فتح القبول للطلبة في الجامعات دون الحصر على المنطقة الإدارية    «مسام» يشارك في ندوة جهود نزع الألغام في جنيف    زوار المسجد النبوي يغرسون أشجار الإيتكس وكف مريم    22.7 % نمو قطاع التأمين في المملكة خلال 2023    أمير جازان يرعى فعاليات مهرجان الحريد في النسخة 20    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    إيقاف نشاط تطبيق لنقل الركاب لعدم التزامه بالأنظمة والاشتراطات    إطلاق اختبارات "نافس" في المدارس الابتدائية والمتوسطة    «الجوازات»: 41 مليون عملية إلكترونية لخدمة المستفيدين داخل السعودية وخارجها.. في 2023    مناقشة أثر بدائل العقوبات السالبة للحرية على ظاهرتي الاكتظاظ السجني    جراحة ناجحة تٌعيد الحركة لطفل مُصاب بالشلل الرباعي ببريدة    سعود بن طلال يرعى الاحتفال بانضمام الأحساء للشبكة العالمية لمدن التعلم باليونسكو    هيئة تطوير محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز الملكية بحائل تنظم حملة للإصحاح البيئي    أمير تبوك يستقبل أبناء علي بن رفاده البلوي    نائب أمير حائل يزور "مركز انتماء"للرعاية النهارية ويطلع على تقارير أعمال الأمانة    إيقاف 166 متهماً بقضايا فساد في 7 وزارات    حظر تكبيل المتهم عند القبض عليه    أمطار الرياض تروي أراضيها لليوم الثاني    ارتفاع أرباح مصرف الإنماء إلى 1.3 مليار    الذهبان الأصفر والأسود يواصلان التراجع    سمو محافظ الخرج يكرم المعلمة الدليمي بمناسبة فوزها بجائزة الأمير فيصل بن بندر للتميز والإبداع في دورتها الثانية 1445ه    «العالم الإسلامي»: بيان «كبار العلماء» يؤصل شرعاً لمعالجة سلوكيات مؤسفة    النصر والخليج.. صراع على بطاقة نهائي كأس الملك    سعود عبدالحميد: الطرد زاد من دوافعنا.. وهذا سر احتفالي    تغريم ترامب لازدرائه المحكمة والقاضي يهدّد بسجنه إن لم يرتدع    مصر: استدعاء داعية بعد اتهامه الفنانة ميار الببلاوي ب«الزنا»    نائب أمير مكة: مضامين بيان «كبار العلماء» تعظيم لاحترام الأنظمة    انهيار صفقة الاستحواذ على «التلغراف» و«سبيكتاتور»    5 فواكه تمنع انسداد الشرايين    خسرت 400 كلغ .. فأصبحت «عروسة بحر»    النشاط البدني يقلل خطر الاكتئاب بنسبة 23 %    أمير الرياض يستقبل ممثل الجامعات السعودية في سيجما    الأمم المتحدة تشيد بالدعم السعودي لمكافحة الإرهاب    فيصل بن نواف: دعم القيادة وراء كل نجاح    حق التعويض عن التسمّم الغذائي    نتانياهو: سندخل رفح «مع أو بدون» هدنة    طلاب تعليم جازان يستكشفون الأطباق الوطنية السعودية في معرض الطهي المتنقل    مجلس الوزراء: التحول الاقتصادي التاريخي رسخ مكانة المملكة كوجهة عالمية للاستثمار    في موسم واحد.. الهلال يُقصي الاتحاد من 4 بطولات    جيسوس يعلن سر غياب سلمان الفرج    بحث مع عباس وبلينكن تطورات غزة.. ولي العهد يؤكد وقوف المملكة الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني    في ختام الجولة من دوري" يلو".. ديربي ساخن في الشمال.. والباطن يستضيف النجمة    مرسم حر في «أسبوع البيئة»    الأساطير الحديثة.. نظريات المؤامرة    الانتماء والتعايش.. والوطن الذي يجمعنا    محمد عبده الأول.. فمن العاشر؟    