاد إعادة النظر في صياغة الاتفاق، وتأجيل الجلسة حتى يتم ذلك. وتمت الموافقة على الاقتراح. وبعدها صعد السادات وأعضاء اللجنة التنفيذية العليا الى مكتبي، ثم انضم إلينا شعراوي جمعة وسامي شرف ومحمد حسنين هيكل. وحاول هيكل أن يبرر الاتفاق، فقال إنه كان سيتم في أيام عبدالناصر، مع بعض الاختلافات في الصياغة. ولكنني اعترضت على كلامه، وقلت إن هذا الكلام يوسع هوة الخلاف، وبعد النقاش اتفقنا على تكوين لجنة لإعادة صياغة الاتفاق ...
إقالة علي صبري
... وكان الاحتفال بعيد العمال يحضره العمال في دائرة القاهرة والجيزة لأنه كان يستمر الى وقت متأخر من الليل. وحتى لا نكلف العمال مشقة تنقلات وخلافه، ولما اشتكى السادات من تصرفات الاتحاد الاشتراكي في القاهرة والجيزة قمت بترتيب الاحتفال متوخياً ألا يقل عدد الحاضرين عن عددهم أيام عبدالناصر، وأن يبتعد الاحتفال عن شبهة التحزب ضد السادات. وجاء يوم أول أيار مايو 1971 وكان العمال يحملون صوراً لجمال عبدالناصر في أول احتفال بعيد العمال بعد وفاته. ولكن ذلك لم يكن ليرضي السادات. وظن السادات أن رفع صور عبدالناصر ينطوي على تحد له. فقال لي في ما بعد، تعليقاً على ذلك، "هما بيخوفوني بعبدالناصر". وفي ملابسات هذا الجو، وما قبله، بدا التجهم على السادات وهو يقرأ خطابه. وفي نهاية الخطاب هاجم من سماهم "مراكز القوى" وأحس العمال أن السادات يقصد القيادات الناصرية. فما كان منهم إلا أن هتفوا باسم عبدالناصر وسقوط أميركا وإسرائيل. وبدأ بعض العمال الخروج من مكان الاجتماع. فناديت من مكاني المسؤول عن تنظيم الحفل، وطلبت منه منع أي عامل من ترك موقعه حتى لا يزداد الأمر سوءاً، والحفل منقول على الهواء مباشرة بواسطة التلفزيون. وانفض المؤتمر والجو كله مكهرب بالغضب والشائعات.
وبينما كانت لجنة مكونة مني ومن شعراوي جمعة ومحمود رياض ومحمد فوزي وسامي شرف تناقش مذكرة وزارة الخارجية المصرية الى وليم روجرز، وزير الخارجية الأميركي، في 2 مايو، إذا بتلفون من السادات الى سامي شرف يقول له فيه: "طلع خبر في الصحف بالنص الآتي: "وقد تقرر إقالة السيد علي صبري من جميع مناصبه". وسمعنا سامي شرف يقول له: "طيب نخليها استقالة أو إعفاء". وكان لنشر هذا القرار، بهذه الصورة وقع شديد على أعضاء الاتحاد الاشتراكي لسببين: أولهما أن كثيراً من أعضاء الاتحاد الاشتراكي كانوا على علاقة طيبة بعلي صبري، الذي شغل أمانة الاتحاد الاشتراكي طوال سنوات كثيرة، وثانيهما، أن غالبية الأعضاء كانوا ضد اتفاق الوحدة، وكانوا ضد اختيار السادات نفسه رئيساً للجمهورية.
وجاءني أعضاء كثيرون من الاتحاد الاشتراكي يقولون: معنى ما حدث أن السادات لن يدخل المعركة، وإقالة علي صبري بهذه الصورة، وقبل مقابلة وزير الخارجية الأميركي، ليس له معنى إلا أنه يقدم علي صبري عربوناً للولاء لأميركا. وكانوا علموا أن السادات قبلها قابل كمال ادهم، رجل المخابرات، وربطوا بين كل ذلك، وخرجوا بأن السادات يريد أن يضع مصير المنطقة في يد أميركا، وأنه لن يكون هناك معركة.
... واتصل بي شعراوي جمعة قائلاً إن سامي شرف أخطره أن اللواء الليثي ناصف، قائد الحرس الجمهوري، قال له إن السادات طلبه وقال له: "استنفر الحرس وخليك جاهز ليلاً ونهاراً لأي تطور ولتنفيذ أي أمر أطلبه منك". وحضر اللواء الليثي الى سامي شرف ليسأله: "فيه ايه؟" فرد عليه سامي شرف: "مفيش حاجة، وعموماً نفذ أي أمر يصدره إليك رئيس الجمهورية". وعندما سمعت هذا من شعراوي جمعة قلت له: "هو أنت أو فوزي صدر منكما شيء يظهر منه تهديد للسادات؟ فرد علي: "هو احنا مجانين علشان يبقى اليهود على ضفاف القناة ونعمل معركة بيننا في الداخل؟".
