ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في باكستان إلى 657 قتيلًا    طبيعة ساحرة    المملكة تستقبل وفدًا سوريًا استثماريًا برئاسة وزير الاقتصاد والصناعة    الفريق الفرنسي "Karmine Corp" يحصد لقب "Rocket League" في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    تايكوندو السعودية تواصل حصد الإنجازات العالمية    عشّاق القهوة بمزاج أفضل بعد فنجانهم الأول    استقبل رئيس مجلس المديرين في شركة مطارات جدة.. نائب أمير مكة يستعرض تصميم مخطط صالة الحج الغربية    موجز    أمر ملكي: إعفاء طلال العتيبي مساعد وزير الدفاع من منصبه    قلق أوروبي من تنازلات محتملة لموسكو.. ترمب: تقدم كبير في ملف أوكرانيا    تحذيرات دولية من كارثة إنسانية.. خطة تهجير سكان غزة تدخل حيز التنفيذ    وسط تحذيرات من كارثة إنسانية.. الدعم السريع يقتل 31 مدنياً بقصف على الفاشر    أوامر ملكية بإعفاء الماضي والعتيبي والشبل من مناصبهم    القيادة تعزي رئيس باكستان في ضحايا الفيضانات    القيادة تهنئ رئيسي إندونيسيا والجابون ب«ذكرى الاستقلال»    «رونالدو وبنزيمة» يسرقان قلوب جماهير هونغ كونغ    الأرجنتيني كوزاني يحمي مرمى الخلود    سرقة مليوني دولار من الألماس في وضح النهار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. مؤتمر «مسؤولية الجامعات» يعزز القيم والوعي الفكري    صابرين شريرة في «المفتاح»    لا تنتظرالوظيفة.. اصنع مستقبلك    تربية غريبة وبعيدة عن الدين!!    سيتي سكيب الرياض 2025.. تقنيات البناء ترسم المستقبل العقاري    «الحياة الفطرية» يطلق أكبر رحلة استكشاف للنظم البيئية البرية    "خيرية العوامية" تنفذ 39 برنامجًا لخدمة المجتمع    المملكة.. وقوف دائم مع الشعوب    أمانة الرياض تكثّف رقابتها على المقاهي ومنتجات التبغ وتغلق منشأتين    «غابة العجائب».. تجربة استثنائية في موسم جدة    الأمير تركي الفيصل ورسائل المملكة في زمن الاضطراب الإقليمي    العراق يفتح أكبر مقبرة جماعية لضحايا (داعش)    «إثراء» يدعم المواهب ويعلن المسرحيات الفائزة    مُحافظ الطائف يطلع على تقرير برنامج المدن الصحية    جامعة جدة تستعد لإطلاق ملتقى الموهبة للتعليم الجامعي    قنصلية السودان بليبيا تطلق مبادرة العودة الطوعية    زرع الاتكالية    استعراض إحصائيات ميدان سباقات الخيل بنجران أمام جلوي بن عبدالعزيز    تجمع مكة الصحي يخصص عيادة لعلاج مرضى الخرف    حملة توعوية لطلاب المدارس بالتجمع الصحي بمكة    القيادة تعزي رئيس باكستان في ضحايا الفيضانات    تعيين ثلث أعضاء اللجان في غرفة الأحساء    أمير تبوك يطلع على تقرير بداية العام الدراسي الجديد بمدارس المنطقة    مركز الملك سلمان يدعم متضرري باكستان    تخلص آمن لمخلفات القصيم الزراعية    جامعة أم القرى تنظم مؤتمر "مسؤوليَّة الجامعات في تعزيز القيم والوعي الفكري"    المشاركون في دولية الملك عبدالعزيز يزورون مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف    مدير مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير يجتمع بالهيئة التدريسية مع إنطلاقة العام الدراسي الجديد    Ulsan يحافظ على لقبه العالمي    "قيمة العلم ومسؤولية الطلاب والمعلمين والأسرة" موضوع خطبة الجمعة بجوامع المملكة    نائب أمير جازان يزور بيت الحرفيين ومركز الزوار بفرع هيئة التراث بالمنطقة    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام فرع وزارة الصحة بمناسبة تعيينه    القيادة تهنئ رئيس