سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رئيس وزراء السويد السابق أكد ل "الحياة" أن الدولة الفلسطينية ستقوم في المستقبل القريب . اندرسن: باراك عسكري يحدد أهدافه قبل تحقيقها وهدفه الآن ... السلام مع سورية
حطت طائرات رئاسية من مختلف دول العالم في مطار أوسلو الدولي صباح أمس الاثنين، من بينها طائرة كل من الرئيس الأميركي بيل كلينتون ورئيس وزراء اسرائيل ايهودا باراك والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وذلك لاحياء ذكرى مقتل اسحق رابين. وتفتقد الوفود التي وصلت الى النروج الصديق المقرب من عرفات رئيس الوزراء السويدي الأسبق ستن اندرسن صاحب المبادرة الأولى والأساسية لاتفاق أوسلو. يهدر صوت القطار المتجه من استوكهولم الى ضاحية اوسمو وتطاير من حوله أوراق الخريف الصفراء التي تنبه ان الشتاء آتٍ لا محال. يصعد ستن اندرسن الى حافلة القطار ببطء بسبب كسر في احدى رجليه ولكن القوة ظاهرة على وجهه الأبيض على رغم انه صار على مشارف الثمانين من العمر. يباشر بالقول: "غريب أن يأتي معظم زعماء العالم الى مدينة أوسلو فقط لاحياء ذكرى رابين، لماذا الآن ولماذا في أوسلو؟ من الطبيعي ان الهدف من لقائهم في هذا الوقت بالذات هو الاستعجال في الوصول الى حل نهائي يرضي جميع الأطراف. لم يعد هناك الوقت الكثير للمطالة والتأجيل، فالوقت المحدد لاتفاق أوسلو ينتهي في أيلول سبتمبر 2000 ومن الأفضل للجميع أن تصل عملية السلام الى بر الأمان قبل هذا التاريخ، وشخصياً أنا متفائل ان لقاء أوسلو سيكون محطة مهمة في عملية السلام". ويشرح اندرسن برحابة صدر ولكن بكثير من التحفظ والسرية انه لن يقول أي شيء يضر بعملية السلام ولهذا لا يرغب في التنبؤ بالنتائج التي سيخرج بها المجتمعون في أوسلو اليوم ولكنه يعود ويؤكد: "أنا لا أتنبأ لأني أعرف والذي يعرف لا يتنبأ، واحساسي يقول لي ان اجتماع أوسلو اليوم هو من أهم المحطات التي مرت بها عملية السلام حتى اليوم". تاريخ ستن اندرسن في الحركة العمالية السويدية والحزب الاشتراكي الديموقراطي السويدي تاريخ طويل، فهو من الأشخاص الذين رافقوا الزعيم الراحل اولوف بالمه في رحلته السياسية. وشغل مناصب عدة من أهمها سكرتير الحزب ووزير خارجية السويد من منتصف الثمانينات حتى نهاية 1991، وهي المرحلة التي عمل فيها اندرسون بكل جهده لايجاد حل للقضية الفلسطينية. وتاريخ البدء بالحل يعود الى 1988. ولكن في 1991 خسر الحزب الاشتراكي الانتخابات في السويد ووصل اليمين الى السلطة. وعن هذا يقول اندرسن: "عندما خسرنا الانتخابات طلبت من الفلسطينيين التوجه الى النروج وذلك لسببين: أنا كنت على ثقة أن اليمين السويدي لن يعطي أهمية كبيرة لأزمة الشرق الأوسط، خصوصاً ان زعيم الكتلة اليمينية كارل بيلدت، كان المفوض الأوروبي في البوسنة والهرسك شخص يفضل الساحة الأوروبية على الساحة العالمية وأحياناً اشكك في مدى معرفته بأزمة الشرق الأوسط. أما السبب الثاني فهو التعاطف الموجود في الشارع النروجي