في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. حلم باريس سان جيرمان يصطدم بقوة دورتموند    السعودية تنضم للتحالف العالمي للذكاء الاصطناعي    ازدواجية الغرب مرة أخرى    «جوجل» تطلق شبكة تعقب الهواتف    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يرأس اجتماع اللجنة التنفيذية للجنة الحج    ينجو من فكي دب بفضل احترافه الكاراتيه    تعزيز الأمن المائي والغذائي    وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة "37 بحرية"    الهلال والأهلي في قمة مبكرة والاتحاد يلتقي الابتسام    إنقاذ حياة معتمر عراقي من جلطة قلبية حادة    أمير منطقة الباحة يشهد اتفاقية تعاون بين تجمع الباحة الصحي والجمعية السعودية الخيرية لمرضى ( كبدك )    وزير الدفاع يحتفي بخريجي كلية الملك فهد البحرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خصائص تصف ملامح جهوده الدعوية ومنهجه في التعامل مع القضايا والأحداث . صورة ابن باز العلمية في مناظراته
نشر في الحياة يوم 21 - 05 - 1999

في سنة 1983 نشر الشيخ عبدالعزيز بن باز دراسة عن الإمام محمد بن عبدالوهاب تناول فيها خصائصه وظروف عمله. ومن ذلك: الجد في الدعوة والصبر على الأذى، وتفسير القرآن والاستنباط منه، والجمع بين العلم والعمل، وترتيب الدروس ونشر العلم، وانتشار دعوته في الداخل والخارج، ودعم آل سعود له، ومناظرة العلماء الآخرين، ومكاتبة الناس ونصحهم، واختلاف الناس فيه وتحامل بعضهم عليه واتهامه بأمور عدة منها أنه من الخوارج وخرق الاجماع، وعدم المبالاة بمن سبقه من الفقهاء والعلماء، وادعاء الاجتهاد المطلق.
وهذه الخصائص هي ذاتها التي تصف ملامح ابن باز وجهوده الدعوية، ومنهجه في التعامل مع القضايا والأحداث. ولعل أبرزها وأكثرها وضوحاً مناظرة مخالفيه ومكاتبة الناس ونصحهم. وهو الجانب الذي جمع أناساً حوله وأبعد آخرين، وأثار حوله ومعه اختلافات كثيرة لا يحدها مكان ولا تقتصر على جماعة بعينها خصوصاً في ظل توافر إمكانات إتصال اعلامي مكثف، ونشوء تيارات جديدة متباينة ومتنوعة، ما زاد من حجم نشاطه وكتاباته ورسائله واصطدامه، تالياً، مع خصوم كثر.
ومعظم مؤلفاته المنشورة، سواء الأصلية منها أو المتمثلة في فتاويه ومخاطباته التي جمعها تلاميذه ومريدوه، تدور في هذا الإطار مع أنها لا تشكل الا جزءاً من نشاطه الفعلي الذي ما زال أكثره مبثوثاً في الدوريات والتسجيلات والرسائل الخاصة.
وهذا الإهتمام الاستثنائي بالمتابعات والتصحيحات وتقديمها على التأليف ناتج من قناعته بأولوية الدعوة العملية، وأهمية تنبيه الناس الى أخطائهم العقدية في السلوك والكتابة، وإرشادهم الى طرق النجاة ودروب السلامة. كما زادت مساحة هذا الإهتمام مع توالي الاسئلة والاستفسارات التي تطلب رأيه في جميع مناحي الحياة، الصغيرة منها والكبيرة، المتصلة بحالة خاصة أو التي تمس الاصول.
وهو في ردوده يخاطب المعني مباشرة رئيساً كان أو فرداً. لا يتغاضى عن أي خلل عقدي يعرض له أو يطلع عليه بل يسارع لإيضاحه، يستوي في ذلك العلماء والمبتدئون لوحدة أصل العلة سواء وجدت في مسلك ثابت لجماعة أو فرقة أو في محاولات شاب في صفحات البريد. لكنه يفرق، في لغته، بين أخطاء الاجتهاد و قصور المعرفة، والمخالفات الصريحة المعبرة عن توجهات مصدرها. فيخاطب أصحاب الأولى برفق ولين ويدعو لهم بالهداية والتوفيق، بينما يحذر الثانية ويقارع مقولاتها وينادي بمحاربتها والقضاء عليها مع الدعاء لأهلها بالتوبة والرجوع الى الحق.
