لا يزيد العمر الزمني للعالم المصري الشاب عصام حجي المعيد في كلية العلوم في جامعة القاهرة والموجود الآن في فرنسا لإتمام رسالة الدكتوراه في المركز القومي الفرنسي للفضاء عن 24 عاماً. ومع ذلك اختير ضمن فريق البحث الذي يعمل في مشروع الفضاء المشترك بين المركز الفرنسي لابحاث الفضاء ووكالة "ناسا" الاميركية لاستكشاف المياه الجوفية وآثار الحياة على كوكب المريخ "Netlander". وما يقوم به فريق البحث في مهمته يعتبر حدثاً إنسانياً علمياً كبيراً. ففي حال التأكد من وجود ماء على سطح المريخ، يستطيع العلماء تحديد العمر الزمني للأرض واسباب انتهاء الحياة على الكوكب الاحمر. وهناك ابحاث كثيرة أجريت على هذا الموضوع. ابرزها ما قامت به وكالة "ناسا" التي ارسلت المركبة الفضائية "Mars Polar Lander" والتي فقدت على سطح المريخ قبل إجراء التجارب اللازمة لاكتشاف المياه، وبالتالي الحياة هناك. يطمح مركز الأبحاث الفرنسي من خلال فريق البحث إلى التصوير بعمق 5،2 كلم. بابتكار آلة تصوير تستخدم تقنية التصوير بالرادار. وستتم تجربة هذا الجهاز في أماكن مختلفة في العالم، ومنها مصر، وسبق ان اختُبر في جيبوتي، لكن المهمة فشلت لأن نسبة الأملاح عالية في التربة مع وجود نسبة كبيرة من أكاسيد الحديد ما أدى إلى امتصاص موجات الرادار وتشتيتها. إلتقت "الحياة" العالم الشاب عصام حجي وطرحت عليه عدداً من الأسئلة من بداياته العلمية ولماذا اختار مجال الفضاء طريقاً علمياً. كيف اصبحت واحداً من فريق العلماء في مركز الفضاء الفرنسي، وما أهمية هذه الابحاث للبشرية؟ - في البداية التحقت بكلية العلوم في جامعة القاهرة عام 1993، بعدما حصلت على الثانوية العامة بنسبة نجاح بلغت 4،86 في المئة. وهذه الدرجات كانت كفيلة بالتحاقي بإحدى كليات الصيدلة. ولأنني اعشق الفلك التحقت بكلية العلوم. راسلت جامعات أوروبية واميركية، بحثاً عن تخصصات في علوم الفضاء، لكنها طلبت مبالغ كثيرة، وكدت أفقد الرغبة في استكمال دراستي الفضائية. وبالمصادفة البحت، ارسلت طلباً إلى جامعة باريس لأكون فعلت كل ما عليّ، وفوجئت برئيس مركز دراسات الفضاء يرد عليه، وكنت وقتها في السنة الرابعة في الكلية، وسألني عن أسباب رغبتي في دراسة الفضاء، فأجبت أنني أعشق هذا المجال وأتمنى أن يكون عندنا مركز فضاء في مصر مستقبلاً. وبعد اسبوع من رده، ارسل إليّ شهادة قبولي للدراسة في قسم الدراسات المتعمقة في قسم ابحاث الفضاء في جامعة باريس، وهو أهم مركز دراسات على مستوى فرنسا وأوروبا كلها، وجميع خريجيه يعملون في وكالة الابحاث الأوروبية. سافرت إلى باريس والتقيت الفرنسي رئيس القسم الدكتور بيير اونكناز. اكتشفت بعد ذلك ان مجرد اتصاله بي في القاهرة واستقبالي، هو ضرب من الخيال، لأنه أحد اكبر الأشخاص المسؤولين في فرنسا عن مشاريع الفضاء وعاملني أونكناز بانسانية فائقة. يكفي أنه سمح بقبولي على رغم ان القسم لا يقبل الأجانب لأسباب كثيرة، منها أن كلفة الطالب الواحد تزيد على 40 ألف دولار في السنة. وبعد ذلك دارت بيننا أحاديث كثيرة عن أحلامي وطموحاتي ومشاريعي الخاصة بالتصوير تحت الأرض من خلال الأقمار الاصطناعية. إلتقيت علماء يعملون في هذه المشاريع في مركز "بوردو" وتدربت عندهم نحو اربعة اشهر، ثم طلبوا مني الاستمرار معهم وتحضير رسالة الدكتوراه، وأعطوني منحة دراسية من المركز الفرنسي للبحوث. هل هناك امكان لصعود البشر على كوكب المريخ؟ - هذه الاشياء اقرب إلى الخيال العلمي منها إلى العلم، أو بمعنى أصح يمكن إرسال رواد فضاء إلى سطح المريخ خلال الاعوام العشرين المقبلة. وهذا يتطلب استثمارات ضخمة للحصول على نتائج علمية، في وقت يمكن الحصول عليها بطرق أخرى أسرع وأرخص. ومركز "ناسا" الاميركي هو الذي يعمل في هذا المجال. فالاميركان يعشقون "عرض العضلات" أمام العالم. والسؤال هنا، ماذا سيفعل الانسان على سطح المريخ؟ أنا أرى أن أهميته وقيمته في وجوده على الأرض، لا على المريخ .... هل تعتقد ان ثمة حياة كانت على سطح المريخ؟ - أعتقد ان حياة بكتيرية، أي خلايا بدائية، وجدت في ما مضى لكنها لم تطور اكثر من ذلك، نتيجة التغيرات التي طرأت على كوكب المريخ. ما هي أهمية وجود الكواكب الأخرى؟ - للكواكب أهمية كبيرة جداً، وربما نتذكر ما حدث قبل عامين، حين سقط المذنب ليفي شوماخر على كوكب المشتري ولو لم يكن المشتري موجوداً لكان يمكن أن ينزل المذنب على الأرض، ويحدث كارثة مرعبة خصوصاً إذا عرفنا أنه في حجم قرية. فوجود الكواكب الكبرى في المجموعة الشمسية هو عامل أمان مهم للأرض. انت أحد أعضاء الفريق الذي يتولى مهمة اكتشاف سطح كوكب المريخ، هذه الجملة اعتقد أنها في حاجة إلى شرح. - هناك نظرية مهمة تتناقلها الأوساط العلمية في حذر، لأن لها وقائع فلسفية خطيرة، وهي أن المركبات العضوية اللازمة لوجود الحياة على الأرض جاءت إلى سطحها ووجدت عليه بفضل المذنبات والنيازك التي سقطت في أطراف المجموعة الشمسية وكوكب المريخ. فالظروف المناخية في الارض منذ ثلاثة بلايين ونصف بليون سنة كانت مماثلة تماماً لتلك الموجودة على سطح المريخ. والظروف المناخية على هذا الاخير كانت أنسب من الأرض لوجود مواد عضوية، وبالتالي تؤكد النظرية العلمية أن هذه المواد تكونت على سطح المريخ ثم مر الكوكب الاحمر بتغيرات مناخية أدت إلى خلخلة الغلاف الجوي، وبالتالي سقوط كمية أكبر من المذنبات بحجم أكبر، وأثناء ارتطامها بسطح المريخ أرسلت إلى الفضاء صخوراً أخرى انفصلت عن السطح نتيجة الارتطام. قدمت تلك النيازك إلى الارض وحملت معها المواد العضوية اللازمة لتكوين حياة علىها، بمعنى أن أصل الحياة على المريخ، ثم انتقلت إلى الأرض. وهذا الكلام ثابت علمياً أكثر من رؤيتي أمامك ومحادثتي. لكن مشكلة هذا الكلام كله أن نجد ماء على كوكب المريخ. عندما نتأكد من ذلك يكون للحديث محاور أخرى، ومن هنا تنبع أهمية المهمة العلمية التي نقوم بها في مركز الفضاء الفرنسي. هل تستبعد وجود كائنات حية على المريخ؟ - لا نستبعد ذلك أبداً، لأننا لا نملك حجة تنفي ذلك. ومادمت لا املك حجة، لا أستطيع أن استبعد أي شيء والحياة التي نبحث عنها هي حياة مكروسكوبية، أي بكتيريا. ما أهمية ما تقوم به للبشرية؟ - إن اكتشاف سبب اختفاء الماء عن سطح، يعني معرفة سبب وجود الحياة على كوكب المريخ او اختفائها. وبالتالي يمكن أن ندرس، في وضوح أكثر، إمكان وجود الحياة على كواكب أخرى واختفائها ومنها الارض التي تعاني اليوم بداية تغيرات مناخية نتيجة التلوث مثلاً. وفي اختصار، يعني اكتشاف حياة على المريخ ان الحياة ليست ظاهرة "محلية"، بل كونية. ومن هنا يدرك الانسان مرة أخرى انه ليس محور الكون، بل مجرد نقطة متناهية الصغر في فضاء كبير، لكنه بالعلم والفكر والايمان قادر على أن يعبر كل المسافات ويصل إلى ما هو أبعد من أن تدركه حواسه الخمس.