يبدو ان جميع حكام كرة القدم في تونس ومن دون استثناء يتلظى بنار الجماهير ورؤساء الاندية والصحف الرياضية. وصرح الدكتور طارق بن مبارك رئيس اتحاد الكرة في تونس في سهرة رمضانية بمناسبة ذكرى غزوة بدر الكبرى "الليلة قرأت الفاتحة على التحكيم في تونس، هذا التحكيم يعيش منعطفاً حاسماً فإما ان يمر او ينكسر... ومن يريد ان يقضي على مستقبله فليقبل الرشوة". وما زالت صورة هدف الارجنتيني مارادونا بقبضة يده في شباك المنتخب الانكليزي في مونديال 86 والتي ادارها الحكم التونسي علي بالناصر تلاحق مسيرة التحكيم التونسي غير المنتظمة. واذا اشاد المراقبون بمردود حكم الخط التونسي العروسي المنصري في مونديال فرنسا 98، والمستوى الجيد لمراد الدعمي في نهائي كأس ابطال افريقيا بين اسيك ابيدجان العاجي وبريميرو اغوستو الانغولي فان ذلك لا يمنع اجماع الرأي العام في تونس على وجود ازمة حقيقية في التحكيم المحلي. لا يضيء الا على البراني! هذا التحكيم اضحى مثل قنديل باب منارة محلة وسط العاصمة لا يضيء الا على البراني في الخارج حسب تعبير حمادي بوصبيع احد رؤساء النادي الافريقي سابقاً والوجه البارز للنخبة الرياضية في تونس . وتجمع بين التونسيين والليبيين اواصر اخوة وعلاقات مصاهرة ومصالح مشتركة، ومع ذلك فان الليبيين عموماً هم موضوع طرافة وتندر لدى التوانسة الذين يعتقدون بان ليبيا تمتلك الثروة وهم يتميزون بالمادة "الشخماء" حسب التعبير البورقيبي، يعني بالفطنة والذكاء. وبعد ظاهرة اللاعبين الليبيين المحترفين في الاندية التونسية ومن ابرزهم طارق التايب لاعب النادي الصفاقسي، اسند اتحاد الكرة في تونس ادارة احدى مقابلات الدوري الاخيرة الى الحكم الليبي الشملاني، كما ان ثالوث تحكيم ليبياً ادار باقتدار اللقاء الودي بين فريق ميلان الايطالي والترجي التونسي في العيد الثمانين لعميد الاندية التونسية. وعرف الحزب الحاكم في تونس، الذي قاد حركة التحرر الوطني وبناء الدولة الحديثة ويسعى للتأقلم مع التحولات الديموقراطية، تغييراً في تسميته حسب مقتضيات وشعارات المرحلة من الحزب الاشتراكي الى التجمع الديموقراطي لكن صفة واحدة لازمت مسيرته التي تمتد اكثر من 70 سنة وهي "الدستوري" كدلالة على احترامه للدستور التونسي وسعيه نحو اعلاء دولة القانون. واذا تميزت مسيرة القضاة والمحامين في تونس بالمعارك العديدة التي خاضوها من اجل استقلالية القطاع، فان التحدي الكبير الذي يواجه المهنة هو الرفع من مهنية منصوري القضاء والمحاماة عبر "الرسكلة" - دورات الصقل- والتكوين والاعداد لدعم مصداقية اهل العدل وكفاءتهم في زمن وحوش مافيا المال. اما بلغة كرة القدم، فقد ادار 58 حكماً مباريات الدوري في دور الذهاب، ويشرف على قطاع التحكيم وطنياً اللجنة الفيدرالية للتحكيم برئاسة الحكم الدولي السابق الناصر كريم بمساعدة رابطات محلية في الشمال والوسط والجنوب. وعرف التحكيم في تونس اجيالاًَ متعاقبة امثال الهادي عبدالقادر وفيكتور حبيب في الستينات وعلي بالناصر والجويني في الثمانينات وصولاً الى جيل اليوم بوكثير وهشام قيراط ومراد الدعمي، وبرز من محافظة الكاف في الشمال الغربي عاطف اليعقوبي، ومن مدينة الجلاء بنزرت فريد الساحلي، في حين لم تنجب صفاقس منذ اعتزال بوستة حكاماً بارزين. ويتقاضى حكم الدرجة الاولى على كل مقابلة 200 دينار تونسي الدولار يساوي 1ر1 دينار، وهو مبلغ يساوي او يفوق بقليل الاجر الادنى الشهري في تونس، في حين يحصل حكام مقابلات الدرجة الثانية على 100 دينار على كل مقابلة. عملياً، فان حكام الدرجة الثانية هم الاكثر تعرضاً الى التجاوزات والاعتداءات في الدوري. وشهدت هذه التجاوزات منعطفاً خطيراً، ما جعل النقاش يتحول الى قبة البرلمان خلال مناقشة موازنة 9919، وقد اعلن وزير الرياضة رضا النجار ان قرارات عدة ستعلن لحماية الحكام وتهدف الى القضاء على العنف والانحراف الاخلاقي في