ربّ ضارة نافعة. هل هذه هي "حكمة" هيلاري كلينتون هذه الأيام؟ فسنواتها الثماني الصعبة كسيدة أولى، والتي زادتها فضيحة مونيكا لوينسكي صعوبة، جعلتها المؤلّف الذي يمكن ان يتقاضى ثاني أعلى دفعة مقدّمة advance تدفعها دار نشر مقابل كتاب: 8 ملايين دولار. اذ اطلق مشروعها لنشر مذكراتها عن حقبة البيت الابيض التي تنتهي بعد شهر، مزاداً شاركت فيه كبريات الدور: بنغوين بوتنام، فرّار ستراوس إند جيرو، سايمون اند شوستر، وماريماكس توك ميديا بوكس. وفي معلومات صحافية اخرى ان سايمون اند شوستر فازت في الحصول على الكتاب الذي سيظهر في العام 2003. هذه الدفعة المقدّمة تبقى قياسية: فهي اكثر من ال1،7 مليون دولار التي عُرضت، الصيف الماضي، على رئيس شركة "جنرال اليكتريك" جاك ويلش. أما الرئيس السابق رونالد ريغان الذي تلقى في 1989 أكثر من 8 ملايين، فقد تلقاها مقابل كتابين اثنين. ووحده البابا يوحنا بولس الثاني حصل على 5،8 ملايين في 1994. فحين يتصدّر القائمة البابا وهيلاري، الأول ل"سريّة" عالمه الديني والثانية ل"سريّة" عالمها المشوب بالتقوّلات، نكون امام احدى سمات زمننا المعاصر وكيفية صنعه لأيقوناته ونجومه. ذاك ان الاهتمام بما ستقوله السيدة الأميركية الأولى ينبع أساساً من تطرّقها الى محاولة عزل زوجها الرئيس بيل كلينتون بسبب قضية مونيكا. المزاد تولى تنظيمه من طرفها المحامي الواشنطوني روبرت بارنيت الذي لاذ بالصمت وتجنب الصحافة، مثلما فعل الناطق بلسانها هوارد ولفسون. وهذا أيضاً ما لجأ اليه الناطقون بلسان دور النشر الكبرى، فيما كانت هيلاري وزوجها يتنقّلان بين ايرلندا وبريطانيا. ويقع الاتفاق الذي قد يوقّع في اي لحظة، بين محطتين في حياة المثيرة للسجال: كونها السيدة الأولى وصيرورتها عضو مجلس الشيوخ عن نيويورك. إلا ان عائلة كلينتون ستئن في هذا الطور الجديد تحت اعباء مالية ضخمة يُفترض بالدفعة المقدّمة للكتاب ان تتغلّب عليها وهذا ما جعل بعض الساخرين يقول: لقد جعلته رئيساً ثم أنقذته من فضائحه ثم خلّصته من ديونه!. فالأسرة تنوي شراء بيت في واشنطن. وهي أساساً مَدينة تبعاً للدعاوى التي تم توريط الرئيس وزوجته فيها، ولكنْ أيضاً بسبب قرض قيمته 7،1 مليون دولار هو ثمن بيت ابتيع العام الماضي شمال نيويورك، وانتقلت اليه هيلاري في كانون الثاني يناير الماضي. والى ذلك يُتوقع لها ان تنفق بعض ما تتقاضاه عن الكتاب على اعمال خيرية، هي التي انفقت عائدات كتبها الثلاثة السابقة على نشاطات مماثلة. لكن هيلاري، وهي اول سيدة اولى تُنتخب الى منصب رسمي، لن تنجو من المتاعب التي سبق ان تعرضت لكثير منها. فقد سارعت منظمة مدنية تراقب تجاوزات السياسيين وتُعرف ب"مشروع مساءلة اعضاء الكونغرس"، الى دعوتها الى "الامتناع عن قبض اي تقديمات، والاكتفاء بحصتها من مبيعات الكتاب". كذلك اقترح سناتور اريزونا الجمهوري جون ماكّين الذي نافس جورج دبليو بوش على ترشيح الحزب الجمهوري، ان تحقق "لجنة الاخلاق" التابعة لمجلس الشيوخ في المسألة. والحال ان هيلاري لن تكون مشمولة بتقييدات مجلس الشيوخ ولجنته قبل يوم 3 كانون الثاني يناير المقبل، حين تتولى منصبها الجديد. غير ان كارهيها الكثيرين لن يدعوا المناسبة تمر بصمت. فكيف وان هناك سابقةً تخصّ شخصياً أحد أبرز هؤلاء الكارهين: ففي 1995 تعاقد رئيس مجلس النواب نيوت غينغريش مع دار هاربر كولينز على كتاب وتقاضى 5،4 مليون دولار مقدّماً، فدافع الديموقراطيون عن تغيير القانون وتقييد المستفيدين منه. وفعلاً عُدّل النص ولم يعد جائزاً ان يتقاضى اعضاء المجلس "مدفوعات مقدّمة على عائدات بيع نسخهم". هذه ليست حال هيلاري. لكن من الذي يتكفّل بنيوت؟