ولم تقتصر جهوده في الدعوة على المتابعات المباشرة، بل كان مجالها الآخر والموازي الرسائل العامة التي يبثها دورياً منذ أكثر من خمسين سنة في صيغ عدة، منها الموجه إلى المسلمين كافة لحثهم على التمسك بالدين والبعد عن الاهواء والبدع والضلالات، ومنها الى حكام المسلمين وقادتهم تحضهم على تطبيق الأحكام الشرعية في بلدانهم واجتناب البدع وعوامل فساد الدولة والمجتمع، أو للتحذير من السفر للخارج ومضاره، أو النداءات لمساعدة المسلمين المنكوبين بالجفاف والفقر والكوارث، ودعم الأقليات المسلمة وحماية حقوقها، ومساندة المجاهدين في كل مكان بشرياً ومادياً.
ويمكن عبر متابعة هذين المسارين، الردود المباشرة والرسائل العامة، الوقوف على منهج ابن باز في التعامل مع قضايا الأمة، وصلابته في الحق، ومتابعته الوثيقة لكل ما يخص المسلمين شعوباً وأفراداً.
ويسقط عنه كذلك ما يثار من انه "شيخ سلطة" يشرعن سياسة بلده، ويبرر ممارساتها. فهو لم يتردد يوماً في مخاطبة الزعماء المسلمين في ما يجده من مخالفات أو محذورات في بلدانهم ودرجة صلتها بالأحكام الشرعية، ومتابعة الوضع حتى يتم التصحيح. وهو الأمر الذي قد يحرج السعودية في علاقاتها، لكنه يثبت استقلالية ابن باز. ويثبت أيضاً احترام القيادة السعودية للعلماء، والتزامها بمنهجها الشرعي وحرصها علي مصلحة الأمة، اضافة إلى أن ابن باز لا يخصها وحدها بل هو صوت اسلامي للأمة كلها يستفتيه ابناؤها من كل الدول، ويرجعون اليه في كل قضاياهم ليس لكونه مفتي السعودية فقط بل لأنه عالم صادق وثقوا فيه واطمأنوا إلى إخلاصه واتفقوا على مرجعيته لحل خلافاتهم وجلاء اشكالاتهم.
وتظهر النماذج الآتية خصيصة ابن باز ومنهجه الفريد في فهم الدعوة وآلياتها واختلافه عن كثير من زملائه في ادراكه ثقل الامانة التي يحملها العالم والتي يجب ابلاغها للآخرين حرصاً على منفعتهم، وخشية الإثم حال تراخي الدعوة في أي إقليم لغياب من يتولاها أو تكاسله عنها ما يجعلها فرض عين على الجميع حسب الطاقة والقدرة.
ولهذه النماذج دلالات عدة منها:
1- أنها ترسم صورة نشاطه العلمي لشمولية موضوعاتها وتنوع حالاتها خصوصاً ان اكثرها كان بمبادرة منه ما يبين دقة متابعته وحجم المعلومات المتدفقة إليه يومياً عما يدور في الصحافة من حوارات وما ينشر فيها من مقالات. ولا يقتصر اهتمامه على المقالات البارزة بل كل المادة الصحافية بما في ذلك طلبات المواطنين ليرد عليها جميعا بخطابات شاملة.
2- حرصه على الحق واعترافه بالخطأ مثلما حدث في فتواه بعدم جواز الصلاة خلف الزيدية لغلوهم في أهل البيت، والتي عاد عنها بعد سنة عندما تبين له أن الغالب على الزيدية إنكار الغلو. وقال في ذلك: "وبناء على هذا وجب عليّ أن أعيد النظر في هذه الفتوى لأن الواجب هو الأخذ بالحق، لأن الحق ضالة المؤمن متى وجده، فأقول: أن هذه الفتوى التي سبق ذكرها قد رجعت عنها بالنسبة الى ما فيها من التعميم والاطلاق لأن الهدف هو الاخذ بالحق والدعوة إليه، وأعوذ بالله أن اكون مسلماً وأمنع من الصلاة خلف مسلم بغير مسوغ شرعي".