الملاعب، وتتميز عادةً المعالجة التونسية بالواقعية والمرحلية والابتعاد عن المغالاة. وكتبت الصحف التونسية في تعليقها على اداء حكم مباراة تونس والمانيا في الارجنتين 7819 والذي حرم منتخب تونس من التأهل الى الدور الثاني: "الكفاءة والشجاعة وحسن تطبيق القوانين هي صفات ملازمة للحكم. ويبدو ان غياب هذه الصفات يلخص الامراض التي يعاني منها التحكيم المحلي. وفي حين ينادي حكام تونس بدعم التأمينات وتوفير الزي والنقل والرفع من قيمة الحوافز، فان الاتحاد والرأي العام يدعوان الحكام الى تطبيق القانون بحزم وعدم التمييز بين الاندية الكبرى والصغرى والابتعاد عن بعض السلوكيات التي اصبحت تنخر هذا السلك، اذ ليس من المعقول طبخ بعض القرارات التحكيمية في المقاهي... واصبح البعض يتحدث عن "سوق الحكام" الامر الذي يفتح باب ملف الفساد على مصراعيه". وتتميز المعالجة التونسية لهذا الموضوع الحساس بالطرافة والتدقيق، ففي مجال الخدمات المقدمة للمواطنين في الادارات العامة والمصالح المختلفة احدثت خطة "المواطن الرقيب" وهو موظف حكومي يكلف لمدة سنة القيام بزيارات سرية الى مجالات الخدمات ويقدم تقريراً الى الحكومة عن التجاوزات، وعادة ما يتميز بمستواه الاكاديمي الجيد ويؤدي اليمين قبل اداء مهمته. وبانتظار تعميم المراقبة الالكترونية في ملاعب تونس، فان خطة "الحكم الرقيب" لا يمكن الحكم عليها لحداثتها، فقد انطلقت في بداية الدوري الحالي. ويبدو ان التحكيم في تونس مرتبط اشد الارتباط بالمرحلة الانتقالية التي تعرفها كرة القدم المحلية من الهواية الى الاحتراف. وككل مرحلة انتقالية فان ازمات وامراض عديدة تلازمها. وبانتظار خريجي التحكيم من المعهد الاعلى للرياضة والمدرسة النموذجية فان يسر سندالله ومحمد المدب وفؤاد البحري يمكن ان يفلتوا من نار الجماهير ورؤساء الاندية والصحف وان يبشروا بمستقبل تحكيمي تونسي جيد. اسئلة عن الدوري وانطلقت قبل 10 أيام منافسات الجولة الحاسمة من بطولة الدوري علماً بأن 8 أندية تأهلت لها، ووسط اجواء تبعث على التفاؤل خصوصاً بعد فوز المنتخب على نظيره الجزائري 1-صفر في الجزائر ضمن تصفيات كأس الامم الافريقية عام 2000. لكنه تفاؤل مشوب بالحذر لان المستوى الفني للدور الاول الذي شارك فيه 24 فريقاً توزعوا على مجموعتين كان متوسطاً اجمالاً. ثم ان نظام المجموعتين لا يزال يثير تساؤلات اهمها انه يحصر رهان التتويج بين الفرق الاربعة الكبيرة الترجي تونس والافريقي والنجم الساحلي والصفاقسي. واذا عزز الصفاقسي صفوفه بالنيجيري جون زاكي وتماثل صانع العابه اسكندر السويح للشفاء فان ذلك لم يكن كافياً لرد الخسارة امام البنزرتي بهدفين. اما النجم الساحلي الذي مر بفترة حرجة في الدور الاول ففاز على ترجي جوجيس 4-صفر بعد اصلاحات عميقة قامت بها ادارة النادي حيث عينت النجم الدولي السابق لطفي الحسومي مساعداً للمدرب الفرنسي جان فرنانديز وضمت لاعب الصفاقسي السابق لويس غوميز. اما النادي الافريقي صاحب المركز الثاني في شعبية العاصمة بعد الترجي، فان 3 أهداف فقط هزت شباكه في الدور الاول وبقي احباؤه يتساءلون عن القيمة الحقيقية للاعبيه الجدد والتقدم في السن لعدد من نجومه امثال الامام والرويسي؟ وقد ضمت الادارة اللاعب التونسي الغزغازي الذي كان يلعب سابقاً في انكلترا كما ضمت اليوغوسلافي ايغور وجددت الثقة بالهنغاري ميهالي توث. وبالنسبة الى الترجي فهو مستعد تماماً باعتبار ان 10 من لاعبيه منضمون الى المنتخب وقد بدأ جولة الحسم بالفوز على مستقبل المرسي بهدفين وهو ضم الى صاحبي الهدفين النيجيريين اوكولوزي واغواي الكونغولي نسولولو... لكن السنة الحالية هي سنة الانتقال من الهواية الى الاحتراف الكامل، وبدأت الاندية الكبيرة في استقطاب ابرز لاعبي الاندية الاخرى. هذا يعني ان مباريات كثيرة بدأت تفقد نكهتها، الامر الذي جعل التساؤل عن سبب غياب الجمهور من دون معنى.