مصر: الفنانة السورية نسرين طافش تستأنف على الحكم بحبسها 3 سنوات.. الأربعاء    إغلاق مؤشرات أسواق الأسهم الأمريكية مرتفعة    انخفاض أسعار النفط في أكبر خسارة أسبوعية في ثلاثة أشهر    الجنيه الإسترليني يرتفع مقابل الدولار الأمريكي وينخفض مقابل اليورو الأوروبي    بيان «الصحة» عكس الشفافية الكبيرة التي تتمتع بها الأجهزة الحكومية في المملكة    "الترفيه" تنظم عروض "سماكداون" و "ملك وملكة الحلبة" في جدة الشهر الجاري    محمية عروق بني معارض.. لوحات طبيعية بألوان الحياة الفطرية    اليوم المُنتظر    «النصر والهلال» النهائي الفاخر..    بأمر الملك.. إلغاء لقب «معالي» عن «الخونة» و«الفاسدين»    «الأونروا»: الصراع في غزة مستمر ك"حرب على النساء"    عقد المؤتمر الصحفي لبطولة "سماش السعودية 2024" في جدة    جريمة مروّعة بصعيد مصر.. والسبب «الشبو»    أمانة الطائف تنفذ 136 مبادرة اجتماعية بمشاركة 4951 متطوعًا ومتطوعة    أبها يتغلب على الاتحاد بثلاثية في دوري روشن وينعش آماله في البقاء    المملكة وأذربيجان.. تعاون مشترك لاستدامة أسواق البترول ومعالجة التغير المناخي    رئيس مجلس القيادة الرئاسي يوجه بسرعة العمل على فتح الطرقات وتقديم المساعدة    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الخسارة أمام أبها    إدانة المنشأة الغذائية عن حادثة التسمم الغذائي وإغلاق فروعها بالرياض والخرج    ميتروفيتش: لم نحسم لقب الدوري حتى الآن    نمو الغطاء النباتي 8.5% بمحمية "الإمام تركي"    توسيع نطاق الاستثناء الخاص بالتصرف العقاري    مدير «الصحة العالمية»: الهجوم الإسرائيلي على رفح قد يؤدي إلى «حمام دم»    "درع الوقاية 4".. مناورات سعودية – أمريكية بالظهران    غداً.. منع دخول المقيمين لمكة دون تصريح    تركي الفيصل يرعى حفل جائزة عبد الله بن إدريس الثقافية    31 مايو نهاية المهلة المجانية لترقيم الإبل    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على التعاون    «الدفاع المدني» محذراً: التزموا البقاء في أماكن آمنة وابتعدوا عن تجمُّعات السيول    الشرطة تفرق اعتصاما مؤيدا للفلسطينيين في معهد الدراسات السياسية بباريس    الفوزان: : الحوار الزوجي يعزز التواصل الإيجابي والتقارب الأسري    جامعة الإمام عبدالرحمن تستضيف المؤتمر الوطني لكليات الحاسب بالجامعات السعودية.. الأربعاء    رئاسة وزراء ماليزيا ورابطة العالم الإسلامي تنظِّمان مؤتمرًا دوليًّا للقادة الدينيين.. الثلاثاء    الجمعية السعودية للإعاقة السمعية تنظم "أسبوع الأصم العربي"    الصحة العالمية: الربو يتسبب في وفاة 455 ألف إنسان    سحب لقب "معالي" من "الخونة" و"الفاسدين"    إشعار المراسم الملكية بحالات سحب الأوسمة    تحويل حليب الإبل إلى لبن وإنتاج زبد يستوقف زوار مهرجان الألبان والأغذية بالخرج    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    قصة القضاء والقدر    كيفية «حلب» الحبيب !    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    ما أصبر هؤلاء    هكذا تكون التربية    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زلزال عن مصر في زمن زلازلها السياسية
نشر في الحياة يوم 13 - 06 - 1999


فؤاد مطر تقديم عبدالمجيد فريد.
زلازل مصر السياسية.
