ارادت ميروة كاواكجي، النائبة عن "حزب الفضيلة" الاسلامي في تركيا، دخول البرلمان الجديد لابسةً حجابها. استقبلتها الصرخات الهائجة من زملائها النواب اعضاء الأحزاب الأخرى، واتهمها رئيس الحكومة بولند اجاويد بأنها "تخل بالمبادىء الأساسية للجمهورية التركية". هذا كثير! طبعاً كان في وسع النائبة، ما دامت وافقت على دخول البرلمان، ان تتكيّف مع متطلباته وتقاليده وتتجنب مشكلة قابلة للتجنب. لكن المؤكد أنها لم تفعل ما اتهمها به أجاويد، اللهم الا اذا كانت "المبادىء الأساسية للجمهورية" هشّة الى الحد الذي يجعل من ملبسٍ ما اخلالاً بها. في حال كهذه من السخف ان نناقش في الحق وفي كيفية توزيعه على الطرفين المتنازعين. فنقاش كهذا يبقى حزبياً وفئوياً عاجزاً عن تمثّل الهمّ التركي الاكبر. فحتى فرنسا التي بالغت، ذات يوم، في مناقشة مسائل الحجاب والتحجب، كانت تنمّ بهذا عن عارض غير صحي ردّه البعض الى عقدتها حيال الولاياتالمتحدة، وردّه بعض آخر الى خوفها من انبعاث المانيا. والمشكلة التي تعصف بتركيا من النوع الشامل الذي يطول معناها ووجودها، على عكس فرنسا. وهي، من ثم، اعمق من تحديد نسب الحق وتوزيع ملكيته ما بين الاصوليين من جهة والعسكريين والعلمانيين من جهة اخرى. فالموضوع هو، بالضبط، أن البلاد المذكورة، بقضها وقضيضها، تغرق في الرمز وتحتدم صراعاتها ونزاعاتها من حول الرموز. وهذه السوية في الوعي، فضلاً عن كونها تهمّش المعاني والقضايا الفعلية، تجد جذرها العميق في الوثنية وطقوسها. ولم يفت الذين درسوا الحركات الفاشية، بتحياتها وهتافاتها واشاراتها وصواعقها وزوابعها وصلبانها المعقوفة، ملاحظة هذا الولاء للشكليات التي تستمد اصلها من الوعي الوثني الضارب في القدم. بيد ان تركيا اليوم لا تقتصر على المتمسّكين بالحجاب في مقابل المتمسّكين بنزعه من الملتفّين حول الزي العسكري. فقد أطلعت الانتخابات الاخيرة طرفاً ثالثاً ربما كان اكثر رمزية من الاثنين، واخطر بالتالي. ذاك ان القوميين الاتراك من انصار دولت باغجلي، وهم زعران احترفوا "السياسة" من خلال اشتباكات الشوارع مع اليساريين والعلويين والاكراد، يجدون مثالهم ومرجعهم في... اسطورة. والاسطورة هذه ترد الى ذئبةٍ رماديةٍ أمومةَ تركيا المعاصرة واهلها وصلتهم بالعالم. فبحسب الاسطورة، حملت الذئبة ابناءها الاتراك ونقلتهم من آسيا الوسطى الى الأناضول، اي من الكمون الى الفعل، ومن التبلور الى التشكّل. والاساطير في وسعها دائماً اغناء المخيّلات واخصابها، وهذا ما لا تزال تمثّله ذئبة روما الشهيرة وأمّ بطليها التوأمين. الا انها حين تغدو مصدراً لرؤية العالم المعاصر، تصير خطراً على البشر وعلى العقل سواء بسواء. وتركيا، جوهرة الشرق واهم جسوره مع الغرب، اهم من ان تعيش في تضارب الاساطير وعليها، حزينةً ومُحزنةً في آن.