ما لم يشأ الفرنسيون فهمه في ذلك الحين، كان الطابع التحرري والوطني للثورة التي عمت سورية بين 1925 و1927، رغم ان الصحافة التقدمية الفرنسية، وفي طليعتها صحيفة "لومانيته" نشرت مقالات عدة تفسر أسباب الثورة بكل وضوح ومنها مقال كتبه مارسيل كاشان وجاء فيه: "ان الانتفاضة السورية العامة هي نتيجة لمجمل النظام الاستعماري للامبرياليين عندنا. فسورية تريد أن تكون حرة، والريف المغربي يريد أن يكون حراً. وحكامنا يستخدمون القوة لابقائهما تحت نير البنوك. تلك هي فرنسا المسالمة، الديموقراطية، فرنسا بانليفيه، زعيم تحالف اليسار، التي تشن حربين تسفك فيهما دماء الابرياء". تلك الثورة وصلت الى ذروتها، على أي حال، يوم 20 تموز يوليو 1925، حين توجه سلطان باشا الأطرش، زعيم جبل الدروز مع مجموعة من الفرسان الذين كانوا يتضخمون عدداً عند مرورهم في كل قرية حتى الوصول الى عرمان على مقربة من صلخد. وهناك بلغ عددهم 500 فارس، وشعرت السلطات الفرنسية بالخطر، فارسلت طائرتين مقاتلتين جابههما الثوار الدروز بنيران ردتهما على اعقابهما، ثم هبطتا ولجأ طياراهما الى منزل أحد الاقطاعيين. بعد ذلك توجه سلطان باشا الأطرش وقواته الى صلخد لاحتلالها قبل وصول الفرنسيين اليها. وما أن وصلت القوات الدرزية الى صلخد حتى فر منها الموظفون، وتمكن الفرسان من احتلال المدينة فأحرقوا المبنى الحكومي وأتلفوا ملفات الشرطة والمخابرات. وعلى هذا النحو اعتبر احتلال صلخد منعطفاً أساسياً في مسيرة الانتفاضة السورية، اذ على إثر ذلك الانتصار راح الفرسان السوريون يفدون من كافة انحاء المنطقة حيث بلغ عددهم مساء ذلك اليوم أكثر من ألف فارس. وفي صباح اليوم التالي تحرك الثوار نحو قرية الكفر، حيث كانت ترابط قوة فرنسية ضخمة. وهناك حدثت أول معركة حقيقية بين الثوار والفرنسيين. وكانت القوات الفرنسية تتألف من سرية مشاة من الفرقة السورية الخاصة جنود محليين بقيادة فرنسية وفصيلتين من الخيالة الجزائريين حسب ما جاء في تقرير قدمه ساراي، المندوب السامي الفرنسي الى برلمان بلاده بعد شهور. بدأ الثوار بمطالبة القائد المحلي الفرنسي بمغادرة المكان لكنه رفض، فبدأوا الهجوم الذي أسفر عن انتصار كبير للسوريين، وعن مقتل معظم الضباط الفرنسيين. وفي تلك الليلة بالذات انسحبت حامية السويداء كلها من المدينة ولجأ الجنود والموظفون الفرنسيون وأعوانهم الى قلعة المدينة. وخلال الأيام التالية حاصر الدروز وأنصارهم القلعة في الوقت الذين أضحت فيه المنطقة كلها خاضعة لسيطرتهم بعيدة عن السيطرة الفرنسية. وكانت تلك، البداية الحقيقية للثورة السورية، اذ سارع الوطنيون السوريون الى الانضمام اليه، وبدأت صحافة العالم كله تتحدث عنها. وهذا كله حرك الفرنسيين للرد بعد أن كانوا يعتبرون الأمر كله "حادثاً عابراً". ولقد بلغ الرد الفرنسي أقصى درجات عنفه في خريف ذلك العام، حين ضاقت حيلة الفرنسيين أمام ثورة تهدد وجودهم كله في سورية، فراحوا يقصفون دمشق ذلك القصف الوحشي الذي ستسود أخباره فصل الخريف. أما في فصل الصيف فلم يكن ثمة للعالم من حديث غير تلك الانتفاضة التي قادها سلطان باشا الأطرش وجعلت اسم جبل الدروز والسويداء على كل شفة ولسان وحركت العالم كله ضد الوجود الفرنسي في سورية.