المؤسسة العربية للدراسات والنشر - دار الناشر العربي الدولي.
1999.
352 صفحة.
مرة أخرى، ونأمل ألا تكون الأخيرة، يعود فؤاد مطر صاحب القلم الرشيق والعبارة الدقيقة النافذة للكتابة عن مصر في أحدث إصداراته "زلازل مصر السياسية". وعندما يكتب فؤاد مطر عن مصر، فعلى القارئ أن يكون في تمام اليقظة والتدقيق، لأن وراء كل سطر معنى، ووراء كل كلمة هدفاً. هكذا عودتنا التجربة معه، وهكذا كانت رحلتنا في بلاط "صاحبة الجلالة" التي كان لي حظ مرافقته لها على امتداد أكثر من ثلاثين عاماً.
هو كاتب مرموق، وصحافي مدقق، في جريدة "النهار" يهتم أكثر ما يهتم بمصر وبشؤونها وبخبايا سياساتها عبر الفترة الناصرية أيام المعارك القومية الكبرى التي خاضها عبدالناصر حتى حانت ساعة الرحيل في الثامن والعشرين من أيلول سبتمبر 1970. وأيام الفترة الساداتية التي شهدت إنقلاباً هائلاً في المفاهيم والسياسات وصدمات كهربائية صاعقة لعل أبرزها كانت زيارته الشهيرة لإسرائيل.
وأنا صحافي، أو "جورنالجي" على حد تعبير استاذنا محمد حسنين هيكل، أعمل في "الأهرام" ونُقلت فجأة وبلا سابق إنذار من محرر للشؤون الداخلية يكتب عن قضايا التعليم والجامعات والاتحاد الاشتراكي والتنظيمات السياسية إلى محرر للشؤون العربية والتخصص الدقيق في القضية الفلسطينية منذ أن بزغ نجم حركة المقاومة الفلسطينية وانتزعت منظمة "فتح" مقاليد القيادة في منظمة التحرير الفلسطينية وأصبح ياسر عرفات "أبو عمار" الناطق الرسمي باسم الثورة والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية. وأصبحت منذ هذا التاريخ البعيد المراسل المتجول لپ"الأهرام" في "دول المواجهة": الأردن وسورية ولبنان والعراق.
وللرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كلمة دائماً ما يرددها ويعرفها عنه الجميع: "أنا مصري الهوى". بل إن من يعرف أبو عمار عن قرب يلاحظ أن الرجل في جلساته تختلط لهجته الفلسطينية بالعامية المصرية التي نشأ عليها. بل إنه في حالات نرفزته مع رفاقه في "فتح" كثيراً ما يترك اللهجة الفلسطينية ليتحدث عفوياً بالعامية المصرية. فهو بالفعل مصري الهوى.
وأحسب أن الصديق والزميل فؤاد مطر مصري الهوى. فهو بحق عاشق لمصر ولنيلها ولأبنائها ومؤمن الى حد اليقين بدور مصر في عالمها العربي الكبير. وكثيراً ما سبّب فؤاد مطر لنفسه ولزملائه ولأصدقائه الكثير من المشاكل نتيجة حبه لمصر ونتيجة لمحاولاته الدؤوبة معرفة كل شيء يجري في مصر سواء أيام الفترة الناصرية أو أيام السادات.
عندما بدأت أطالع كتاب فؤاد مطر "زلازل مصر السياسية"، وعلى صدر الكتاب صورة عبدالناصر والسادات أحسست على الفور أن فؤاد مطر يعيدني وبقوة إلى ذكرى أيام مرت ومضى عليها ما يقرب من ثلاثين عاماً. وعلى الفور وقبل أن أشرع في الكتابة وجدت نفسي في سيارتي مخترقاً شارع رمسيس في طريقي الى منشية البكري ووجدتني أمام ضريح جمال عبدالناصر أقرأ على روحه الطاهرة الفاتحة. وبعدها كنت أمام منزل القائد الخالد ثم انحرفت بسيارتي الى بيت الشهيد صلاح خلف أحد أبرز قادة فتح، وبيته كان على مقربة خطوات من بيت عبدالناصر وقرأت الفاتحة وعدت ثانية لمكتبي في "الحياة" لأشرع في قراءة الزلزال الأول.
