الإعلان عن تفعيل الاستثمارات المباشرة وانطلاق العمل الفعلي في صندوق "جَسور" الاستثماري    شركة TCL توحّد على نحو استباقي شركائها العالميين من أجل تحقيق العظمة في مؤتمر الشركاء العالميين لعام 2024    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أصبحت مستهدفات الرؤية واقعًا ملموسًا يراه الجميع في شتى المجالات    تفريخ نعام بعد انقراض 100 عام    رؤية الأجيال    الديوان الملكي: وفاة الأمير منصور بن بدر بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود    "الشؤون الإسلامية" ترصد عددًا من الاختلاسات لكهرباء ومياه بعض المساجد في جدة    وزيرة الدفاع الإسبانية: إسبانيا ستزود أوكرانيا بصواريخ باتريوت    «الدفاع الروسية» تعلن القضاء على ألف وخمسة جنود أوكرانيين في يوم واحد    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الخسارة أمام الشباب    منتخب اليد يتوشح ذهب الألعاب الخليجية    الأهلي المصري يضرب موعدًا مع الترجي التونسي في نهائي دوري أبطال إفريقيا    ريال مدريد يهزم سوسيداد ويقترب من التتويج بالدوري الإسباني    ميشيل: سعيد بمباراتي ال100 مع الهلال    جيسوس يفسر اشارته وسبب رفض استبدال بونو    الأمر بالمعروف في الباحة تفعِّل حملة "اعتناء" في الشوارع والميادين العامة    "السينما الصناعة" والفرص الضائعة    المخرج العراقي خيون: المملكة تعيش زمناً ثقافياً ناهضاً    د. عبدالله العمري يستنطق «ذاكرة النص» وفضاءات نقد النقد    بكين تحذّر من «تدهور» العلاقات مع واشنطن    محمد بن عبدالرحمن: طموحات وعزيمة صادقة    الهلال يتغلب على الفتح بثلاثية في دوري روشن    وزير الثقافة يرفع التهنئة للقيادة بتحقيق رؤية السعودية 2030 عدة مستهدفات قبل أوانها    جازان.. سلة الفواكه    «كبار العلماء» تؤكد ضرورة الإلتزام باستخراج تصاريح الحج    الأخضر الأولمبي يودّع كأس آسيا بخسارته من أوزبكستان بهدفين    توافق مصري - إسرائيلي على هدنة لمدة عام بقطاع غزة    إغلاق جميع فروع منشأة تجارية بالرياض بعد رصد عدة حالات تسمم    النفط يرتفع.. والذهب يتجه لأول خسارة أسبوعية    «مكافحة المخدرات» تقبض على شخصين بالقصيم لترويجهما مادة الإمفيتامين المخدر    "الأرصاد": لا صحة لتعرض المملكة لأمطار غير مسبوقة    ترميم قصر الملك فيصل وتحويله إلى متحف    نائب وزير الداخلية يرأس وفد المملكة المشارك في المؤتمر الأول لمكافحة الاتجار بالمخدرات    10 أحياء تنضمّ للسجل العقاري بالرياض    السعودية تحصد ميداليتين عالميتين في «أولمبياد مندليف للكيمياء 2024»    الأحوال المدنية: منح الجنسية السعودية ل4 أشخاص    «الحج والعمرة»: احذروا شركات الحج الوهمية.. لا أداء للفريضة إلا بتأشيرة حج    الأرصاد: لا صحة عن تأثر السعودية بكميات أمطار مشابهة لما تعرضت له بعض الدول المجاورة    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام و النبوي    الشاب عبدالله بن يحيى يعقوب يعقد قرآنه وسط محبيه    خادم الحرمين يوافق على ترميم قصر الملك فيصل وتحويله ل"متحف الفيصل"    أعمال نظافة وتجفيف صحن المطاف حفاظًا على سلامة ضيوف الرحمن    "واتساب" يتيح مفاتيح المرور ب "آيفون"    "المُحليات" تدمِّر "الأمعاء"    مقامة مؤجلة    هوس «الترند واللايك» !    