جمهورية إندونيسيا بذكرى استقلال بلاده    علماء كوريون يطورون علاجًا نانويًا مبتكرًا لسرطان الرئة يستهدف الخلايا السرطانية    مرضاح والجفري يحتفلون بزواج فهد    المشاركون في مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية يغادرون مكة متجهين إلى المدينة المنورة    دواء تجريبي مبتكر يعالج الصلع خلال شهرين    كيف سقطت ورقة " معاداة السامية "    نائب أمير جازان يلتقي شباب وشابات المنطقة ويستعرض البرامج التنموية    نائب أمير منطقة جازان يقدّم التعازي لأسرة معافا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإرتباط بدورتين لبنانية وإسرائيلية يجعل التقدير صعباً . إقتصاد الشريط المحرر فقد حلقته الرئيسية والعلاقات الأهلية أمام اختبار جديد
نشر في الحياة يوم 01 - 06 - 2000

لا يمكن الحديث عن اقتصاد ما كان يسمى ب"شريط حدودي لبناني محتل" معزولاً عن معطيات النفوذ السياسي والأمني السابق واللاحق، وعن التوزع الديموغرافي والطائفي للجماعات الأهلية فيه. فالدورة الاقتصادية لمناطق الشريط السابق والتي تقدر قيمتها بنحو مئة مليون دولار سنوياً ترتبط اجزاؤها المختلفة ارتباطاً وثيقاً باقتصاد الاحتلال، اذ هناك نحو 60 مليون دولار من اصل هذه المئة هي عبارة عن رواتب للعناصر والمجندين في ما كان يسمى ب"جيش لبنان الجنوبي" إضافة الى رواتب اقاربهم وابناء قراهم الذين كانوا يعملون في اسرائيل.
الجزء الثاني من حيث الأهمية من قيمة "اقتصاد الشريط" هو عائدات زراعة التبغ المزدهرة في الكثير من القرى هناك، والتي تتولى الدولة اللبنانية شراء محاصيلها عبر ادارة حصر التبغ والتنباك، وقد وصلت قيمتها هذه السنة الى نحو 18 مليون دولار. اما الجزء الثالث والذي يصعب تقدير قيمته فهو تحويلات اقارب ابناء القرى الذين هاجروا الى الخارج خلال سنوات الاحتلال وراحوا يرسلون مبالغ شهرية الى اهلهم عبر مصرف لبناني فتح فرعين له في بلدتي بنت جبيل ومرجعيون، او عبر مصارف اسرائيلية. وهؤلاء المغتربون يشكلون غالبية في بعض القرى كبنت جبيل وعيترون وعين ابل. وهناك موارد صغيرة اخرى كانت تغذي "اقتصاد الشريط" مثل رواتب بعض الموظفين الرسميين في الدولة اللبنانية، وعائدات مرفأ الناقورة البحري وغير الشرعي الذي كانت تشرف عليه ميليشيا لحد، والذي يقال إنه كان يستعمل مرفأ ترانزيت لعمليات تهريب حصلت في المنطقة. ويتحدث ابناء الناقورة عن قباطنة وبحارة يونانيين ومصريين كانوا ينزلون في بلدتهم أياماً قليلة ثم يغادرونها من دون ان تفرغ سفنهم حمولاتها، إضافة الى ريوع المتاجر الصغيرة والحرفيين الذين لم يبق منهم إلا اعداد قليلة.
دورتان اقتصاديتان
يعقد محاولة فهم الأقتصاد الحدودي ارتباطه بدورتين اقتصاديتين:اسرائيلية ولبنانية. فأحتساب ريوع اليد العاملة اللبنانية في الدورة المالية الحدودية واللبنانية تالياً تقابله عائدات انخفاض اجورها. والسلع المتداولة في متاجر "الشريط"، خضع استيرادها من لبنان او اسرائيل لانخفاض اسعارها اوارتفاعها في كل من الدولتين. فالمشروبات والعصير والسكاكر والأدوات الكهربائية كانت تستورد من اسرائيل، في حين استقدم التجار الأدوات المنزلية والمفروشات من لبنان. اما المحروقات فقد احتكر قائد ميليشيا "الجنوبي" انطوان لحد امر استيرادها والاتجار بها لنفسه، وكان يستوردها من اسرائيل ويبيعها بأسعار تفوق الأسعار اللبنانية في احيان كثيرة. وكان ضباط آخرون من "الجنوبي" يستوردون الدخان عبر مرفأ الناقورة ويبيعونه من دون رسوم جمركية، اي بسعر يصل الى نصف سعره اللبناني.