فؤاد مطر، في حديثه عن وقائع الزلزال الأول - ويرى من وجهة نظره - أن مقومات هذا الزلزال تتمثل بقبول عبدالناصر مبادرة وزير الخارجية الاميركي وليام روجرز وبالصراع الدامي الشرس بين الجيش العربي الأردني والمقاومة الفلسطينية.
يذكر ضمن أوراقه الكثيرة التي يكتبها بداية من ص 59 الظروف التي دعت فيها عبدالناصر لقبول المبادرة خلال جلسة مسائية للمؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي مساء الخميس 23 تموز يوليو 1970، أن عبدالناصر أحدث صدمة في نفوس سامعيه عندما أعلن قبول مصر بالمقترحات الاميركية التي عرضها وليام روجرز. ويمضي محللاً - من وجهة نظره - إن هذه الخطوة كانت على طريق الصراع العربي- الإسرائيلي بأهمية خطوات كثيرة حدثت بعد ذلك ومنها اتفاقية كامب ديفيد ومؤتمر مدريد واتفاقية اوسلو.
ومع تحفظنا الشديد تجاه هذا التحليل الذي يساوي بين قبول عبدالناصر مبادرة روجرز والتي تنص على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة وزلزال كامب ديفيد الذي أحدث صدعا في الموقف العربي لا زلنا نعاني آثاره حتى الآن، فإننا نرى أن المقارنة هنا ظالمة للغاية لكلا الزعيمين عبدالناصر والسادات!!
وعلى ذكر المبادرة والصراع الدامي بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية أذكر انني كنت مع فؤاد مطر في فندق شبرد نتحدث عن أجواء قبول مصر لمبادرة روجرز. وبعد أن أفاض الزميل في الحديث عن المبادرة وقبول عبدالناصر لها سألني عن أجواء الاردن وأزماته مع المقاومة. قلت له: "كادت أن تشتعل" لولا تدخل عبدالناصر شخصياً. فسألني باهتمام ماذا حدث.. احكِ لي من الاول.
قلت له: كنت في فندق الاردن انتركونتننتال حين دق جرس الهاتف وكان المتحدث ابو عاصم وسألني ماذا تفعل. قلت أكتب رسالتي للأهرام. قال سأرسل لك سيارة للحضور الى مكتبي فعمان على ابواب أزمة متفجرة.
وبالفعل ذهبت الى ابو عاصم- الاسم الكودي للسيد محمد نجيب جويفل الوزير المصري المفوض ومسؤول الامن المصري في المنطقة.
قال لي اجلس هنا مع الاخ محمد عبدالسلام المحجوب - محافظ الاسكندرية الآن - وأحد كبار رجال الامن المصريين - فبعد دقائق سيحضر اللواء محمد رسول كيلاني رئيس المخابرات الاردنية. وحضر ابو رسول - كما يسميه الاخوة الفلسطينيون - واتضحت الحكاية. المقاومة الفلسطينية سرقت سيارته والرجل يستنجد بمصر لأن الحكاية اذا عُرفت فإن الملك حسين سيعلقه من رقبته وتشتعل الازمة مع المقاومة. وبعد اتصالات عاجلة مع القاهرة أجرى ابو عاصم اتصالا عبر الجهاز مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. قال له بضع كلمات: يا ابو عمار... سيارة محمد رسول كيلاني سرقت وعليك مسؤولية إعادتها فوراً. والرئيس عبدالناصر يطلب منك شخصياً سرعة التحرك لدى المنظمات لإعادة السيارة المسروقة للرجل قبل أن تفتضح الحكاية. وللحقيقة كانت "فتح" بعيدة تماماً عن عملية سرقة سيارة رئيس المخابرات الاردنية. وبالفعل لم تكد تمضي ساعة حتى كانت سيارة ابو رسول أمام مكتب ابو عاصم الدي تولى إعادتها الى الرجل ومرت الأزمة بسلام. بعد يومين كانت القصة منشورة بالكامل في النهار ليستدعيني الاستاذ هيكل ويسألني: متى رأيت فؤاد مطر. قلت: إنني أراه كل يوم. قال لي اقرأ النهار وستعرف أنت سبب سؤالي. فقط أقول لك فؤاد موجود في القاهرة فكيف ينشر قصة طرفها الرئيس عبدالناصر وجهاز السفارة المصرية في الاردن. ولم أعلق!!.
