السفير الإيراني يزور «الرياض»    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    خادم الحرمين الشريفين يصدر عددا من الأوامر الملكية    شتلات شارع الفن    خارطة طريق سعودية - أميركية للتعاون في مجال الطاقة    السعودية مثال يُقتدى    معرض"سيريدو العقاري"أحدث المشاريع السكنية للمواطنين    وزير الاستثمار: الاقتصاد السعودي الأسرع نموا وجاذبية    طريق الأمير محمد بن سلمان.. أهم مسار لتنقل الحجاج    السلطات الفرنسية تطارد «الذبابة»    بوتين يصل إلى الصين في زيارة «دولة» تستمر يومين    استمرار الجسر الجوي الإغاثي إلى غزة    «الحر» يقتل 150 ألف شخص سنوياً    دعوة عربية لمجلس الأمن باتخاد إجراءات سريعة توقف العدوان الإسرائيلي    إبادة.. بعد 17 عاماً من الخنق والعزلة    في نصف نهائي المربع الذهبي لكرة السلة.. قطبا الرياض يواجهان الأهلي والاتحاد    في قمة مواجهات الجولة 32 من «روشن».. ديربي الرياض بروفة نارية لنهائي كأس الملك    توثيق من نوع آخر    خطوة جادة نحو رؤية وزارة الرياضة    الشباب قادر على النهوض    القيادة تهنئ رئيس الباراغواي ورئيس وزراء سنغافورة    تعزيز التعاون العدلي مع فرنسا وأستراليا    باكوبن والدقيل يزفون المهندس محمد    عبدالملك الزهراني ينال البكالوريوس    إنتاج الصقور في الحدود الشمالية    "الدرعية" تُعزز شراكاتها الاقتصادية والسياحية    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    سقيا الحاج    « سعود الطبية»: زراعة PEEK لمريض عانى من كسور الجبهة    لقاح جديد ضد حمى الضنك    مختصون يدعون للحدّ من مخاطر المنصّات وتقوية الثقة في النفس.. المقارنة بمشاهيرالتواصل الاجتماعي معركة خاسرة    5 منافذ في الشرقية تستعد لاستقبال الحجاج    استشاري ينصح مرضى العلاج الكيماوي بتأجيل الحج    «الداخلية» تطلق ختماً خاصاً للمستفيدين من مبادرة «طريق مكة»    وزير الطاقة يجتمع مع نظيرته الأمريكية ويوقّعان «خارطة طريق» للتعاون في مجال الطاقة    "تاسي" أحمر والراجحي وأكوا باور يرتفعان    المزروع يشكر القيادة بمناسبة ترقيته للمرتبة 14    المنتخب السعودي للعلوم والهندسة في سباق للمجد.. الجمعة    «نافس».. منافع لا تحصى لقياس الأداء التعليمي    نائب أمير الشرقية يستقبل منتسبي "طويق"    قمة البحرين ظروف استثنائية لحلحلة الأزمات    أمير منطقة تبوك يتفقد مبنى مجلس المنطقة وقاعة المؤتمرات    حالة رئيس وزراء سلوفاكيا حرجة بعد تعرضه لمحاولة اغتيال    افتتاح منتدى كايسيد للحوار العالمي في لشبونة    جامعة الأميرة نورة تُنظِّم مؤتمر لترجمة الهُوية السعودية عبر اللُّغات والثقافات الأخرى    البدر الذي رحل    «الموارد»: تمكين 22 ألف مستفيد من «الضمان» في سوق العمل خلال الربع الأول من 2024    رئيس جمهورية المالديف يُغادر جدة    وزير العدل يلتقي رئيس المجلس الدستوري في فرنسا    أمير تبوك يثمن للبروفيسور " العطوي " إهدائه لجامعة تبوك مكتبته الخاصة    «النيابة»: باشرنا 15,500 قضية صلح جنائي أسري.. انتهاء 8 آلاف منها صلحاً    نيمار يبدأ الجري حول الملعب    أفضل الإجراءات وأجود الخدمات    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج 2374 طالباً وطالبة من «كاساو»    الاتحاد السعودي لكرة القدم يحتفي بيوم كرة القدم للواعدين    أمير تبوك ينوه بالخدمات الراقية لضيوف الرحمن    انطلاق برنامج الرعاية الأكاديمية ودورة البحث العلمي في تعليم الطائف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل علينا أن نحب هتلر أم أن نكرهه؟
نشر في الحياة يوم 05 - 03 - 2000

حتى قبل أسبوعين كان هتلر بطلاً قومياً عند بعض العرب. وبالضبط عند أكثرهم تقصيراً في مكافحة الصهيونية واسرائيل أو، بالأحرى، عند أكثرهم شعوراً بالتقصير. اكتشفوا فيه تعويضاً عن شعورهم هذا فتبنوا فعلته ضد اليهود وتمنوا، فوق ذلك، لو لم يكن مقصراً بعض الشيء فأكمل عمله بالإجهاز الوحشي على "جنس" بكامله.