صعود الدرج.. التدريب الأشمل للجسم    تقنية مبتكرة لعلاج العظام المكسورة بسرعة    التنفس بالفكس    افتتاح المعرض التشكيلي "الرحلة 2" في تناغم الفن بجدة    هيئة السوق المالية تصدر النشرة الإحصائية للربع الرابع 2023م.    مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الامير خالد الفيصل يهنئ القيادة نظير ماتحقق من مستهدفات رؤية 2030    الصحة: رصد 15 حالة تسمم غذائي في الرياض    تفكيك السياسة الغربية    خلط الأوراق.. و«الشرق الأوسط الجديد»    مقال «مقري عليه» !    تشجيع الصين لتكون الراعي لمفاوضات العرب وإسرائيل    التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن وكالة الأونروا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصور مستمر في مراجعة الفكر القومي العربي لأصوله الاوروبية وتجاربه الاولى
نشر في الحياة يوم 18 - 08 - 1999

نشأ الفكر القومي العربي ضمن ظروف تاريخية معينة، واعتمد عناصر معينة في نهاية القرن التاسع عشر، ثم مرت الامة باحداث ومتغيرات كثيرة، لكن المتابع لشؤون الفكر القومي يجد قصورا كبيرا في مراجعته لأصوله التي قام عليها وعناصره التي اعتمدها، ويمكن ان نوضح ذلك من خلال تطور "حركة القوميين العرب".
بلور ساطع الحصري نظريته في القومية بعد الحرب العالمية الاولى، فمال الى النظرية الالمانية التي تمجد اللغة وتعتبرها عنصراً رئيسياً في تكوين الامم، واعتبر الحصري ان القومية العربية تقوم على ركنين هما: اللغة والتاريخ، فاللغة روح القومية، والتاريخ ذاكرتها، وفند النظريات الاخرى كنظرية المشيئة الفرنسية في اكثر من مكان من كتبه، كما همش العناصر الاخرى للقومية كالعنصر الاقتصادي، والاتصال الجغرافي، وعنصر المصلحة المشتركة الخ...، ولم يعتبر الدين بحال من الاحوال عنصراً بانياً للقومية، بل كان علماني التوجه في مراحل حديثه عن القومية.
وأثرت آراء ساطع الحصري القومية في معظم التيارات والاحزاب والشخصيات الفكرية بسبب غزارة انتاجه من جهة، وتبوئه مراكز ادارية وتربوبة عالية في كل من العراق وسورية والجامعة العربية من جهة ثانية، ومن ابرز الامثلة التي تؤكد تأثيره القوي في الساحة العربية اخذ حركة القوميين العرب بنظريته في القومية العربية واعتبارها اللغة والتاريخ العنصرين الرئيسيين في تكوين القومية.
وأعطى النشوء المتأخر نسبياً لحركة القوميين العرب والذي جاء بعد نكبة فلسطين عام 1948 فرصة لها لاعادة النظر والمراجعة والتقويم والنقد لما طرحه المفكر القومي ساطع الحصري في ضوء التجربة التاريخية ما بين الحربين العالميتين، لكنها لم تفعل ذلك، واستكملت ما ينقصها في معالجة الواقع باعتماد افكار شخصيتين اخريين في المجال القومي هما قسطنطين زريق وعلي ناصر الدين اللذان ليسا بعيدين في تفكيرهما عن ساطع الحصري كما أوضحت الكاتبة سهير سلطي التل في كتابها "حركة القوميين العرب وانعطافاتها الفكرية"، فقد اخذت من الاول مفهوم النخبة والتنظيم والحركة في جانبها الخارجي، واخذت الحركة من الثاني مفهوم الثأر من اسرائيل ومفهوم التاريخ كسلسلة متصلة الحركات وحدود الدولة القومية.