أقول بحثت في الزلزال الاول عن هذه القصة التي كتبها الزميل فؤاد مطر في صحيفة النهار فلم أجدها. ويبدو أنه آثر أن يتركها لأنه رجع الى مفكراته الخاصة - وما اكثرها - ولم يرجع الى أعداد النهار.
وثمة رواية أخرى كنت مع الزميل فؤاد مطر شاهداً عليها. وأعني بها التفاصيل الكاملة لأحداث ايلول الاسود 1970 وقصة تهريب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من مخيم الوحدات في عمان ولجوئه للسفارة المصرية ثم ركوبه الطائرة الخاصة مع الرئيس السوداني الاسبق جعفر نميري وحضوره الى القاهرة ليحضر آخر عمل عربي يقوم به الزعيم جمال عبدالناصر قبيل لحظات رحيله يوم 28 من ايلول سبتمبر 1970. في صفحة 84 وتحت عنوان "خطوات ما قبل الانفجار الاردني - الفلسطيني" كتب فؤاد مطر يقول إن الملك حسين قام يوم 20 آب اغسطس بزيارة للقاهرة عقد خلالها على مدى يومين ثلاث جلسات من المحادثات مع الرئيس عبدالناصر.
وفي ملاحظة ذكية يقول إن الملك حسين وصل مرتدياً البزة العسكرية فافترضنا انه في مهمة للتنسيق العسكري لكن احد اعضاء الوفد المرافق للملك ابلغني ان للزيارة علاقة بأحوال الجبهة الشرقية التي تبعثرت وبانزعاج الملك من تحركات فلسطينية وانه حمل الى الرئيس أشرطة عليها تسجيلات لمداولات بعض قادة المقاومة تتسم لهجتها بالتهديد وتستهدف عبدالناصر وبعض الشخصيات والمؤسسات المصرية في الخارج. وبمجرد عودة الملك حسين الى عمان توجه ياسر عرفات يرافقه ابو اياد وفاروق قدومي الى مصر واصطحبهم وزير الاعلام محمد حسنين هيكل الى الاسكندرية للاجتماع والرئيس عبدالناصر.
وتمضي رواية الزميل فؤاد مطر قائلة: "كما ان الملك حسين شكا من التحركات الفلسطينية فإن القادة الفلسطينيين الثلاثة وضعوا امام عبدالناصر ما تيسر من الوثائق التي تدين الحكم الاردني. وقالوا للرئيس ما معناه إن الملك حسين سينتهز فرصة علاقتنا المتوترة معكم لكي يضرب المقاومة الفلسطينية شر ضربة وسيوظف الملك علاقته الطيبة بمصر لتغطية ضرب حركة المقاومة.
ثم تداعت الاحداث.. فالملك حسين وجه يوم السبت 29 آب اغسطس خطاباً من اذاعة وتلفزيون عمان استغرق 35 دقيقة شرح فيه اسباب قبوله للمبادرة الاميركية وقال: "إننا نعمل والشقيقة الكبرى الجمهورية العربية المتحدة يداً بيد.. نقبل ما نقبله معاً ونرفض ما نرفضه معاً". وحذر المقاومة الفلسطينية "من اي محاولة تهدف الى تحطيم الوحدة الوطنية وضرب أسس كياننا".
