الكتاب: الرحلة الحجازية. المؤلف: أوليا جلبي. ترجمة: الدكتور الصفصافي أحمد المرسي. الناشر: دار الآفاق العربية - القاهرة 2000 اشتهر العديد من رحلات الحج المغربية والاندلسية، غير ان المؤرخين والجغرافيين المعاصرين لم يلتفتوا الى رحلات الحج العثمانية على رغم اهميتها ودقتها في وصف منطقة الحجاز من النواحي التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجغرافية. وتعد رحلة اوليا جلبي اهم هذه الرحلات، لكن المتخصصين في اللغة التركية العثمانية احجموا طويلاً عن ترجمتها لروعة اسلوبها الادبي، ما يتطلب مجهوداً شاقاً من المترجم. وتصدى الدكتور الصفصافي المرسي، استاذ اللغات الشرقية، لترجمة هذه الرحلة، فجاءت ترجمته واضحة المعاني رفيعة الاسلوب تعكس شخصية صاحب الرحلة. رحل اوليا جلبي للعمل في العديد من البلاد فزار داغستان وشمال ايران وشرق اوروبا وفيينا والسويد، ورافق قافلة الحج التركي التي كانت تضم حجاجاً من كل دول البلقان واستنبول، ووصف لنا مراسم توديع القافلة وتسليم الجمل الذي يحمل المحمل، وكيف ان السلطان بنفسه وفي معيته الصدر الاعظم وشيخ الاسلام حضروا هذه المراسم. يصف لنا الكاتب رحلته منذ أن قامت من استنبول والى ان انتهى من اداء شعائر الحج. ويقدم لنا شعور المسلم المؤمن في مواجهة الصعاب، وكيف ان القافلة كانت تواجه ما لا يطاق من برد وجوع وعطش، وهي تعبر الصحراء القاحلة. ويقدم أوصاف الحرمين الشريفين وما فيهما من تحف، وعدد المآذن والابواب والاعمدة والشبابيك وأطوال كل منها، وتعريفاً كاملاً بسكان البقيع من اصحاب الرسول. كما يصف لنا وصفاً دقيقاً كل ما كان يصادفه من قلاع وحصون ومساجد وتكايا، ويعرفنا بأقطاب العلم، ويعطي معلومات عن الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والتشكيلات العسكرية والتقسيمات الادارية للشام والحجاز. أتم أوليا جلبي فريضة الحج في موسم سنة 1082 هجرية/ 1671 ميلادية، واستقر رأيه على مرافقة قافلة الحج المصري عند عودتها الى مصر. وحرص على وصف المنشآت الحضارية في مكةالمكرمة، ومنها الحمامات العامة والخاصة، وأجملها الحمام الذي اقامه صوقوللي محمد باشا في الحي الذي يحمل اسمه، وهو مفروش بالكامل بالرخام، وفيه نقوش وزخارف بديعة، وحمام سنان باشا وهو ثماني الاضلاع. وحصر أوليا مئة وخمسة واربعين حماماً في القصور والسرايات الخاصة بالأشراف، ورصد ظاهرة كنس الشوارع الرئيسية بصفة مستمرة في مكةالمكرمة، كما ذكر اسواق مكة ومنها السوق المصرية والسوق الهندية والسوق اليمنية، وأنواع السلع المتوافرة في هذه الاسواق خلال رحلة الحج، ولفت انتباهه منها المجوهرات الثمينة والاحجار الكريمة والسجاد الحريري والاقمشة الفاخرة. وقدم أوليا وصفاً دقيقاً لسور المدينةالمنورة الذي اندثر حالياً، وذكر ان في السور ثمانين مدفعاً وسجناً، ومن ابوابه باب مصر، والذي على جانبيه برجان عظيمان، وعلى بعد ثلاثمئة خطوة منه يقع باب الحاج، أي باب القبلة. وداخل سور المدينة يوجد ألفا منزل، وخانات وجوامع واسبلة وتكايا وكتاتيب ودار للحديث، ودار للقرّاء ويعد مسجد الرسول هو المسجد الجامع للمدينة. ورصد أوليا النمو الحضري للمدينة خارج اسوارها، وعدّه ضاحية للمدينة، علماً انها كانت تضم الفي منزل و46 مدرسة، وست مدارس لقرّاء القرآن الكريم، واحدى عشرة داراً للحديث، وعشرين كُتاباً للاطفال. وفي هذه الضاحية اربعون مضيفة يؤمها عابرو السبيل، اشهرها مضيفة محمد باشا التي كانت لها اوقاف لا حصر لها. هذه الرحلة تعد اضافة جديدة لتاريخ منطقة الحجاز، إذ أن ما ورد فيها عن منشآت خيرية اندثرت يفيد في اعادة رسم الخريطة التاريخية لكل من مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، فضلاً عن الاحداث التاريخية التي انفرد بها أوليا عن غيره من الرحالة والمؤرخين. واضاف الدكتور الصفصافي المرسي تعريفات للمصطلحات التركية التي وردت في سياق متن الرحلة، وتعليقات أغنت المادة التاريخية للرحلة. ولكن تبقى الضرورة ملحة لترجمة باقي رحلات أوليا خصوصاً الى شرق أوروبا ومصر. ومن المعروف أن رحلته الى مصر تعد الى الآن أدق ما كتب في وصف مدن القاهرة والاسكندرية ورشيد، ووصف حال المجتمع المصري إبان العصر العثماني.