في ظل الظروف التي يمر بها الانسان العصري يجد الكثيرون انفسهم في حالة قلق وتوتر شديدين تدفعهم الى تناول المهدئات بمشورة الطبيب او من دونها. وهناك احتمال كبير في ان يتحول اللجوء الى الحبوب المهدئة الى ادمان لها، وهنا مصدر الخطر على صحة وسلامة الجسم. ملايين الناس في انحاء العالم يتناولون المهدئات بعد ان اصبح التوتر سمة العصر. واذا استخدمت بشكل واع وتحت اشراف الطبيب، تكون ذات فائدة. لكن الكثيرين يعتمدون على تلك المهدئات، الموصوفة طبياً، او المستعملة من دون اشراف الطبيب، وأصبحوا أسرى تلك العقاقير، غير قادرين على التوقف عن تعاطيها حتى لو أرادوا ذلك. والمهدئات من عقاقير وادوية وحبوب وكبسولات توصل اليها العلم وطوّرها بعد مجهود شاق وبحث مستمر، وهي تنقسم الى مجموعتين: الاولى، تثبط من نشاطات المخ وتهدئ من عمل الجهاز العصبي المركزي، مثل المنومات المعروفة باسم الباربيتيورات BARBITURATES ، وهي، في جرعات صغيرة تزيل الموانع من الشعور الانساني اي تترك الانسان يتصرف بحرية لاشعورية اكثر. وبكمية كبيرة تؤثر على العقلانية ويشعر متناولها بالدوخة وينتابه احساس بالنوم، ومن الممكن ان تؤدي الى الغيبوبة او توقف عمل القلب والرئتين اذا زادت الجرعة عن حدّها المطلوب. اما المجموعة الثانية، فتؤثر في اجزاء محدودة من المخ تتعلق بالوجدان والمشاعر، وهي اسلم نسبياً من الباربيتيورات وتسمى بالبنزوديازبينات Benzodizepines ولها خاصية التهدئة ومنع الخوف دون تأثير على عمل قشرة المخ. ويبدأ الادمان على العقاقير حين يتحول تناولها الى اعتماد نفسي وبدني عليها. ففي الاعتماد النفسي تصبح حاجة المريض الى تناول العقار فقط للحصول على الانشراح والتأثير اللطيف، او على الاقل لإزالة الاحاسيس المؤلمة والمتعبة وغير المرغوب فيها. اما الاعتماد الجسدي فيعني حاجة الجسم الى استمرار تناول الدواء بصرف النظر عن فائدته من عدمها. وتظهر على المدمن آثار انسحاب العقار من الجسم واضحة عند التوقف عن تعاطيه: الضيق، والعرق الغزير والدوخان والدوار والغثيان وجفاف الحلق، مع الرغبة الشديدة في تناول الدواء. واذا فعل، زالت تلك الاعراض، ما يؤكد عملية الاعتماد الجسدي. وتجدر الاشارة الى شيوع ادمان العقاقير ذات التأثير النفساني خصوصاً في الولاياتالمتحدة ودول غرب اوروبا وبعض البلدان العربية. من الصعب التكهن بمن يتهدد شبح الادمان او الاعتماد على المهدئات. لكن بعض المؤشرات تساعد على تحديد هذا الخطر خصوصاً فترة تناول العقار ومدة العلاج به وتزداد خطورة الاعتماد مع طول فترة العلاج التي يجب ان تكون تحت اشراف الطبيب. وتعتبر فترة سنة او اكثر امراً غير مستحب الا اذا اقتضت الضرورة عكس ذلك. والجرعة الدوائية تحدد درجة الاعتماد، فكلما زادت الجرعة زاد معها خطر الاعتماد ايضاً. واثبتت الدراسات ان تناول جرعات صغيرة على فترة طويلة يولد الاعتماد ايضاً وعموماً، فان للمدمنين على العقاقير غير الموصوفة طبياً قابلية للاعتماد على الادوية ذات التأثير النفساني. القرار الصعب وماذا لو قرر المعني التوقف عن تعاطي المهدئات؟ وما هي المشاكل التي قد تواجهه؟ للاجابة على هذين السؤالين لا بد اولاً من تقسيم المتعاطين للحبوب المهدئة الى مجموعات: الاولى، تتمثل في شخص يجد صعوبة في النوم ليلاً بسبب القلق من امر ما. وعندما توجه الى الطبيب وصف له هذا الاخير منوماً معيناً بجرعة تتراوح بين 5 و10 ملغ قبل النوم. وبعد ايام، بات يمتلك القدرة على النوم، والتنعم بالهدوء اثناء النهار. وبعد اسبوعين خفض الجرعة الى 2.5 ملغ، وفي الاسبوع الثالث لم يعد في حاجة الى اية حبوب واستطاع النوم من دون اية مشكلة. وعلى رغم الانتقادات الموجهة الى المهدئات على انها تعالج العرض وليس المرض، والمثال السابق خير دليل على ذلك، الا ان الاعتماد او الادمان مسألة تعتمد على الشخص المتعاطي نفسه، ومن هنا يكون انتقاد المهدئات نفسها في غير محله. اما المجموعة الثانية، فهي التي تسبب اعتماداً وقتياً عليها بعد استعمال المهدئ. مثال رجل اعمال يعمل تحت ضغط شديد ويعاني من التوتر والاجهاد. نصحه طبيبه بتناول عقار معين مرتين يومياً ما ساعده على التغلب على اعراض القلق. وبعد خمسة اسابيع، شجعه طبيبه على خفض الجرعة، لكنه لم يستطع ذلك واصيب بالخوف والضيق. ومجموعة ثالثة تستخدم المهدئات وغيرها لفترة طويلة لكن دون الاعتماد عليها. ورابعة تستخدمها بشكل مزمن لانها تعاني من حالة مرضية مزمنة. ومجموعة خامسة يعتمد فيها الشخص اعتماداً كلياً على المهدئات، ويؤدي توقفه عن تناولها الى تأثيرات متعبة جداً. وفي المجموعة السادسة يكون الاعتماد في حالة ازدياد متواصل نتيجة الدخول في حلقة مفرغة من المشاكل والمبررات المؤدية الى استمرار التعاطي. وهنا تعمل المهدئات كمظلة تؤدي الى زيادة الافراط في تناولها من دون حل المشكلة الرئيسية. والسؤال الاهم هو كيف يتوقف المرء عن تعاطي المهدئات؟ ثمة عوامل عدة تلعب دوراً في تحديد نوعية الادمان وكيفية التخلص منه. وتبدأ هذه العوامل بنوعية العقار. فاذا كان المتعاطي يتناول الاسبرين اكثر من مرة يومياً للتخلص من الصداع المستمر المرتبط بالتوتر، فان المسألة تظل محصورة في العادة لا اكثر. لكن اذا استمر الألم وتناول مسكنات اقوى من الاسبرين تحتوي على مواد مخدرة كالكودايين مثلاً، ومشتقات الافيون، فان الاعتماد والادمان يكونان واردين تماماً. وفي كل الاحوال، من الافضل سؤال الطبيب المعالج الذي سيصف العقار المناسب، ويعلم المريض بنوعيته وامكانية الادمان او الاعتماد عليه او عدمه. من جهة ثانية كلما زادت الجرعة كلما زاد ثباتها بشكل يومي، ويستثنى من ذلك مضادات الاكتئاب والمعقلات التي يصفها الطبيب النفسي للمريض وكذلك العقاقير المضادة للصرع. كما ان مدة الاستخدام تزيد بالعادة درجة الاعتماد، خصوصاً بعد استخدام المهدئات بشكل مستمر وثابت لمدة تتراوح بين اربعة اشهر الى سنة. وثمة شخصية معينة ذات سمات محددة، تجد صعوبة في التوقف عن المهدئات مثل الذين يعانون من قلق دائم او الذين يحتاجون الى مساعدة الآخرين، واصحاب المزاج المتقلّب، وغير القادرين على التأقلم مع المتغيرات واولئك الذين تتميز شخصيتهم بالاستسلام للظروف وللآخرين. ويقتضي التوقف عن تعاطي المهدئات اتبات خطوات تبدأ بضرورة اختيار الوقت المناسب، بمعنى عدم وجود ضغوط حياتية معينة. وان تكون الجرعة الاجمالية لما يتناوله المرء في حدود المعقول، وهذه مسألة يحددها الطبيب المعالج. ثم اختيار عدد المرات التي يتناول فيها العقار، والتخفيف من الجرعة في بداية البرنامج افضل من تخفيفها في آخره. كما يجب الاحتفاظ ببعض الحبوب من العقار كضرورة للطوارئ. والاهم ان يعي المرء انه قادر على التحكم في امر يتعلق به، وانه غير مسلوب الارادة. ولم لا يحاول البوح بمشاكله وبما يدور في ذهنه الى شخص يثق به!