وبعد 24 ساعة من التحذير الاردني بدأت وكالات الانباء تبث من عمان الاخبار الخطيرة. فقد أُغلق مطار عمان يوم الاحد 30 آب اغسطس وقطعت الاتصالات مع بيروت ودمشق واعلنت حركة "فتح" عن هجوم شامل بالدبابات والمدفعية والرشاشات على مراكز المقاومة.
وفي موضع آخر ص 100 يقول فؤاد مطر: انه يوم الثلثاء 22 أيلول سبتمبر 1970 اعلن ياسر عرفات في مؤتمر صحافي عقده في عمان ان عدد الذين قتلوا منذ بدء القتال بلغ ثمانية آلاف أما الجرحى فانهم بعشرات الآلاف، ووقتها اعلنت القاهرة ان مصر لن تسمح تحت أي ظرف من الظروف بتصفية المقاومة الفلسطينية.
ما لم يذكره فؤاد مطر في كتابه ولا اعتقد ان الذاكرة لم تسعفه - لأنه صحافي مدقق ومتمرس - ونابه أزرق - على حد تعبير صحافي مصري كبير لي - لأنه لا يعتمد على الذاكرة التي كثيراً ما تتعرض للنسيان، بل إنه بالدرجة الاولى يعتمد على مجموعة هائلة "ولا مبالغة" من المفكرات التي يحتفظ بها وتملأ حقائب عدة تروي بالساعة والتاريخ الاحداث.
أقول إنني بعد ان انتقل عبدالناصر الى رحاب الله في 28 ايلول سبتمبر 1970 بعام تقريبا وخلال فترة حكم السادات رافقت الصديق فؤاد مطر الى مقابلة صحافية مهمة مع الفريق محمد احمد صادق رئيس اركان القوات المصرية المسلحة. وللتذكرة فإن الفريق صادق قد لعب الدور الرئيسي مع الرئيس السوداني الاسبق جعفر محمد نميري لإخراج ياسر عرفات سالماً من الاردن والبعث به على الفور الى القاهرة.
وقتها وفي منزله في الزمالك حكى لنا الفريق صادق المهمة الصعبة والدقيقة أقول - ومن الذاكرة - إن الفريق صادق حكى لنا رواية تصلح ان تكون سيناريو لفيلم بالغ الاثارة عنوانه: "إنقاذ حياة زعيم من الذبح".
بسطور قليلة: وصلت الى عمان مع الرئيس نميري بتعليمات محددة من الرئيس عبدالناصر. أريدك وبأي ثمن إحضار وتهريب ياسر عرفات من عمان بعيداً عن اعين الملك حسين والجيش والمخابرات الاردنية. إنه الآن قابع في احدى البنايات الفلسطينية في الاردن.
وصلنا الى عمان وكلفت ضابط الاتصال المصري بالسفارة الرائد سامي - اسمه الكودي - واسمه الحقيقي المقدم ابراهيم الدخاخني مهمة البحث والإحضار. وبالفعل وصل عرفات الى السفارة المصرية تحت جنح الظلام. ارتدى عباءة الشيخ سعد العبدالله وخرج معنا في موكب نميري المغادر عمان الى القاهرة. عندما وصلنا للقاهرة ابلغت سامي شرف الرسالة: "المطلوب وصل سالماً الى مصر". قال لي: أسمعُ صوته. تحدث ابو عمار مع سامي شرف الذي تولى ابلاغ الرئيس عبدالناصر بالتفاصيل. انتقل ابو عمار الى فندق هيلتون النيل. والاذاعة المصرية قطعت ارسالها واذاعت نجاة ياسر عرفات ووصوله الى مصر سالما.
بعدها بساعة واحدة اعلنت الاذاعة الاردنية في عمان ان الملك حسين في طريقه الى القاهرة لحضور القمة العربية.
اذا اردت أن تعرف حقيقة ما يجري في دهاليز الحياة السياسية في مصر طوال فترة الستينات والسبعينات فليس امامك الا صحيفة "النهار" اللبنانية وقراءة الرسائل التي يبعث بها من القاهرة فؤاد مطر.
