إذا كان الحوار الجيد فناً يتطلب استعداداً فطرياً وخبرة مكتسبة في الوقت نفسه، فإن الحركة والإشارة والايماءة تعد وسائل اتصال أساسية وجوهرية في مثل هذا المستوى من الحوار. وقدرت أبحاث أنجزها أخيراً المركز القومي المصري للبحوث الاجتماعية ان تأثير الكلمة في الحوار يساوي نحو 7 في المئة، وان نبرة الصوت لها تأثير يساوي 38 في المئة، بينما تصل نسبة تأثير الحركات والاشارات الى 55 في المئة. وتنبه خبراء "الاتيكيت" الى أهمية الاشارة والايماءة ومغزاهما، وتعاونوا مع خبراء علم النفس لتمكين الإنسان من التعبير عن نفسه تعبيراً جيداً، ومن كشف أعماق الآخرين وفهمها. وتشير الأبحاث نفسها إلى أن وضع أصابع اليد على الفم في ما بين عبارات الحوار، يعد إشارة الى الاحساس بالضغط العصبي وعدم الأمان والخوف من الكلام، أو الشعور بأن الكلام لن يؤثر في سامعيه. والحركة المزدوجة المتمثلة في وضع أصابع اليدين على الفم وطرف الأنف تُفسَّر على أنها سدّ للحماية من التعرض لقول أشياء قد تضع صاحبها في ورطة أو في مأزق. ولأن إصبع الإبهام، يمثل منطقة الذات لدى الانسان، فإن كثرة تحريكه تظهر الرغبة في السيطرة على المستمع. أما اسناد الرأس على اصبع السبابة فيعد حركة اتصال ذاتية تترجم في غالب الحالات بمعنى السخرية والتعالي. وتعد الاشارة بإصبع السبابة الى الأمام أكثر الحركات تعبيراً عن العدوانية والهجوم، لأنها تشبه توجيه الحربة أو العصا أو السلاح. واذا ضم المتحدث السبابة الى الإبهام اثناء الحوار أو الرد على التساؤلات، فذلك يعني حركة تأكيد للهجة وتضفي قوة وحرارة على الكلام. أما أن يمرر المتحدث اصبعه داخل ياقة القميص، أو يمسح ذرات تراب، وهمية، من ثيابه من آنٍ إلى آخر، وغير ذلك من حركات إصلاح الهيئة والهندام، فإنه أو أنها يشعر بعدم الراحة ويخشى أن يكون غير مرحب به، أو أنه يتوقع التعرض لهجوم الحاضرين. ويُفسر حك الذقن بأصابع اليد بأنه حركة لمس ذاتية عفوية تهدف الى طمأنة النفس في مواجهة المستمع. فإذا حك المتحدث أسفل الرأس أو الرقبة بأصابعه، فهذا يحمل أكثر من معنى، مثل عدم قول الحقيقة. وتكون الحركة مصحوبة بالنظر الى الأرض مع تجنب المواجهة بين العيون، وقد تعني الغضب، أو الإحساس بالظلم، اذا نظر الشخص الى أعلى كما لو كان يستنجد بعناية السماء. ولحركة الكفين والقدمين عموماً مدلولات أخرى كثيرة، فالكفان المفتوحان الى أعلى في مستوى الصدر، حركة مسالمة من المتحدث تستجدي الموافقة وطلب الاحساس بالفهم من المستمع. فإذا كانت مصحوبة بانحناء قليل، تعد تعبيراً عن المشاركة الشخصية والتعاطف. وإذا وقف الانسان في محفل ومد يده الى جانبه وطوى اليد الأخرى أمام الصدر للإمساك بها، فإن ذلك يعبر عن الاحساس بالغربة ورغبته في تحصين ذاته. ومن المعروف أن مسك الوسط باليد يعبر عن الغرور أو التحفز لرد أي هجوم من الآخرين. أما الجلوس بين الناس مع لف الساقين على بعضهما، فإن هذه الحركة تدل على الخجل والتحفظ في التعامل مع الآخرين. ويلاحظ ان هذا التشابك يفك تدريجياً كلما شعر المرء بالألفة والاطمئنان.