3- حرصه على التثبت والتيقن فيبدأ بإعادة السؤال أو الموضوع المراد مناقشته قبل الرد عليه حتى لا تتداخل الفتاوى أو تستخدم لغير غرضها، إذا جاءت خلواً من معطياتها ومسبباتها الخاصة.
4- أهمية القضايا الإجتماعية لديه وتركيزه المستمر عليها حتى وأن أعاد طرح الموضوع مرات مثل التحذير من السفر والذي كان ينشره كل سنة قبيل الإجازات.
5- سماحته في الاختلاف مع الآخرين وسعة أفقه إلى أقصى ما يمكن.
6- يشير الإختلاف الحاد في طبيعة الموضوعات إلى أن سبب ظهور بعضها هو نقلها للشيخ من أطراف آخرين وسؤاله عنها، وهو ما يؤكد أنه لم يكن يرد مستفتياً في أي موضوع كان.
7- جرأته في إعلان ما يراه حقاً من دون تكاسل أو بطء، وسرعته في البت بما يرد إليه في الوقت ذاته حتى لا تتراكم الأمور وتتضخم.
8- سؤاله عن الأشخاص الذين يخاطبهم والتحقق من أحوالهم قبل الرد عليهم.
ابن باز والصحافة السعودية
نشأ بين الشيخ والصحافة السعودية حوار متصل، يثني عليها حيناً وينبهها إلى أخطاء معينة حيناً آخر. وله ردود كثيرة على ما نشر فيها يغلب عليها النصح والإرشاد والتفهم للخطأ غير المقصود، وتغليب حسن النية في المقاصد. ولم يظهر غيظه من طروحاتها إلا في حالات قليلة جداً.
في العام 1963 لاحظ في الصحافة شيوع مصطلحات وعبارات مشحونة بدلالات التيارات السائدة حينها، فدعا الكتّاب والكاتبات السعوديين "ان لا يغتروا بالشعارات المضللة والدعايات الجوفاء والأساليب الساحرة التي انتحلها اعداؤهم وقصدوا من ورائها تضليل المسلمين وتلبيس دينهم عليهم، ودعوتهم الى التملص منه، والخروج على أحكامه بشتى الاساليب وانواع المغريات".
ونشر الشاعر محمد حسن فقي قصيدة عنوانها "المسجدان" عن الحرمين وفضلهما، فرد عليه الشيخ أنه "غلط غلطاً عظيماً في بعض ابياتها ولم يبلغني أن أحداً نبه على غلطه، فوجب عليّ التنبيه على ذلك لئلا يغتر به أحد، وليعلم من يقف على هذا التنبيه عظم خطر الغلو وسوء عاقبته"، ثم استعرض أبيات الغلو وما فيها من الشرك الاكبر.
وأصدر العام 1965 كتاباً اسمه "الادلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتّاب" رداً على مقال نشرته صحيفة "البلاد" في السنة ذاتها بعنوان "احذروا الغلو" وقال فيه: "ألفيتُ الكاتب، عفا الله عنه، قد أساء الظن بالإخوان المتطوعين القائمين بالدعوة الى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ووصفهم بأنهم مخدوعون ومتشددون ومحاربون للجديد إلى غير ذلك مما وقع في كلامه من الأخطاء"، ثم استعرضها ورد عليها تفصيلاً.
وعن قيادة المرأة للسيارة قال: "كثر حديث الناس في صحيفة "الجزيرة" عن قيادة المرأة للسيارة. ومعلوم أنها تؤدي الى مفاسد لا تخفى على الداعين اليها، منها الخلوة المحرمة بالمرأة، ومنها السفور، ومنها الاختلاط بالرجال بدون حذر ومنها ارتكاب المحظور الذي من اجله حُرمت هذه الامور. والشرع المطهر منع الوسائل المؤدية الى المحرم واعتبرها محرمة". وبعد ان حلل المسألة، دعا المسلمين الى تقوى الله والحذر من الفتن وقال: "حفظ الله لهذه الامة دينها وكفاها شر دعاة السوء ووفق كتّاب صحفنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين".