لا مبالغة في هذا القول، فهذا ما كنا نردده نحن معشر الصحافيين المصريين طوال عشرين عاماً امضاها فؤاد مطر موفداً ومراسلاً في القاهرة ومختصاً في الشؤون العربية وشؤون مصر في شكل خاص. كانت الحقائق والخبطات الصحافية الكبرى واتجاهات الريح في سياسة عبدالناصر يجسدها صباح كل جمعة في مقاله الشيق "بصراحة" محمد حسنين هيكل، كانت الاذاعة المصرية ومحطة "صوت العرب" تخصص موجاتها كلها الجمعة لقراءة مقال هيكل.
أما فؤاد مطر فقد اتخذ نهجاً آخر تميز به وتفرد عن كل زملائه من الصحافيين العرب. فهو زائر مستديم لمصر وهو ضيف شبه دائم في "الاهرام" بل وفي كل الدوائر الصحافية. ثم انه استطاع ان يجمع في صداقاته بين كل الأضداد. فالى جانب ملازمته لأستاذنا محمد حسنين هيكل كان مطر صديقاً شخصياً لمصطفى وعلي امين. كانت له جلسات طوال مع الراحل والصحافي الكبير موسى صبري وإحسان عبدالقدوس واحمد بهاء الدين هو يعرف بخبايا السياسة ما ينشر منها وما لا ينشر وفق تعليمات "مكتب الصحافة" التابع لوزير الارشاد القومي ثم وزير الاعلام بعد ذلك.
كان فؤاد مطر من خلال صداقاته بزملائه الصحافيين المصريين المنتشرين في مختلف الصحف القومية يعلم بالتعليمات اليومية لمكتب الصحافة وكلها كانت تحمل اخباراً مهمة يطلب عدم نشرها. فيجري فؤاد مطر وراء هذا الخيط الثمين ويتصل بمصادر الاخبار ثم يصوغها في عبارات سهلة ويبعث بها لصحيفة "النهار". وما اكثر المرات التي منعت فيها النهار من التداول في مصر لنشرها اخباراً ممنوعة. وللحق كان فؤاد مطر يشفي غليلنا نحن الصحافيين من هذه الرقابة التي تسيطر على حرية تداول المعلومات. كانت له علاقات متعددة متشعبة ليست فقط مع الصحافيين ورجال السياسة والحكم أمثال محمود رياض وزير الخارجية الاسبق وسيد مرعي رئيس مجلس الامة وحافظ اسماعيل مستشار الامن القومي والدكتور عزيز صدقي والدكتور مصطفى خليل. بل امتدت صداقاته الى الفن والفنانين المصريين.
وفي مكتب صديقنا كمال الملاخ العالم الاثري والصحافي المميز برشاقة اسلوبه كنت تجد فؤاد مطر يلتقي عبدالحليم حافظ ولبنى عبدالعزيز والعديد من الفنانين.
لم افاجأ بحجم المعلومات والقصص والروايات التي يسردها فؤاد مطر في كتابه الزلزال لكن مفاجأتي كانت في انه تحاشى ذكر موضوعات كثيرة أعلم يقيناً انه يحتفظ بها للوقت المناسب.
مرة اخرى أسجل تقديري البالغ لهذا الكتاب الزلزال الذي خطه قلم صحافي امين ودؤوب ومحب لمصر وللمصريين. منحه الله بالصحة والعافية وأتطلع في نفس الوقت كي يعاود فؤاد مطر نشاطه ويستأنفه من جديد عن مصر في عهد الرئيس حسني مبارك. وأعتقد انه سيجد مناخاً مختلفاً ويجد ايضا اجواء مغابرة لرحلة عبدالناصر والسادات. فنحن الآن نجتاز مرحلة البناء وندخل الى مرحلة الانطلاق نحو الاستقرار والرخاء ودعم الديموقراطية وحرية الرأي والرأي الآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.