وجاءني خطاب من علي صبري باعتباره عضواً منتخباً في اللجنة التنفيذية العليا، وهي أعلى سلطة سياسية في البلاد، طالباً عقد اللجنة المركزية لعرض موضوع الإقالة عليه وأسبابها، ويتضمن كذلك استقالته من اللجنة التنفيذية العليا، وفي ضوء كل هذا ذهبت لمقابلة السادات في 3 مايو 1971، وشرحت له كل هذه الأمور. فرد علي: "انت اللي خليتني أعين علي صبري الأصفراوي وجاه الوقت اللي لازم أخلص منه فيه". فقلت له: "أنا لم أحضر لأناقشك في قرار علي صبري، فأنا أعرف رأيك فيه من زمان، وأنك لا تريده من أول يوم، ولكن أرجو أن تتذكر أنني عندما رجوتك بتعيينه هو وحسين الشافعي نواباً كان لإظهارنا بموقف المتماسكين والمتكاتفين من أجل الحفاظ على الاستقرار في البلد ومن أجل رفع معنويات القوات المسلحة حتى ننتهي من المعركة ونحن متماسكين. وإقالة علي صبري بهذا الشكل، وفي هذا الوقت، ستبعدنا من هذا الهدف، فلذلك فإنني جئتك ليس بسبب قرار علي صبري، ولكن جئتك لأنني أرى أننا سائرون في طريق مختلف عما اتفقنا عليه سابقاً جملة وتفصيلاً، ولأذكرك أننا اتخذنا قراراً في مجلس الدفاع الوطني بالدخول في المعركة فوراً بمجرد ما يكون الفريق فوزي جاهزاً، فهل انت ما زلت عند الرأي الذي قررناه في دخول المعركة فوراً؟ وذلك لأن الرأي النهائي متوقف على ردك علي في هذه النقطة. أضف الى ذلك تجنبنا فتح معارك داخلية أخرى".
فقال لي فوراً: "اتصل بفوزي، عندما يجيب لي قرار المعركة سأوقعه". وفي اللقاء نفسه، فوجئت به يعرض علي تعييني نائباً لرئيس الجمهورية بدلاً من علي صبري، مع بقائي كأمين عام للاتحاد الاشتراكي. لكنني اعتذرت عن ذلك. وقلت له: "لن أرد على خطاب علي صبري، ولن أدعو اللجنة المركزية للاجتماع حتى لا أوسع الخلاف، وأرجو أن تجتمع مع أعضاء اللجنة التنفيذية العليا على فنجان شاي ونتصافى". ...
وظننت أن الخلاف قد انتهى، وأن السادات بدأ الالتزام بما اتفقنا عليه عند توليه السلطة. وأخبرني الفريق فوزي أنه اتفق مع السادات على مقابلته في 13 مايو، ومعه قرار المعركة ليوقع عليه الرئيس بصفته القائد العام للقوات المسلحة. ولكني، صباح يوم 13 مايو، ذهلت عندما تلقيت مكالمة من شعراوي جمعة تفيد أن المخابرات العامة حصلت على حديث تم بين سيسكو نائب وزير الخارجية الأميركي وكان في زيارة لمصر وبين برجس، القائم بالأعمال في السفارة الأميركية، يقول فيه سيسكو إن الرئيس السادات في أثناء مقابلته له، قال إنه سيتخلص من وزير الحربية، محمد فوزي، ومن وزير الخارجية، محمود رياض، لضغطهما عليه ليدخل المعركة، وهو يريد حلاً سلمياً تساعده أميركا على الوصول إليه. ووقع عليّ هذا الكلام وقع الصاعقة، وأغلقت باب المكتب علي ومنعت أي اتصال، وجلست أفكر في الأحداث التي مرت أخيراً، وخرجت منها بالآتي: إن الصداقة والثقة ... بيني وبين السادات اهتزتا اهتزازاً كبيراً. ... وخرجت من ذلك أنه يريد الانفراد بالسلطة. فبدأ يتخلص من كل الذين يرفضون انفراده. فبدأ بعلي صبري، وثنّى بالفريق فوزي، وزير الحربية، وبمحمود رياض، وزير الخارجية. ومعنى هذا إظهار الحكم بمظهر الخلاف والصراع. وبدا من الواضح أنه لا ينوي إصدار قرار المعركة مع إسرائيل. وكنت اتصلت بالفريق فوزي للاستفسار عن مقابلته مع السادات، فعلمت منه أنه أجّل الاجتماع به حتى يتخلص من توقيع القرار. ومحاولته حل الاتحاد الاشتراكي ليست قطعاً في صالح المعركة. وموضوع الوحدة الثلاثية اخترعه من أجل إلهاء الشعب، وإدخاله في متاهات الوحدة. وكل ذلك جعلني أؤمن أنه لم يعد هناك هدف ولا معنى للبقاء في السلطة. وقررت مقابلة السادات في 15 مايو، ومواجهته بكل ذلك، وتقديم استقالتي والتصميم عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.