وتأسيساً على هذا التماهي ضحية تتلبس سلوك جلاد جلادها وتتبناه، جرى تركيب وعي يمتد من بروتوكولات حكماء صهيون الى الدفاع عن يورغ هايدر. فالكتاب الأول دقيق مئة في المئة والزعيم النمسوي حليف محتمل. وبين الكتاب والحليف اعجاب منقطع النظير برهط من ناكري المحرقة، او المشككين بهذا التفصيل او ذاك من تفاصيلها، من فوريسون الى ايرفنغ. ويضيع في هذه المعمعة أن تناقضاً هائلاً يكمن في دمج الاعجاب بما فعله هتلر باليهود والاعجاب بما يقوله المؤرخون التحريفيون في نكران ذلك.
ولا يدري أبطال هذا السلوك كم أن الوعي الصهيوني يسيطر عليهم في معرض محاولتهم السجال معه والرد عليه. يسيطر عليهم بمعنى أنه يخترق نخاعهم ويقدم لهم النظارات التي يقرأون التاريخ بواسطتها. لا تعود الوقائع تهمّهم ولا الحقائق. كل ما يعنيهم أن يقولوا عكس ما يقوله "العدو" من دون قدرة على امتلاك الاستقلال الكافي عنه للنظر الى الأمور بحرية. انه تطبيع بالمقلوب يكاد يوازي ذلك الذي يقدم عليه متبنّو الرواية الصهيونية للصراع مع العرب. ومن نتائج هذا التطبيع المقلوب احداث تشويه فكري يقود، في ما يقود اليه، الى خسارة المواجهة الفعلية مع العدو والركون الى انتصار أعدائه عليه سواء بالإبادة الناقصة أو بنكرانها!
ويتعرض الجمهور العربي، والحال هذه، الى احتقار لا يوصف إذ ينكر عليه الحق في أن تتاح له معرفة تليق به ولا تكون مشروطة ببند وحيد يجعل منها رفضاً طفولياً لما يقوله "الآخر".
حتى قبل أسبوعين، إذاً، كان بعض العرب يردون على المهانات التي تنزلها اسرائيل بالمنطقة وأهلها باعتناق التهمة الصهيونية لكل ما يعادي اسرائيل والتفاخر بهذه التهمة والاكتفاء بها بديلاً من خوض المعركة حيث هي. كانت مصلحة اسرائيل قلب الأدوار فلا يعود العرب ضحية للصهيونية بل مجرد امتداد للنازية. وكان هناك، بين العرب، من يقبل أن يلعب اللعبة.
ثم، فجأة، تغير كل شيء وتحوّل مغرمون، بين العرب، بهتلر الى شاتمين لإسرائيل بحجة أنها دولة نازية.
جرى القفز من الرمضاء الى النار من دون أن تتغير القدرة على التحكم الخارجي بوعينا.
كلا، ليست اسرائيل دولة نازية. انها دولة صهيونية. وهذا ليس بالأمر القليل. وهي لا تملك مشروعاً نازياً السيطرة العسكرية المباشرة على اقليم واسع، امتلاك موقع القوة الأولى، التصفية الجسدية الكاملة لمجموعات بشرية، الخ بل تنفذ مشروعاً صهيونياً يتميز، منذ فكرته الأولى ونشأته وتطوره، بصفتين: محاولة الإبادة السياسية للشعب الفلسطيني أكبر قدر ممكن من التهجير مصحوباً بأكبر قدر ممكن من انكار الحقوق، والتحالف مع قوة أجنبية من خارج المنطقة من أجل تبادل الخدمات معها.
