ما الذي يجعل اسبوعاً من الأسابيع أو شهراً من الشهور مختلفاً!؟ من الصعب أن يقدر"شيء" على ذلك في الأرض العربية هذه الأيام. لكن هناك انفاساً تُختطفُ من عبوات الهواء المُسَيَّل والمُخَبَّأ، كافية لإِنارة العينين ببريق لاستكشاف الأعماق. أحداث ثقافية لافتة في سورية بعضها يحمل علامات اختلاف: أوّلها حال الاهتمام التي طبعت انتظار المثقفين مع سائر الناس تشكيل الحكومة الجديدة، وشيوع كلمة التغيير في مفرداتهم احتفاءً بتبنّيها رسمياً... ثمّ وداع وزيرة للثقافة صارت "سابقة" هي الدكتورة نجاح العطّار التي استمرت في منصبها 23 عاماً، واستقبال وزيرة ستبقى جديدة إلى حين هي الدكتورة مها قنّوت. وعُرض فيلم "نسيم الروح" للمخرج عبداللطيف عبدالحميد في الصالات العامة... وللسينما في سورية احتفالٌ واحتفاء، لا تُناسبه حال الصالات المتردّية. ولهذا الفيلم - بالذات - استقبال متميّز، كونه يُخاطب أرواح البشر، وينادي فيهم - في أعماقهم - بذرة الخير والحبّ والصدق... والابتسام طبعاً. وعلى مسرح الحمراء، "حدثت" مسرحية جديدة مختلفة هي "كسور" التي أعدّها بتصرّف كبير وأخرجها غسان مسعود. وهي مختلفة على رغم النقد المتكرّر الذي وُجِّهَ إلى النصّ وإلى إعدادهِ الضعيف في تفاصيل تتعلّق بالدراما والمضمون، إلى جوانب أخرى ذات علاقة بالديكور والسينوغرافيا والإضاءة. هيَ مختلفة في مقدار الجُرعة من المسرح التي تمنحها للمتلقي، وفي درجة إخلاص الممثلين ونجاحهم - من ثمّ - في عملهم ضمن ادارة المخرج. ولعلّ الزّحام على الحضور، ونفاد الأماكن في كثير من أيام العرض، هو شكل تعبير الناس عن ترحيبهم بالحياة المسرحية وشوقهم اليها. وللشعر احتفاء ويوم عالمي في العالم. وفي سورية كغيرها من البلاد، يعيشه البعض كمناسبة من بين مناسبات، بضجيج غير كبير. وللحقّ ، يزداد حضور الشعر نوعاً وكمّاً. صحيح أن قاصدي الأمسيات الشعرية لا يزالون قلة، كما في أي نشاط ثقافي، وصحيح أن هذا لا يتعلّق بالثقافة بذاتها ولا بإمكانات انتشارها في شروط أفضل، لكن هنالك جديداً. ففي جديد النشاط الشعري عودة عادل محمود لقول الشعر في أُمسية هي الأُولى له منذ اعتزاله قبل عشرين عاماً، وذلك بدعوة من "نادي شباب العروبة" في حلب. وكانت الخصوصية الشعرية عالية الجناح. وهناك عدد من الشعراء الشباب، منهم الشاعر لقمان ديركي الذي تقدّم للناس بشعره في أُمسية حارّة وناجحة في "المعهد الفرنسي" في دمشق. أما "يوم المسرح العالمي" فمرّ في سورية هذه المرة - مرور الكرام - كما جرت العادة إلاّ قليلاً. وفي الجديد تفاعل مشكلة رواية ممدوح عزّام "قصر المطر" التي استقطبت في البداية أهل جبل العرب الدروز في جانبين : استنكار أهل التقليد والمحافظة لكونهم رأوا فيها مساساً بما ينبغي أَلاّ يُمسّ، ودفاع عنها وعن حُريّة الرأي من المثقفين والشباب. وقيل في ما بعد ان الخواطر هدأت بعد الغوص الجدّي في نص الرواية والتثبت من "براءتها". وقال ممدوح عزّام ل"الحياة": "إن الشيوخ كانوا ضحيّة وعي فتنوي هم بعيدون عنه، إذ لم يُعرف عن مشايخ العقل أي نشاط سياسي منظّم طوال تاريخهم وظلّوا دائماً مرجعية روحية للطائفة. ومن جاء إليهم هو الذي أَثار حفيظتهم تجاه مشاهد حُبّ في الرواية. وقد أَلغوا كلّ ما تعارفت عليه الثقافة النقدية في ما يخصّ العمل الروائي وجعلوا من الرواية بكل شخصياتها السلبية والايجابية ناطقة باسم الروائي. واختاروا على سبيل المثال ما تقوله شخصية ضابط فرنسي في الرواية، على أنه قول الروائي ضد وطنه". اضاف عزّام "أن رسالةً كانت وُجّهت إلى رئيس الوزراء السوري تبيّن له ان الكتاب فاسق في الرواية، وقد أساء إلى رجال الدين والثورة السورية الكبرى وسلطان باشا الأطرش". كما قال أن جملةً وردت في تلك الرسالة هي التي أثارت المخاوف: "من سَلَّ سيف البغي قُتل به". يذكر أن الرواية صدرت في منشورات وزارة الثقافة السورية، ونفدت من الأسواق بسرعة خاطفة! ولعلّ الأكثر جِدّةً في الأجواء الثقافية صدور الكتاب السابع من سلسلة "قضايا وشهادات" التي توقّفت منذ شتاء 1993، عن دار كنعان في دمشق. ففي فضاء الثقافة السورية - على الأقلّ - ارتبطت هذه السلسلة - المشروع باسم سعد الله ونوّس، الذي يأتي هذا العدد كملف جديد عنه، وعن عمله المسرحي، ومشروعه الثقافي والديمقراطي والعقلاني. قد لا يصل العدد الجديد إلى مستوى الأعداد الستة الماضية، لكنه يأتي في سياق الاستعداد لاحياء ذكرى غياب سعد الله ونوس في 15 أيار مايو المقبل. دمشق - هالا محم