انترنت التي بدأت تغير نمط حياتنا واساليبها، تستقطب اليوم خمسين مليون مشترك في العالم. رقم خيالي اذا ما قيس بالمدة التي استغرقها تعميم جهاز التلفزيون في العالم والوصول الى الرقم نفسه. فالشاشة الصغيرة انتظرت ثلاثة عشر عاما لتحقق ما حققته شبكة الاتصال في غضون خمس سنوات. كذلك فحجم الاتصالات على انترنت سيتضاعف كل مئة يوم. فاذا كانت الفكرة السائدة أن غالبية المشتركين تبحث عن المراكز الاباحية، فالاحصاءات الاخيرة تشير كلها الى ان الامور اعقد من ذلك. صحيح ان الجنس ومراكزه ما زالت في المراتب الاولى لقائمة المواقع، لكن عادات اخرى اخذت تفرض نفسها على مجتمعاتنا بسبب انترنت: شراء اية سلعة اسطوانة، كومباكت، كتاب، ثياب... غدا راهناً من البديهيات، الشيء الذي لم يستغرق الا سنتين، خاصة وان كلفة السلعة اقل بحوالي 30 في المئة مما يباع في المحلات التجارية. وانترنت غزت ايضا سوق الاعلانات المبوبة، والعلاقة بالمصارف وشركات السفر، والمتوقع ان تغدو المكالمات الهاتفية عبر الشبكة مجانية في غضون العشرين سنة المقبلة! ولانترنت اليوم علاقة وثيقة بالنمو الاقتصادي، او ان هذا على الاقل ما تظهره اوضاع الاقتصاد الاميركي الذي يدين لانترنت بالنتائج التي احرزها: ثماني سنوات متتالية من النمو المتواصل دونما بطالة تُذكر او تضخم يُذكر. هذه المعطيات على اختلافها اخرجت شبكة الاتصال من الصورة التي التصقت بها، مانعةً دولا عدة من اللجوء اليها. فانترنت ليست شبكة دعارة او تحريض سياسي، غير ان استطلاع صحف العالم يرينا اليوم ان المفردات الجديدة التي بدأت تُلصق بالشبكة هي "الغش" و"الفيروس". فكيف يمكن تفسير مجانية انترنت عندما نرى ان كبريات الشركات العالمية توظف فيها ملايين الدولارات؟ ما هي الاساليب المتبعة التي تسمح لهذه الشركات بجني ارباح او على الاقل، بالحد من الخسارة؟ وما الغاية من ذلك؟ الغريب ان "مجانية" الاشتراك التي توفرها بعض الشركات الكبرى لم تعد تلقائيا تغري المستهلك. ف"ورلد نيت" الاميركية، على سبيل المثال، لم يزدد عدد مشتركيها بعدما امست مجانية. وفي المانيا، لم تحقق الشركات المجانية، في عدد المشتركين، سوى خُمس ما كانت جذبته شركة هاتف المانية. اما الفيروسات، فهي اليوم تظهر بشكل منتظم على الشبكة، وكأن معركة مكافحتها غدت ابدية. فالفيروس اصبح الآن شديد الذكاء يدخل على الكومبيوتر عبر البريد الالكتروني في صورة رسالة ودية. فاذا ما تم فتحها افسد الفيروس المحمول كل المعطيات التي على الكومبيوتر. ففي خلال الاشهر الثلاثة الاخيرة فقط، حولت ثلاثة فيروسات حياة مستخدمي انترنت في العالم الى جحيم: "مليسا" و"تشيرنوبيل" و"ورمز ايكسبلور زيب" افسدت ملايين المعلومات المخزّنة، ووصلت تكاليف مكافحتها لدى الشركات الكبرى المصابة بها الى حوالي 8 بلايين دولار. وهذا فضلا عن الوقت الذي اضاعته الشركات في حربها الجديدة. ورقعة اذى الفيروسات ستتسع، كما تشير الدراسات كلها. فمليسا وعن طريق البريد الالكتروني اصابت، خلال 24 ساعة فقط من احد ايام الربيع الماضي، 300 شركة ومؤسسة واكثر من 100 الف كمبيوتر في العالم. والقصة طريفة وبسيطة: رسالة يحملها البريد المذكور عنوانها "خبر مهم"، وفي داخلها عناوين عدد من المراكز الاباحية، وذلك لاغراء مستخدم انترنت الذي ما ان يفتح هذا "الخبر المهم" حتى يرى ان كل ما خزّنه على الكومبيوتر قد تلاشى. مليسا هذه حملت ال أف. بي. أي والبنتاغون على التنسيق لمكافحتها بصفتها من مسائل الأمن القومي. ذلك ان الشركات التي صعقتها الفيروسات لم تكن اقل من بوينغ ومايكروسوفت وانتل. وما هو ابعد من هذا انها طالت بعض الوزارات الاميركية الاساسية جداً كوزارتي الخزانة والدفاع! وجديد الفيروس انه بدأ لعبة في ايدي بعض المتفوقين في مجال المعلوماتية عام 1987. وكان اول فيروس قد حمل اسم "براين" ونتج عن عمل شابين باكستانيين يدرسان في احدى الجامعات الاميركية. اما مليسا فنجمت عن عمل شاب دون الثلاثين اراد ان يخلق فيروساً ليعطيه اسم حبيبته، عربون حب ووفاء! بيد ان مرحلة اللهو والهواة شبه الرومنطيقية اخذت تنتهي. "المخرّبون" الجدد هم اليوم اشد احترافا ولهم غايات سياسية واقتصادية صريحة، واحيانا تشبه اعمالهم نشاطات الارهاب، على ما دل التهديد الذي تلقته شركة "ياهو" ومفاده مطالبتها باسقاط شكواها ضد احد القراصنة والا تفشى فيروس جديد في معظم برامجها. من يقف وراء هذا الداء الفتاك؟ التحقيقات الدولية شرعت تتهم الشركات التي تصنع... البرامج الواقية من الفيروس! انها اتهامات دون براهين قاطعة، الا انها، في الاخير، تبدو اتهامات منطقية. فتلك الشركات ذات مصلحة واضحة في تزايد الفيروسات وانتشارها، وهناك شركة اميركية - اسرائيلية هي "فيكتور شارلي" ضُبطت وهي تصنع الفيروسات بغاية تسويق الدواء المضاد لها. صحف العالم اخذت اليوم تذكر فيروسات انترنت في مجال التجسس الاقتصادي. ففي فرنسا استطاع احد المستخدمين تحويل الملايين من الدولارات من خزنة الوزارة الى حسابه الخاص. والشيء نفسه في مجال التجسس الحربي، حيث عُلم اخيراً انه في 1997 تم ادخال فيروس على كمبيوترات اجهزة الاستخبارات النمسوية، والغرض: محو عدد من المعلومات المتوافرة حول منطقة... الشرق الاوسط.