واقترح الكاتب سعد البواردي في احدى مقالاته 1983 اختلاط الطلاب من الجنسين في المرحلة الابتدائية، فجاء رد الشيخ موضحاً ان "الاختلاط وسيلة لشر كثير وفساد كبير لا يجوز فعله". وأن اختلاط الابتدائي "وسيلة للاختلاط في ما بعد ذلك من المراحل". ثم قال: "ونصيحتي للاستاذ سعد وغيره ألا يقترحوا ما يفتح على المسلمين ابواب شر قد اغلقت".
وشكر العام 1975 الكاتب احمد محمد جمال لمقالاته التي يستنكر فيها "ما اقترحه بعض الكتّاب من ايجاد دور سينمائية في البلاد تحت المراقبة، وما وقع من بعض الشركات وغيرها من توظيف النساء في المجالات الرجالية من سكرتيرات وغيرهن والإعلان في بعض الصحف لطلب ذلك". وأيده "كل التأييد في ما دعا اليه من سد للذرائع المفضية الى الفساد والقضاء على جميع وسائل الشر في مهدها" وزاد: "الواجب على حكّام هذه البلاد والمسؤولين فيها، وفقهم الله جميعاً، أن يمنعوا منعاً باتاً فتح دور السينما ... وأن الواجب على المسؤولين منع توظيف النساء في غير محيطهن سواء كن سعوديات أو غيرهن لما في ذلك من الفساد العظيم والعواقب".
وجرت في سنة 1963 مناوشات صحافية حول قضايا اجتماعية بين بعض الكتّاب ومحمد احمد باشميل حضرمي الاصل الذي كتب مقالاً عنوانه "اضربوا على ايدي السفهاء" حول الكتابات الداعية "الى السفور والغناء والعزف والطرب وبروز المرأة واختلاطها"، ودعا المسؤولين الى الضرب على ايدي السفهاء فتعرض لبعض اللمز حول أصله. وقد أيده الشيخ وساق الأدلة والبراهين على ضرر ذلك وافساده، ثم عجب لغضب بعض الكتّاب من باشميل على رغم قوله الحق فخاطبهم "الواجب أيضاً أن يحملوا كلامه على أحسن المحامل وأن يظنوا به الظن الحسن وأن لا يرموه بما لا يليق به، فالمؤمنون أخوة وجسد واحد وبناء واحد سواء كانوا عربا او عجما، وسواء نبتوا في هذه البلاد وعاشوا فوق أرضها وتحت سمائها أو هاجروا اليها من بعيد. فكل مسلم يعبدالله وحده وينقاد لشريعته اخونا وحبيبنا، سواء كان في المشرق او المغرب، وسواء تجنس بالجنسية الرسمية ام لم يتجنس بها هكذا علمنا ربنا وأدبنا احسن تأديب".
ومن اكثر ردوده قوة وحدة تعقيبه على قول ابي تراب الظاهري أن الكتاب والسنّة لم يحرما الغناء فقال: "تعجبت كثيراً من جرأته الشديدة تبعاً لإمامه ابي محمد ابن حزم الاندلسي على القول بتضعيف جميع ما ورد من الاحاديث في تحريم الغناء وآلات الملاهي ... وعجبت أيضاً من جرأتهما الشديدة الغريبة على القول بحل الغناء وجميع آلات الملاهي مع كثرة ما ورد في النهي عن ذلك من الآيات والاحاديث والآثار عن السلف الصالح".