ومرت حركة القوميين العرب، بالاضافة الى مرحلة النشوء والتكوين، بمرحلتين اخريين هما: المرحلة القومية الاشتراكية، ومرحلة التحول الماركسي. وجاءت المرحلة القومية الاشتراكية انعكاساً للمد الناصري القومي، فقد ظهرت في هذه المرحلة المقولات الاشتراكية وابرزها نظرية العمل الثوري التي تستمد منهجيتها من الفكر ومادتها من الواقع. ونقطة انطلاق نظرية العمل الثوري العربي هي الايمان بالشعب قوة للثورة وقاعدة لصنع النهضة، وقد رأت الحركة ايضاً تأثراً بالمقولات الاشتراكية ان اداة العمل الثوري حركة شعبية واسعة تضم التنظيمات والمؤسسات الحزبية والعقائدية والتنظيمات الشعبية كافة في اطار الخط الاشتراكي، وتعمل من خلال لقاءاتها المستمرة على بلورة الاداة التنظيمية للنضال العربي على افضل الأسس واكثرها رسوخاً.
وفي هذه المرحلة تابعت الحركة استلهام الاعلام الثلاثة: ساطع الحصري وقسطنطين زريق وعلي ناصر الدين على صعيد المفاهيم القومية الشائعة. وجاءت مرحلة التحول الماركسية في حركة القوميين العرب صدى لنكسة حزيران يونيو 1967 .
اعادت الحركة صياغة شعاراتها متأثرة بالماركسية فاستعاضت عن مفهوم الحرية بشعار مفهوم التحرير الذي يعني التحرير من الاقطاع وعلاقاته المتخلفة، والاستعمار وسيطرته، ومن الطبقات والفئات والمراتب الاجتماعية وقواها السياسية الرجعية. واستعاضت عن مفهوم "الثأر" و "العنف المنظم" بتعبيرات مثل: الكفاح المسلح، حرب التحرير الشعبية، الحرب الطويلة المدى، حرب العصابات الخ...، وحللت الحركة الاستعمار تحليلاً طبقياً اقتصادياً، فربطته بالامبريالية "اعلى مراحل الاستعمار" وفسرت الحركة الديموقراطية بلغة الماركسية اللينينية فاعتبرتها ديكتاتورية العمال والفلاحين التي تحجب الحرية عن الطبقات المستغلة، وقد ربطت الحركة الديموقراطية بمفهوم الاشتراكية، اذ تعني الاشتراكية الغاء الطبقات واقامة مجتمع لا طبقي وفرض سيادة الطبقة العاملة على المجتمع. اما مفهوم الوحدة فانتقل ليحتل المرتبة الاخيرة في شعارات الحركة بعد ان كان يحتل المرتبة الاولى. والوحدة تحولت في هذه المرحلة من الوحدة المطلقة بأبعادها المثالية الى وحدة ذات اساس موضوعي مادي، هو وحدة الطبقة العاملة واداتها: الوحدة الاقتصادية القادرة على الغاء الدور الاستعماري.
مرت حركة القوميين كما رأينا بثلاث مراحل: القومية، القومية الاشتراكية، الماركسية، وطرحت في المرحلتين الثانية والثالثة مقولات جديدة استمدتها من الفكر الاشتراكي والماركسي، وانتقلت الى الفكر الاشتراكي الماركسي من دون ان تراجع الفكر القومي الذي نشأت عليه، وتجاوزته باتهامات عامة، مع انه كان الاولى ان تقوم بمراجعته، ودراسة عناصره التي قام عليها، وفرز الصحيح والمناسب من غير الصحيح وغيرالمناسب. وتعديل عناصره التي قام عليها ان كانت هناك حاجة لهذا التعديل، وتقويم مدى مناسبته لظروف المنطقة آنذاك، وتمحيص الموقف من التراث والدين ودراسة مدى صوابيته، والبحث في امكانية تغييره في ضوء الحاجة الى هذا التغيير الخ...
لم تقم الحركة بكل هذه المراجعة او ببعضها على الاقل مما فوت الفرصة عليها لاغناء الفكر القومي ووضعه في مساره الصحيح من جهة، ووضع المنطقة على طريق النهضة من جهة ثانية، لأنه ما كان لها ان تنهض من دون القيام بمراجعة اصول الفكر القومي العربي وعناصره التي قام عليها، وتعديلها بما يتفق مع تراث المنطقة وحضارتها، وخصوصاً ان هذا الفكر كان في موضع القيادة مع حدوث الزلزالين اللذين هزا الامة وهما: قيام دولة اسرائيل عام 1948، وحدوث النكسة عام 1967.
* كاتب فلسطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.