والتداخل بين ما هو لبناني وما هو اسرائيلي في الاقتصاد الحدودي يمتد الى قطاعات خدماتية اخرى في الشريط. فهناك اكثر من 15 قرية حدودية تتزود الماء من اسرائيل، اذ كانت شركة "ماكاروت" الأسرائيلية تبيع سكانها مياهاً بقيمة دولارين للمتر المكعب الواحد، مستعملة شبكة التوزيع اللبنانية، مع العلم ان هذه المياه لم ينقطع ضخها الى هذه القرى حتى بعد انسحاب اسرائيل منها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى القطاع الصحي، فأسرائيل هي من كان يشرف على مستشفيي بنت جبيل ومرجعيون الحكوميين اللبنانيين، وهي من اعاد تأهيلهما، وغالباً ما كانت الحالات الصحية المستعصية تعالج في المستشفيات الاسرائيلية لتلقي العلاج فيها. والتداخل ايضاً يشمل عمل كل من مجلس الجنوب الذي يتولى، بتكليف من الدولة اللبنانية، شؤوناً خدماتية، والإدارة المدنية التي كانت تتولى رفع حاجات القرى والمناطق الى الإدارة الأسرائيلية، فتكمل هذه شق طريق كان مجلس الجنوب بدأ بها وتوقف عن اكمالها لعجز في موازنته مثلاً، او دوفع رواتب اطباء في مستشفيي مرجعيون وبنت جبيل.
وبعيداً من المضامين السياسية والأمنية والاحتفالية للانسحاب الاسرائيلي من الجنوب اللبناني، فأن هذاالأنسحاب شكل بالنسبة إلى الحدوديين انقلاباً كبيراً في اوضاعهم، فبدلها في اتجاهات متفاوتة. واذا احاطت جولة طويلة من اقصى القطاع الغربي، اي بلدة الناقورة، الى اقصى القطاع الشرقي في مرجعيون، بعناصر هذه التبدلات، فإن حصيلتها لن تقتصر على تلك المتعلقة بالجانب الأقتصادي، لأن المنطقة لم تفرز بعد اولوياتها، ولأن الانسحاب بالشكل الذي حصل فيه، وبما رافقه، ما زال يطبع المنطقة بطابعه.
المكان الأول الذي يفكر قاصد بلدة الناقورة في الوصول اليه، هو السوق التجارية التي انشأها عدد من الحدوديين قبالة مركز تجمع القوات الدولية في البلدة. ولعل التعريف البسيط الذي قدمه حسين وهو احد اصحاب المحال لقصة هذه السوق التي يبلغ عدد متاجرها نحو مئتين، ابلغ تعريف. فالقصة بدأت عندما تمركز عدد قليل من أفراد القوة الدولية في البلدة، وكانوا من الفرنسيين، اذ راح عدد من السكان المحليين يذهبون اليهم حاملين اكشاكاً يبيعون فيها بعض الخردوات المحلية الصنع، ولما زاد عديد هؤلاء الجنود وزاد طلبهم عن العرض، شرع السكان ينشئون بسطات وخياماً يعرضون فيها سلعاً ويطهون فيها طعاماً لبنانياً يبيعونه الى الجنود. بعد ذلك قررت القوات الدولية تحويل مركز الناقورة مركزاً رئيسياً واضافة جنود من جنسيات اوروبية اخرى، سويدية ونروجية، ممن يتمتعون بنسب دخل مرتفعة. عندها بدأ السكان بتوسيع منطقة اتجارهم هذه. فتراجعوا الى خلف الطريق العامة واستولوا على ارض يملكها رجل الأعمال اللبناني هنري صفير، وانشأوا صفاً من المحال التجارية في موازاة الطريق تماماً، بنوا خلفها منازل سريعة ومرتجلة يفيئون اليها مع اولادهم وزوجاتهم في اوقات الراحة، خصوصاً ان كثراً من اصحاب المحال هم من غير ابناء بلدة الناقورة. فالسوق جذبت اليها تجاراً من بلدات علما ورميش وبيت ليف وعين ابل ودبل، وبدا من السلع المعروضة فيها ان معظمها استورد من اسرائيل، وهو عبارة عن كاميرات وادوات كهرابائية وسلع سياحية، أغرى انخفاض اسعارها مصورنا وسائقنا، ولكن لم يكن في اليد حيلة ولا مال.