كل ما تقوم به اسرائيل، تقريباً، يندرج في اطار هاتين المهمتين: الحفاظ على الموقع والدفاع عن الدور. ولقد تسبب ذلك بآلام هائلة للشعب الفلسطيني وبأضرار بالغة للشعوب العربية. وإذا كنا نلاحظ، اليوم، تحولاً ما في هذين التوجهين، أو، بالأحرى، في واحد منهما فذلك أمر قابل للتفسير.
التحول المقصود هو استعداد النخبة الإسرائيلية للاعتراف بحقوق وطنية محدودة للشعب الفلسطيني فوق جزء بسيط من أرضه. وإذا كانت الانتفاضة لعبت دوراً في ذلك، وإذا كانت معطيات ما بعد حرب الخليج شجعت على هذه الوجهة، فما لا شك فيه ان التقدم خطوة في هذا المجال نابع من النجاح الإسرائيلي المنقطع النظير في تحقيق الشق الثاني من المشروع العام.
لقد أنجزت الحركة الصهيونية، وبمساعدة عوامل كثيرة أخرى، اخضاع الوضع العربي المحيط بها وجعله دائراً في فلك القوة الأولى الداعمة لإسرائيل أي الولايات المتحدة الأميركية. وبرهنت بذلك عن أنها حليف أول موثوق ونافع، واستحقت بلايين الدولارات الممنوحة لها والتي اعتبرها ارييل شارون، ذات مرة، أفضل استثمار أميركي في الخارج. ولأن هذا ما حصل فإن باب البحث بإعادة الأرض فُتح مصحوباً بشروط تشبه تلك الموضوعة على ممارسة الشعب الفلسطيني لسيادته.
ويمكن الذهاب أبعد في هذا التقدير. لقد حصل انقلاب في وظيفة القضية الفلسطينية. ففي ظل التوازنات الراهنة والسياسات الراهنة لم تعد هذه القضية تلعب دوراً استنهاضياً عاماً حيال اسرائيل والهيمنة الغربية. أي أن فصلاً للمسار الفلسطيني تحقق يتجاوز ذلك المعبر عنه في أوسلو يعود الى ما قبله. فلقد كان واضحاً قبل 1993 أن في الإمكان تأييد المطلب الفلسطيني من دون أن يندرج ذلك في سياق نهج عام معارض للنفوذ الغربي في الشرق الأوسط راجع الموقف التركي مثلاً. وتطور الوضع لاحقاً مع وضع اليد الأميركية - الإسرائيلية الأولى تحديداً على الخيارات الإجمالية للسلطة الوطنية. ومع تحول واشنطن الى القابلة القانونية لنشوء دولة فلسطينية جرى استكمال الانقلاب الوظيفي فأصبح المصير الفلسطيني، في صياغاته الرسمية الحالية، عنصراً من عناصر اسقاط الوضع العربي أكثر فأكثر في قبضة القوى الخارجية.
ان توزيعاً عادلاً للمسؤوليات لا يرمي على القيادة الفلسطينية وحدها تبعة هذا الانقلاب. فالتجويف المديد للوضع العربي، والانكسارات المتتالية، وتراكم الاحباطات، والانتقال من فشل داخلي الى آخر، والتغليب غير العقلاني للنزعات الإقليمية وما دون الوطنية، ان هذه العوامل كلها أوصلت الى المأزق الراهن والى هذا الشكل الذي تتخذه التسوية.
يمكن الحديث، بلا مبالغة، عن الدور الإسرائيلي المباشر في انزال هذه النتائج الكارثية بالعرب.
... ومع ذلك فإن اسرائيل ليست دولة نازية. ولذا فإن الذين أرادوا تحبيب العرب بهتلر، مرة، مطالبون بالكف عن التلاعب بالعواطف ودفعهم الى كرهه من هذا الباب. الأجدى هو أن نحترم الكلمات والمعاني ونراكم معرفة لا تنكر طبعتها الأخيرة ما أوردته السابقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.