انتبهوا. ثلثا جميع سكان الأرض الذين تفوق أعمارهم 65 عاماً والذين ولدوا منذ فجر البشرية إلى يومنا هذا يعيشون بيننا اليوم، ونفوذهم أقوى مما يتصور الكثيرون. هؤلاء سيغيرون وجه العالم القرن المقبل. لوريغ يخباريان، نائبة رئيس "أميركان اكسبرس"، مهتمة بمتابعة ظواهر التحول في سلوك المستهلكين، تؤكد أن ميزان القوى تغير وأنه يميل اليوم باتجاه الفرد على حساب قطاع الأعمال، وأنه يتحول من البائع لصالح المشتري ورغباته. السبب في نظرها هو الارتفاع التدريجي لنسبة السكان الكهول والشيوخ، وأيضاً بسبب تأثير الانترنت. في عام 2025 ستكون غالبية الناخبين الأميركيين من الكهول والعجزة. الأمر نفسه سينطبق على بريطانيا ودول أخرى كثيرة تدور في فلك العالم الصناعي. الأذواق ستختلف حينها وستكون الموضة الشائعة التي تحاول دور التجارة اللحاق بها هي موضة...العجائز. الأممالمتحدة تتوقع أن يرتفع عدد الذين تراوح أعمارهم بين 65 و85 عاماً من 400 مليون حالياً إلى 3،1 بليون نسمة عام 2050. وسيكون هناك 13 بلداً تتجاوز نسبة الذين تتجاوز أعمارهم 80 عاماً عشرة في المئة من السكان. من تفوق أعمارهم 50 عاماً يمثلون الشريحة الاجتماعية الأسرع نمواً في العالم الصناعي الذي يملك 70 في المئة من إجمالي الانتاج العالمي. السكان الذين تراوح أعمارهم بين 50 و75 عاماً يشكلون اليوم ثلث سكان الاتحاد الأوروبي، وهؤلاء يملكون وحدهم 75 في المئة من إجمالي الثروات الفردية في بلدان الاتحاد، وهذا ما يمنحهم ثقلاً في الحياة الاقتصادية والاجتماعية يتجاوز حدود الشريحة العمرية التي يمثلونها، أو معدل نسبتهم المئوية بين السكان. في اليابان تتوقع دوائر الاحصاء أن يكون هناك عجوز في سن المئة، عام 2050، مقابل كل ثلاثة صغار دون سن الثامنة عشرة. بداية الألفية الثالثة تقترب ومعها، على ما يبدو، نهاية ثقافة الاستهلاك الموجهة لإرضاء حاجات الشباب. هذه الثقافة طبعت العالم منذ ظهر "المجتمع الاستهلاكي" بعد الحرب العالمية الثانية، في وقت شهدت معدلات الولادة ارتفاعاً كبيراً. الأميركيون عمموا فكرة انتاج السلعة الواحدة بمعايير متشابهة: مئات وآلاف وملايين المرات، ليصبح همّ المستهلك في هذا "المجتمع الاستهلاكي" الناشىء اختيار أحد الأصناف الوفيرة والمتباينة من السلعة نفسها، بعدما كان همه الأول من قبل العثور على السلعة النادرة نفسها، بغض النظر عن شكلها. في الولاياتالمتحدة وأوروبا تشكل ظاهرة التقدم في السن مسألة لافتة، لأنها تحمل دلالات اجتماعية وتاريخية عميقة. الذين يقتربون من سن الخمسين اليوم هم أبناء "الطفرة" الديموغرافية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وهم أيضاً الذين قادوا العالم في خياراته الثقافية والاجتماعية والفكرية من قبل، ويقودونه اليوم الى خيارات مغايرة في القرن المقبل. عدد أبناء "الطفرة" ممن تراوح أعمارهم بين 35 و50 عاماً أو الذين ولدوا بين 1946 و1964 يبلغ اليوم 