لم يكن معظم أطباء الأطفال يعيرون اهتماماً حتى وقت قريب لتأخر الأطفال في النطق. وغالباً ما كانوا ينصحون الأبوين بتجنب الاستعجال وعدم البحث عن علاج وترك الطفل يتعلم الكلام والنطق على هواه. لكن هذا الاتجاه تغير ويُطلب من الآباء الآن ملاحظة أي علامة على تأخر الطفل في الكلام وطلب الاستشارة الطبية حين ملاحظة تأخر الكلام حتى في السنة الاولى من عمر الطفل. فسبب الصمت قد يرجع الى فقدان حاسة السمع أو الاصابة باضطرابات عصبية، ويمكن للتدخل المبكر أن يصلح عيوب الدماغ، والكلام المتواصل مع الطفل الصغير قد ينقذه. تصليح الدماغ تكشف الدراسات الطبية الجديدة أن الأطفال الذين يعانون مشاكل في الكلام قد يواجهون في وقت لاحق صعوبات في القراءة ومشاكل اجتماعية. وذكر تقرير في صحيفة "نيويورك تايمس" أن دراسات جديدة أظهرت أن الكلام مع الأطفال الصغار جداً قد يساعد على اصلاح عيوب يُحتمل وجودها في شبكة ترابطات الدماغ. وتزداد فرص الدماغ في اعادة التنظيم كلمّا حدث التدخل في وقت مبكر. ذكرت ذلك الدكتورة ديانا بول براون المديرة في "الجمعية الأميركية للنطق واللغة والسمع" في روكفيل، ولاية ميريلاند. ويستخدم علماء الأعصاب أدوات متقدمة جديدة لدرس الأعمال الداخلية لدماغ الأطفال والرُضّع لمعرفة الاسس البيولوجية للغة. وتشير النتائج الأولية الى أن قدرة الشخص على الفهم وقول الكلمات تبدأ في الشهور القليلة الاولى من الحياة. ويذكر الخبراء أن هذه الفحوص تقدم أدلة قوية على أن الجهود لاصلاح عيوب الكلام ينبغي أن تبدأ في أبكر وقت ممكن. وتذكر الدكتورة باتريشيا كول استاذة النطق والسمع في جامعة واشنطن في سياتل أن العلم جمّع خلال العقد الأخير معرفة هائلة بحجم التعلم الجاري في دماغ الطفل في الفترة الاولى من العمر. وتقدم اللغة أكبر مثال على ذلك. وكان الاعتقاد سائداً بأن لا شيء يجري حتى تظهر دلائل على البدء بالكلام، لكن يعرف العلماء الآن أن أشياء هائلة تجري في دماغ الطفل خلال فترة الصمت. وفي حين ينعم العلم بهذه الاكتشافات الجديدة يواجه الآباء معضلة. فكيف يمكن التمييز بين التطور الصحيح للكلام بكل ما فيه من أغلاط معروفة والعيوب اللغوية التي تستدعي التدخل الطبي؟ وإذا كان من السهل تشخيص مشاكل اللغة لدى أطفال في عمر 9 سنوات فمن الصعب تماماً معرفة طبيعة ثرثرة وتخبطات وتحريفات لغة الأطفال في عمر سنتين أو 3 سنوات. النطق والاتصال ويذكر الدكتور مايكل كننغهام استشاري "مركز الأنف والاذن والحنجرة للأطفال" في بوسطن أن القدرة الاتصالية أهم من صحة النطق. وعلى الآباء أن لا يتوقعوا من الأطفال نطق الكلمات بوضوح جداً، لكن أن ينتبهوا الى اسلوب حديث الطفل وإلقائه وإيقاعه الكلامي. هل يبدو، على سبيل المثال سؤال الطفل كسؤال؟ ففي هذا العمر ينبغي توقع صعوبات في نطق الحروف وعدم القلق في شأنها. وكثير من الأطفال يفأفئون ويتعثرون في الكلام، ذلك ببساطة لأن الدماغ يعمل أسرع من عضلات الفم وليس بسبب وجود مشكلة مستعصية. وقد يمكن القلق إذا كانت الفأفأة موجودة في العائلة أو إذا رافقتها أعراض اخرى كالرمش في العين أو خفقان اليد كما لو كان الطفل يحاول أن يدفع الفأفأة. وبالنسبة لمعظم الأطفال تُزهر القدرات اللغوية في عمر ما بين 18 شهراً وسنتين، حين تتدفق الكلمات سوية بقواعد نحوية بدائية. يعرف الأطفال في هده المرحلة 50 كلمة في المعدل. وتذكر الدكتورة ربيكا لاندا طبيبة الكلام في كلية طب جونز هوبكنز في بالتيمور أن شيئاً ما يحدث للدماغ أثناء ذلك يمكن الطفل من التقاط حسّ النحو. على سبيل المثال معظم الأطفال في عمر سنتين يقولون إرمِ الكرة، وليس الكرة إرمِ. وتذكر الدكتورة اليزابيث برايان استشارية الأطفال في بريطانيا ورئيسة "الجمعية الدولية للتوائم" أن التوائم يتأخرون في الكلام عادة. سبب ذلك أن التوائم يولدون غالباً بشكل مبكر والأطفال المولودين قبل الأوان يتأخرون في الكلام عادة. إضافة الى ذلك يحصل التوائم على أسوأ معلم للكلام. فهما يقلدان بعضهما البعض!