السوق انكمشت منذ سنوات قليلة عندما قررت الأمم المتحدة إحلال جنود من جنسيات اوروبية شرقية لا يتمتع عناصرها بمستويات دخل مرتفعة محل الجنود الإسكندينافيين والفرنسيين، فراحوا يشترون السلع بالتقسيط. وفي هذا الوقت رفعت الميليشيا قيمة ضرائبها لتصل على بعض المحال الى 150دولار شهرياً، وعلى من يريد خفض هذه الضريبة ان يستجدي المسؤول او ان يجند قريباً له في "الجنوبي". فأنخفض عدد المتاجر الى نحو ستين، في حين ينتظر اصحابها هل يؤدي قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بزيادة عديد القوات الدولية الى استقدام جنود من جنسيات مرتفعة الدخل.
ذكريات "بعيدة"
في منزل خلف شريط المحال التجارية، كان علي يجلس محدثاً ضيوفه عن ذكريات العمل في اسرائيل، كأنها من ماض بعيد. فيقول إن الحياة هناك بالنسبة إلى الشباب مغرية جداً، وهو الذي يملك محلاً تجارياً في الناقورة ولم يكن في حاجة إلى العمل خصوصاً انه يشغله عن زوجته واولاده. كان الذهاب الى اسرائيل، بحجة العمل، ضرورة بالنسبة اليه، وفرصة للتجول والتعرف إلى دنيا اخرى واناس مختلفين عن اهله وابناء قريته. ويضيف ان اللبنانيين عملوا هناك في الفنادق والملاهي وفي بعض البلديات، وكان كثيرون منهم يضطرون إلى النوم هناك. ويورد علي، وبنقمة كبيرة، كيف منعه ابناء بلدته من عناصر الميليشيات من الذهاب الى اسرائيل بعدما ارسلوا تقريراً يفيد ان لا اقارب له مجندين فيها.
والناقورة غادرها الى اسرائيل نحو 35 عنصراً من "الجنوبي" مع عائلاتهم في حين سلم قليلون من انفسهم الى "حزب الله" و"حركة امل".
الطريق بين الناقورة وعلما الشعب، مروراً ببلدتي الضهيرة ويارين، ما زالت في الأسبوع الثاني من الانسحاب تزدحم بسيارات الحزبيين المسلحين الذين تخرج بنادقهم واعلامهم من نوافذ السيارات، معلنة للسكان ابتداء زمن جديد. الشبان المتجمعون في بلدة علما الشعب المسيحية يبدو تجمعهم مختلفاً عن تجمعات المحتفلين في البلدات الأخرى، فهم مستنفرون الى حد يمكن معه ان يؤدي اي سؤال الى احتكاك اومشاجرة. وهم تنادوا لمنع اي تجاوز يحصل فيها. والسؤال عن ظروف المعيشة وعن اقتصاد البلدة يبدو سابقاً لأوانه. فقد غادر من ابنائها نحو مئتي شخص، وهذا الأمر هو همّّّّّّ البلدة الأول اليوم، اما الهم الثاني، كما يقول متكلم بأسم الشباب المتجمعين في الساحة، فهو منع التجاوزات التي حصلت، من سرقة منازل ودهم اخرى. وحين تسأله عن حجم هذه التجاوزات، يتراجع قليلاً ليقول انها محدودة، ولكن كان يمكن أن تكون كثيرة "لولا وعي شباب البلدة وسهرهم". ابناء علما لا يعملون في الزراعة، كما يقول بشيء من المفاخرة، المتكلم بأسمهم بلهجة فلسطينية كسبها ابناء البلدة من مجاورتهم البلدات الفلسطينية الواقعة على الحدود مع لبنان. فيعمل اكثر من مئة شاب من علما في مراكز الأمم المتحدة، وغادرها اكثر من مئة وخمسين آخرين الى كندا واستراليا ليرسلوا من هناك تحويلات مالية الى ذويهم، ومن الأجيال الأكبر سناً هناك المئات من عناصر الجيش المتقاعدين.