أما الشدة الحقيقية فكانت من نصيب مقال لكاتبة سعودية جاء فيه: "والرجال يعتقدون ان المرأة كائن آخر والمرأة في تعبيرهم ناقصة عقل ودين" إذ قال: "وعجبت كثيراً من جرأة القائمين على هذه الجريدة حتى نشروا هذا المقال الذي هو غاية في الكفر والضلال" وان هذه الصحيفة "تجاوزت الحدود واجترأت على محاربة الدين والطعن فيه بهذا المقال الشنيع جرأة لا يجوز السكوت عنها ولا يحل لوزارة الاعلام ولا للحكومة الاغضاء عنها". وطالب بمحاكمة الكاتبة والمسؤول عن الصحيفة واستتابتهما. وهي غضبة من الصحيفة بالدرجة الأولى لتكرار تجاوزاتها في رأي الشيخ.
وفي سياق متابعاته للشأن الاجتماعي انتقد الاذاعات لبثها "الاغنيات الخليعة" واشغالها الناس "بأغنية فلان وفلانة وصوت علان وعلانة" ما يفسد قلوبهم ويصدهم عن ذكر الله.
وشغل السفر الى الخارج جانباً كبيراً من اهتمامه، وكثيراً ما حذر من السفر ما لم يكن "لضرورة علمية غير متوافرة داخلياً" وان يكون مقتصراً على الكبار ممن يعرف فيهم "الفضل والعلم ورجاحة العقل والاستقامة في الدين". ومن المعروف أنه لم يسافر خارج السعودية أبداً.
واستنكر عروض مؤسسات السفر والسياحة في نشراتها التي تغري الشباب بالسفر محذراً المسلمين منها وداعياً اياهم "الى اخذ الحيطة والحذر وعدم الاستجابة لشيء منها".
وبين المقصود بنقصان عقل المرأة ودينها أنه نقص خاص لا تؤاخذ المرأة عليه فهو حاصل بشرع الله وأنها "ليست دون الرجل في كل شيء وان كان جنس الرجال في الجملة افضل"، لكن "المرأة قد تفوق الرجل في بعض الأحيان في اشياء كثيرة ... وقد تكون لها عناية في بعض الأمور فتضبط ضبطاً كثيراً أكثر من ضبط بعض الرجال، في كثير من المسائل التي تعني بها وتجتهد في حفظها وضبطها فتكون مرجعاً في التاريخ الاسلامي وفي أمور كثيرة".
وحرّم عمل المرأة مع الرجال من غير محارمها أما عملها مع زوجها او محارمها "في الحقل والمصنع والبيت فلا حرج في ذلك". كما حث المرأة على الدعوة الى الله وأن تبتعد عن الاختلاط "فإن دعت الرجال دعتهم وهي متحجبة بدون خلوة بأحد منهم".
وعن انتشار السائقين واثرهم في المجتمع قال: "تخاذل الناس وتساهلوا في جلبهم من الخارج وتمكينهم من بعض الأعمال وأخطرها الخلوة بالنساء والسفر بهن إلى مكان بعيد أو قريب ودخولهم البيوت واختلاطهم بالنساء. هذا بالنسبة الى السائقين والخدم اما الخادمات فلا يقل خطرهن عن أولئك". ودعا الى الاستغناء، وفي حال الضرورة يبحث عن "الافضل فالأفضل من المسلمين".
الرسائل والملاحظات الخارجية
مناظرات الشيخ في هذا الجانب كثيرة ومتنوعة لحرصه على إيضاح رأيه في كل قضية تهم الإسلام والمسلمين، واختيار النماذج المرصودة لإقرارها في فتاواه وتنوع مساراتها.
وحذر الشيخ ابن باز سنة 1960 من المجلات الخليعة "التي تحمل بين طياتها أشكالاً كثيرة من الصور الخليعة المثيرة للشهوات، الجالبة للفساد، الداعية للدعارة، الفاتنة للشباب والشابات". وعارض اباحة المفتي العام في الاردن تحديد النسل، واعتبر فتواه مخالفة للشريعة الكاملة.
