احتفلت جمهورية كازخستان بمرور 1500 عام على انشاء مدينة تركستان. وبذلت حكومة كازخستان في السنوات الماضية الجهود لاسترجاع تراث الشعب الكازخي واسترداد هويته الاسلامية وأمجاده التاريخية وازالة آثار الحقبة الشيوعية. وفي اطار هذه الجهود أولت قيادة كازخستان اهتمامها بالتعاون مع اليونسكو بذكرى انشاء المدينة التي تقع في جنوب الجمهورية وتعتبر مركزاً روحياً وثقافياً لجميع شعوب منطقة آسيا الوسطى إذ انطلقت منها الدعوة الاسلامية في كازخستان وباقي جمهوريات آسيا الوسطى. تقع المدينة في المحافظة الجنبوية الكازخستانية وتبلغ نسبة المسلمين ما يقارب 90 في المئة من سكان المحافظة بينما تبلغ نسبتهم في الجمهورية 62 في المئة. وكان لطريق الحرير الذي كان يعبر مدينة تركستان أثره على نمو التجارة في المنطقة والدافع لحركة الابداع في مجالي العلم والثقافة. وعاش في هذه الفترة في منطقة فاراب مفكرون مثل الفارابي والجواهري. واشتهر أيضاً عالم اللغة محمود الكاشغري، كما ولد فيها يوسف بلاساغوني الذي يعتبر أحد المحدثين في الفكر السياسي والاجتماعي وعلم الأخلاق. وفي القرن الثاني عشر عاش في تركستان خواجة أحمد اليسوي مؤلف "ديوان الحكمة". تركستان وتاريخها تجمع المعلومات أن مدينة تركستان المعاصرة هي إحدى أقدم المدن في منطقة آسيا الوسطى، وتبدو صورتها في عهدها القديم على الوجه الآتي: في الوسط تحصينات تحمي المنازل محاطة بأسوار تعلوها الأبراج لها كوات متعددة. وهناك أسوار وأعمدة شيدت خصيصاً لحماية الأراضي الزراعية. واستخدم الطوب الخام في التشييد. وعمل سكانها بالزراعة الى جانب حرف يدوية أخرى كصناعة الفخار والجلد والنسيج والأسلحة وصياغة الحلي. وفي القرن الخامس عشر ازدهر الرسم والنقش وكانت جدران المنازل تزين بلوحات فنية تصور المعارك ونمط الحياة والعمل والصيد الخ. بحلول القرن السادس الميلادي تغيرت الخريطة السياسية لآسيا الوسطى حين شنت القبائل التركية الزاحلة في ألتاي المنطقة الجبلية الواقعة في الحدود بين روسيا وكازخستان والصين، غزوات على القبائل التي كانت تقطن المناطق الجنوبيةالشرقية فأقاموا دولة تركية جديدة على السهول الممتدة من البايكال الى نهر الفولغا. واشتغل السكان الأتراك الذين يقطنون المنطقة المحاذية لنهر شين تجون نهر سيرداريا الحالي بتربية الماشية والتجارة والزراعة. وعرفوا الكتابة ولهم حروف أبجدية بلغت 32 حرفاً يكتبون بها رأسياً. بلغت المدينة قمة ازدهارها في القرن الثاني عشر، وعاش فيها الشاعر والداعية الصوفي حاجي أحمد يسوي ردحاً من حياته حتى وفاته في عام 1166 - 1167 ميلادي فأقيمت له مراسم التكريم ودفن في ضريح صغير أصبح في ما بعد مزاراً. ويذكر ان ضريحه أعيد تشييده بعد مرور 200 عام على وفاته بأمر الامبراطور تيمور. تشير المصادر التي تتناول حوادث نهاية القرن الخامس عشر الى أن المدينة كانت قلعة قوية قادرة على تحمل الحصار الطويل بفضل الاستحكامات والخنادق العميقة ووفرة الاحتياط من المواد الغذائية والمياه. وورد كثيراً ذكرها في المصادر التاريخية في سبعينات وثمانينات القرن السادس عشر حينما وقعت المعارك للدفاع عن مدن سيرداريا، وشارك ملوك الكازخ وحكام طشقند وبخارى في تلك المعارك. ولاحقاً أصبحت مركزاً سياسياً ودينياً لجنوب كازخستان واشتهرت بسك العملات الفضية. وفي نهاية القرن السادس عشر بدأت العلاقات السياسية بين الدولة الروسية وممالك الكازخ بسبب حاجتها الى حليف قوي يقف الى جانبها في صراعاتها مع ممالك آسيا الوسطى بينما كانت الدولة الروسية تبحث عن طريق آمنة لتجارتها المتجهة الى دول آسيا الوسطى والمشرق. بما أن أقاليم كازخستان الجنوبية، حتى النصف الأول من القرن التاسع عشر، لم تكن انضمت بعد الى روسيا، حاول زعماء بخارى ومملكة القوقاند الاستيلاء على تلك المناطق، فنشطت تحرشات القوقاند في أقاليم كازخستان الجنوبية ما مكنهم من التوسع على حساب أراضي الكازخ والاستيلاء على مدينة تركستان. وفي ستينات القرن التاسع عشر بدأت روسيا هجومها على مملكة القوقاند وفي 11 تموز يوليو عام 1867 أنشئت مأمورية تركستان العامة وتكونت من مقاطعتي سيرداريا وجيتسو واستتبعت مدينة تركستان الى مقاطعة سيرداريا. وبعد الانضمام الى روسيا أخذت المدينة تنمو مساحة وعدد السكان وتجاوزت لاحقاً حدود التحصينات، وشقت طرق تختلف من حيث التخطيط عن طرق المدينة القديمة. دخلت تركستان مرحلة جديدة من تاريخها فحالها الآن كما هو الحال قبل 1500 سنة. فأسواقها البازار عامرة بالخضار والفواكه ومحالها التجارية تستنشق عبق الماضي. وهناك آلاف الزوار يتوافدون الى تركستان، بعضهم قدم للسياحة والبعض الآخر قصدها ليقرأ في لوح التاريخ مآثر هذه المدينة العتيقة. ان تركستان هي المدينة الأقدم على التراب الكازخستاني، لها هيبتها ومظهرها الخاص الذي يطل علينا من أعماق القرون. وعلى رغم ذلك تبقى تركستان مدينة معاصرة، يلتقي حاضرها بالعراقة. * سفير جمهورية كازخستان، الرياض.