لكن وضع بلدة رميش المجاورة مختلف تماماً من حيث طبيعة عمل ابنائها، اذ يعمل اكثر من 80 في المئة منهم في زراعة التبغ، ويتقاضون مجتمعين نحو ثلاثة ملايين دولار في السنة، وكان يعمل في اسرائيل منهم نحو 250 عاملاً وعاملة، يقابلهم عدد مواز كانوا جنوداً في الميليشيا. وبين ابنائها عدد كبير من جنود الجيش اللبناني المتقاعدين، وثمة مدرستان للراهبات تستقطبان عدداً من ابنائها وأبناء البلدات المجاورة.
غادر من البلدة فور الأنسحاب منها عدد يفوق الألف الى اسرائيل، وهو رقم تقديري غير دقيق. فأبناؤها لم يجروا احصاء لعدد الهاربين، خصوصاً ان بينهم كثراً لا ناقة لهم ولا جمل في ما حدث ويحدث، وهم انساقوا في موجة الرعب التي سبقت الانسحاب التي يبدو انها احدثت هلعاً كبيراً في صفوف الأهالي. الرميشيون يتحدثون عن تلك الليلة بريبة كبيرة، ويحملون على الأحزاب المسيحية والدولة، ويجهدون في شروحاتهم لتأكيد حقيقة ان نسبة كبيرة من الهاربين الى اسرائيل اناس عاديون لم يسبق ان ربطتهم علاقة بالاسرائيليين، ويؤكدون ان البلدة لن تلتئم من دون عودتهم.
"مدرسة" القضاء
تعتبر بلدة عين ابل "مدرسة" قضاء بنت جبيل، اذ فيها اربع مدارس خاصة ورسمية تستقطب نحو الفي تلميذ من قراه. اما زراعياً فتعتمد الزراعات البعلية، كالزيتون الذي يباهي العين ابليون بمضاهاته زيتون الكورة. وبين ابناء البلدة نحو 35 شاباً يعملون مع قوات الطوارىء الدولية. وهنا يمكن ملاحظة ان معظم العاملين مع هذه القوات هم من ابناء القرى المسيحية.
وعشية الانسحاب منها لم يكن من ابناء عين ابل إلا 20 منتمياً الى الميليشيا، سلم ثلاثة منهم انفسهم إلى "حزب الله"، وفر الآخرون مع عائلاتهم الى اسرائيل، وبلغ عددهم نحو 150 شخصاً. وعين ابل التي يبلغ عدد ابنائها نحو 12 الفاً، يقيم منهم ألفان فيها بعدما هاجر آلاف الى الولايات المتحدة الأميركية وكندا غداة الحرب واثناءها، إذ شعر هؤلاء بتصدع بنى التعايش الذي كان يشكل بالنسبة إليهم كقلة في المنطقة ضمان استمرار لا بد منه. فالحرب في مراحل مختلفة منها اوحت بأن الأمور سائرة نحو نقاط لا عودة عنها.
عمل في اسرائيل من البلدة نحو 150 شاباً وشابة، وفي حين ارتبطت عين ابل بشبكة الماء الأسرائيلية، يروي ابناؤها كيف قام مندوب هذه الشركة، وهو لبناني، بتفجير بئر الماء التي حفرها مجلس الجنوب وكان سيوفر على السكان اكلاف اشتراكاتهم التي يدفعونها للشركة الإسرائيلية.
سوق الخميس
لم يبق من الموقع التجاري والإداري الذي كانت تؤديه مدينة بنت جبيل الا سوق الخميس حيث يتجمع عدد من تجار القرى ويفترشون ساحتها ببضائعهم، ويأتي المتسوقون من بلداتهم لشراء ما توفره من حاجات. سوق صناعة الأحذية التي كانت تشتهر بها البلدة لم يبق من محالها سوى اثنتين، وذلك الأكتظاظ امام الدوائر الرسمية لم يعد له اثر بعدما استعيض عن عمل هذه الدوائر بعمل مكاتب فرعية لها عملت في المناطق التي كانت خارج الاحتلال.