78 مليوناً في الولاياتالمتحدة وحدها، وهذا الرقم يكاد يقارب ثلث عدد السكان فيها. أهمية الظاهرة أنها تجعل ظاهرة الانفاق المالي والاقتصادي في المجتمع تتحول الى إرضاء المستهلك - الفرد العجوز الذي تفوق سنه 50 عاماً. والمسألة لا يستهان بها لأن هذه الفئة من السكان تملك اليوم في الولاياتالمتحدة وحدها، موارد مالية متاحة تبلغ 930 بليون دولار، وستصل هذه الأرقام عام 2003 إلى تريليون دولار. وهذا الرقم الكبير يُسيل لعاب المهتمين ببيع الخدمات وفي طليعتها الترفيه والسياحة، والأمر لا يقتصر على الولاياتالمتحدة وحدها بل يمتد أيضاً ليشمل كل بلدان العالم التي تريد أن ترفّه عن هؤلاء المستهلكين، وبينها البلدان العربية السياحية. في لندن بدأ الاثنين الماضي معرض "سوق السفر العالمية" بحضور 5100 شركة عارضة وعشرات ألوف المشاركين والزوار من مختلف أنحاء العالم. اقتراب الحدث من موعد انتهاء الالفية الثانية دفع الخبراء إلى التحدث عن توقعاتهم وتقديراتهم، وبعض هذه التقديرات كان مفاجئاً. آنجيلا هورسمان، مديرة التسويق في مجموعة "ساغا هوليدايز" البريطانية للعطلات، لاحظت بدورها أن بريطانيا تخضع لهيمنة المتقاعدين والعجائز، ونبهت إلى أن هناك اليوم 35 في المئة، أو 4،16 مليون مواطن بريطاني، ممن تراوح أعمارهم بين 50 و75 عاماً، وهؤلاء سيعيشون لمدة 20 إلى 30 سنة. الدعوة إلى الاهتمام بأذواق هذه الفئة السياحية المتعاظمة غلبت على مداخلات الخبراء ومداولاتهم. المشهد بدا متغيراً عن الستينات والسبعينات والثمانينات، حينما كان الاهتمام بهؤلاء السياح، في فترات شبابهم السابقة، يدفع المخططين والخبراء إلى تعميم فكرة "السياحة الجماهيرية" الكثيفة. الهدف كان الإكثار من عدد السياح وتأمين عطلات رخيصة، ولا سيما للعائلات وأطفالها، مقابل تحقيق ربح ضئيل، لا يتجاوز أحياناً الدولار أو الدولارين عن رحلة الشخص الواحد. يملك أبناء "الطفرة" 70 في المئة من مجموع الأصول المالية في كامل الولاياتالمتحدة ويمثلون 50 في المئة من إجمالي قدرة الشعب الاميركي على الانفاق. وهم كذلك يشكلون 80 في المئة من موازنات السفر الفخمة علاوة على كونهم مسافرين من الطراز الأول. وهم أيضاً ينفقون أكثر على الرحلات التقليدية بنسبة 74 في المئة، ويشترون 50 في المئة من مجموع الرحلات البحرية، وإن كان المتقاعدون والعجائز الأوروبيون يقبلون على الرحلات البحرية بمقدار يفوق إقبال زملائهم الكبار في السن في الولاياتالمتحدة. في العقود الثلاثة الماضية شاعت ظاهرة استخدام الفتيات الصغيرات في عمر الخامسة عشرة أو السادسة عشرة للعمل كعارضات أزياء وموديلات تصوير لتخليد فكرة الشباب الأزلي. الموضة اليوم تتغير. البعض يتوقع أن يكون المطلوب من العارضات، مطلع القرن المقبل، أن يكن في سن السبعين للفوز بالوظيفة المعروضة عليهن! الموضة الجديدة قادمة من الشمال وهي ستغير أذواق العالم الثالث. إنها موضة... الشيخوخة.