طويت أمس الصفحة الأخيرة من تاريخ هيمنة "راسبوتين الجديد" على روسيا. انه بوريس بيريزوفسكي "النسخة المعاصرة" من غريغوري راسبوتين "الراهب الدجال" الذي هيمن على عائلة القيصر نيكولاي الثاني وغدا حاكماً غير معلن لروسيا مطلع هذا القرن، وتألبت ضده كل النخب السياسية آنذاك وقتل برصاصة أحد النبلاء ثم القيت جثته في نهر النيفا. وخلافاً لسلفه فإن بيريزوفسكي حصل على شهادة الدكتوراه في الرياضيات وكان يمكن ان يمضي سنوات طويلة باحثاً في أكاديمية العلوم، الا ان ال "بيريسترويكا" فتحت أمامه أبواباً عريضة. وبدأ بانشاء شركة "لوغوفاز" التي كانت تشتري سيارات "لادا" بأسعار دون سعر السوق بحجة تصديرها الى الخارج. لكن السيارات كانت تباع داخل البلد والأرباح هي التي تخرج. تلك كانت اللبنة الأولى في صرح الامبراطورية المالية التي أقامها بيريزوفسكي وقدرتها مجلة "فوربس" ب 3.5 بليون دولار. وكانت تشمل شركات نفط ومصارف وشركات طيران ومؤسسات اعلامية أهمها اسهم القناة التلفزيونية الأولى "او. آر. تي" التي اشتراها بيريزوفسكي ب 320 ألف دولار رغم ان الدخل الشهري من الاعلان كان يصل الى 15 مليوناً. وحينما بدأ المحققون يتحرون عن بعض الصفقات المشبوهة، آثر بيريزوفسكي الانتقال الى اسرائيل وحصل على جنسيتها. إلا أنه أدرك ان سلامته في وجود مظلة سلطوية تقيه. فبدأ يتقرب من كبار رجال الحكم وعقد صداقة مع عائلة الرئيس بوريس يلتسن وتولى طبع كتابه "مذكرات رئيس" ثم موّل حملته الانتخابية عام 1996. وفي الوقت ذاته أصبح "المستشار المالي" للعائلة. وكانت المكافأة الأولى له بتعيينه نائباً لسكرتير مجلس الأمن القومي رغم احتجاج النواب على ان هذا المنصب لا يمكن اسناده الى مواطن يحمل جنسيتين. وعرف بيريزوفسكي بأنه "صانع الوزارات" وكان له دور في اسناد مناصب مهمة في الدولة. وبعد خلاف عابر مع الرئيس فقد منصبه إلا أنه عاد فأصبح موظفاً دولياً بتعيينه سكرتيراً لرابطة الدول المستقلة. واثر سقوط حكومة سيرغي كيريينكو صيف العام الماضي، سعى بيريزوفسكي الى اعادة تنصيب حليفه فيكتور تشيرنوميردين رئيساً للوزراء، إلا أن اسناد المنصب الى يفغيني بريماكوف عنى أول هزيمة كبرى له، فناصب الحكومة العداء واعتبرها خطراً ووجه كل أبواقه الإعلامية لاسقاطها، متذرعاً بأن عائلة الرئيس يلتسن نفسه "على خلاف ايديولوجي كبير" مع بريماكوف. والغريب ان الرجل الذي يعد "كاردينالاً" ذا نفوذ هائل لم يجد من يدافع عنه، اذ أنه عادى كثيرين وأصبح اسمه يثير النفور والاستياء لدى النخب السياسية. إلا أن عدداً من المحللين يرى ان بيريزوفسكي لن يسكت على انتهاء دوره السياسي وقد يقوم بعملية مستميتة لزعزعة الاستقرار على قاعدة "عليّ وعلى أعدائي".