لم يغادر من بنت جبيل عشية الانسحاب سوى اقل من 20 شخصاً هم عبارة عن ضباط في "الجنوبي" وعائلاتهم، وسلم نحو مئة عنصر انفسهم الى "حزب الله" و"حركة امل". وكذلك في بلدة عيترون المجاورة التي كانت تعتبر أهم قاعدة شيعية للميليشيا، فقد سلم نحو 300 من ابنائها المنتمين اليها انفسهم الى التنظيمين الشيعيين. وعيترون التي يعتبر العمل في اسرائيل والخدمة في "الجنوبي" مصدر الدخل الأول لأبنائها، تعد زراعة التبغ المصدر الثاني، ويبلغ ما يتقاضاه ابناؤها من ادارة حصر التبغ نحو 75،2 مليون دولار سنوياً. ويبدو ان زراعة التبغ هي مدخل لفهم علاقات القرى والجماعات الأهلية الحدودية المختلفة، وقناة تشابه ومصالح مشتركة. فالمسؤولون الجنوبيون غالباً ما يخطبون ود ناخبيهم من خلال مطالبتهم بدعم هذه الزراعة، ورفع سعر التبغ الذي تحققه مطالبات زعماء الشيعة تستفيد منه القرى المسيحية. هذا الدور ايضاً تؤديه مدارس عين ابل في دمجها الطلاب من مختلف بلدات المنطقة.
الاحتلال والحروب المتعاقبة على المنطقة قللت من فرص التشابه في ظروف السكان، وكان مظهر اختلاف الظروف الأخير، مغادرة عناصر في الميليشيا وسكان معظمهم من المسيحيين، في حين سلم معظم العناصر الشيعة في الميليشيا انفسهم. انه احد الأسئلة الكبيرة التي لا بد من ان يطرحها زائر القرى الحدودية. وللبحث عن جواب لا بد من سماع قصة الليلة الأخيرة من الاحتلال.
يروي احد الرميشيين أن البلدة شهدت في تلك الليلة حركة تجاذب كبيرة بين السكان وخصوصاً عناصر الميليشيا بينهم الذين كانوا مرعوبين من تصريحات مسؤولين في "حزب الله" اعلنوا فيها انهم سيقتصون من "العملاء"، في ظل صمت اسرائيلي مريب. ويصف الطريق بين البلدة والمعبر الى اسرائيل عشية الأنسحاب، قائلاً "ان حالاً من الفوضى دبت عليها حيث راح خوري الرعية يمسك بالمغادرين لمنعهم من دون جدوى. فأنقسمت عائلات غادر نصف عدد افرادها وبقي النصف الآخر في لبنان، وهرب رجال مسنون لم يكن احد يتوقع هربهم".
اما بالنسبة الى العناصر الشيعة والدروز فأمكنهم في اللحظات الأخيرة اقامة اتصالات بالاحزاب عبر قنوات عائلية ومحلية، فسلم العيترونيون انفسهم في بلدة تبنين قبل انجاز الانسحاب من بلدتهم، ومنع الحزب التقدمي الأشتراكي العناصر اللحديين من مغادرة حاصبيا وسلمهم الى الجيش اللبناني. هذه المفارقات اضافت إلى مشاعر المسيحيين الحدوديين نقمة جديدة على الأحزاب والقيادات المسيحية وعلى الكنيسة ايضاً، يعلنونها كل يوم ويشيرون الى ان سفر البطريرك الماروني نصرالله صفير المتزامن مع الأنسحاب لم يكن في محله.
من بلدة القليعة غادر نحو 2500 من ابنائها اي ما يوازي 70 في المئة من المقيمين فيها، وبين المغادرين 500 عنصر من "الجنوبي". وقد بدت في ايام "التحرير" الأولى نائية اكثر، في حين تجمع عدد من ابنائها في الكنيسة يتابعون الأتصالات التي تجرى لإعادة الأهالي والابلاغ عن التجاوزات والمصادرات التي قام بها حزبيون. واكد عدد من ابناء البلدة أن الأخبار عن تلك التجاوزات كان مبالغاً فيها، لكنهم اشتكوا من تعدد الجهات الأمنية التي تعمل فيها.
اما الأهم بعد الأنسحاب الأسرائيلي فهو متابعة هل يؤدي الأنسحاب الى عودة السكان الذين هجروا طوال سنوات الحرب والاحتلال، ام ان ثمة حقائق جديدة وثقيلة سيكون من الصعب على الحدوديين تفادي نتائجها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.