واستنكر دعوة الدكتور عبدالعزيز المقالح الى جمع الطلاب من الجنسين في مكان واحد لأن العزل مخالف للشريعة مستدلاً على جواز الاختلاط بأن المسلمين كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد. فقال ابن باز: "وقد استغربت صدور هذا الكلام من مدير جامعة اسلامية في بلد اسلامي يُطلب منه أن يوجه شعبه من الرجال والنساء الى ما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة فإنا لله وإنا اليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله". وأضاف: "ولا شك أن هذا الكلام فيه جناية عظيمة على الشريعة الاسلامية، لأن الشريعة لم تدع الى الإختلاط حتى تكون المطالبة بمنعه مخالفة لها، بل هي تمنعه وتشدد في ذلك".
ثم قال في خاتمة رده: "ونصيحتي لمدير جامعة صنعاء ان يتقي الله عز وجل وان يتوب اليه سبحانه مما صدر منه وأن يرجع الى الصواب والحق".
وفي عام 1984 اقيمت صلاة الجمعة في مسجد قرطبة وذكرت الصحف حينها أن الاحتفال بذلك "تأكيد لعلاقات المحبة والاخوة بين ابناء الديانتين، الاسلام والمسيحية". فاستنكر ذلك موضحاً أن لا اتحاد بين الديانتين لأن الاسلام هو الحق الذي يجب اتباعه، والأخوة لا تكون إلا بين المؤمنين "اما الكفار فيجب بغضهم في الله معاداتهم فيه سبحانه، وتحرم موالاتهم وتوليهم حتى يؤمنوا بالله وحده". ثم قال: "ولو قيل ان هذا الاحتفال يعتبر تأكيداً لعلاقات التعاون في ما ينفع الجميع لكان ذلك وجيهاً ولا محذور فيه".
أما حكمه في الكافر المجاور للمسلم فإنه حدد العلاقة بدعوته الى الله وعدم ظلمه في نفس ولا في مال ولا في عرض، والتعامل التجاري معه، ورد السلام عليه، ومراعاة حقوق الجوار، وتعزيته في موتاه بالقول "جبر الله مصيبتك" او ما شابه ذلك مع عدم مشاركته في اعياده واحتفالاته.
ونشرت الصحف عام 1982 مشروع قانون الاحوال الشخصية في الامارات وتحديده سن الزواج ب16 سنة للفتاة و 18 سنة للشاب. فعارض ذلك لأن السن في الزواج لم يقيد بحد معين لا في الكبر ولا في الصغر، والكتاب والسنّة يدلان على ذلك وليس "لأحد ان يشرع غير ما شرعه الله ورسوله ولا أن يغير ما شرعه الله ورسوله".
وله في هذا المجال تعقيبات كثيرة وشهيرة منها رده على الشيخ محمد الصابوني في مقال عن صفات الله نشره في مجلة "المجتمع" الكويتية، وعلى مصطفى امين حول الآثار وحمايتها، وعلى بدع رشاد خليفة المقيم في اميركا في رفضه للسنّة وتأويله القرآن برأيه، وحمد السعيدان في صحيفة "السياسة" الكويتية حول حلق اللحية وزعمه ان ابن باز قال: "أي فتوى تصدر باسمي يجب أن تكون ممهورة بخاتمي ومصدقة من وزارة الاوقاف الاسلامية". فرد عليه: "ان هذا الكلام ظاهر البطلان لأني لم اشترط يوماً تصديق وزارة الاوقاف على ما يصدر مني من الفتاوى"، وقال ايضاً ان السعيدان "نسب اليّ، هداه الله، كلاماً عن حلق اللحية تجرأ فيه بشيء لم أقله".
وهناك تعقيبه على ظهور معبد للسيخ في الامارات سنة 1984، ومع الكاتب احمد بهاء الدين حول كروية الارض، وتكذيبه خبراً بثته اذاعة لندن عن تكفيره الاحتفال بالموالد، والشيخ علي الطنطاوي حول دخول الجني في الانسي، وارساله الخطابات ثم الوفود الى القذافي لمناقشته حول تسميته رسول الصحراء ومدى قبوله ذلك، ونقاشه مع الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبه حول انظمة العمل في تونس ومنعها لتعدد الزوجات والسماح للعمال بالإفطار في نهار رمضان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.