مع الاسرائيليين. والنروج هي الوحيدة التي كان من الممكن أن تحل مكان السويد. وبمجرد انتقال المبادرة الى النروجيين ضربنا عصفورين بحجر واحد فالنروج عضو في الحلف الأطلسي ناتو ولها اتصالات مستمرة ومباشرة مع الولاياتالمتحدة يمكن استغلالها، ويمكنها أن تضغط على اسرائيل لايجاد حل للأزمة بسبب الثقة التي تتمتع بها النروج في الشارع الاسرائيلي". ويشرح اندرسن ان السويد التي قامت بتوجيه نقد شديد اللهجة للسياسة الاسرائيلية في المنطقة وضعت السويد في خانة المساند للقضية الفلسطينية مما خلق عدم ثقة من جهة الاسرائيليين، ويرفع صوته قليلاً: "نحن انتقدنا اسرائيل كلما كانت تقوم بخرق المفاهيم الدولية وحقوق الانسان، وسنستمر في محاسبتها وتوجيه النقد لها كلما خرقت تلك المفاهيم وحقوق الانسان". تعرض اندرسن لهجمات سياسية عديدة من قبل اللوبي اليهودي في السويد. ويشير في خلال حديثه ان اللوبي اليهودي له قدرة قوية في السويد ولكنه أقوى في النروج. احدى أكثر المرات التي هوجم فيها اندرسن من أصدقاء اسرائيل في السويد كانت سنة 1988 عندما القى كلمة عن سياسة السويد الدولية أمام البرلمان السويدي وختم كلمته بقراءة الصفحة الرقم 1711 من دليل الهاتف السويدي: "ممنوع التخلي عن أي جزء من أرضنا بدون مقاومة عنيفة. وإذا نجح العدو في احتلال جزء من أرضنا وتمكن من السيطرة عليها وبنى سلطته فوقها فهي تبقى بعد ذلك أرضاً سويدية. المقاومة ستستمر في المنطقة المحتلة بعد ذلك، والمحتل يجب أن لا يشعر بالأمان والمقاومة تستمر حتى تحرير كامل البلاد. هذا ما تنص عليه الشرائع الدولية. والهدف واضح الاستمرار في المقاومة. الحقوق هذه للشعب السويدي ونفس الحقوق يجب أن تكون للشعب الفلسطيني". يقول اندرسن إن اجتماعات سرية تعقد في السويد منذ 1994 وأميركا بين أربعة أكاديميين، اثنين من الطرف الفلسطيني واثنين من الجهة الإسرائيلية. تلك الاجتماعات التي عقد أكثر من 30 اجتماعاً منها في السويد تهدف إلى خلق حل أكاديمي للأزمات المعقدة مثل القدس والمياه والحدود واللاجئين. ويؤكد أندرسن ان هؤلاء استطاعوا ان يناقشوا كل المشكلات والعقبات، وانهم سيجدون حلاً يناسب الجميع. "سنشهد قيام دولة فلسطينية في المستقبل القريب، هذا واقع، ولكن يجب أن تكون لمواطني هذه الدولة حياة مقبولة تكرمهم". ويخرج قليلاً من تفاؤله ليشير إلى مشكلة إنسانية كبيرة قد تنتج عن سياسة ايهود باراك. "علمت ان باراك يخطط لبناء جدران أو أسلاك شائكة تفصل المناطق الفلسطينية بعضها عن بعض وعن المناطق الإسرائيلية. لو تم هذا فسيكون كارثة على الشعب الفلسطيني الذي قد يحكم عليه بالفقر والقهر لفترة طويلة من الزمن". التقى اندرسن بباراك أكثر من 60 مرة، ويقول عنه إنه يحمل حلمين يرغب في تحقيقهما: أن يصبح الرجل الذي يخلق السلام لإسرائيل، وأن يخفف الصراع الداخلي في المجتمع الإسرائيلي. ويشير اندرسن إلى أن الإسرائيليين اليوم مشتتون أكثر بكثير من الفلسطينيين، فهم يعيشون صراعاً داخلياً مريراً قد تكون نتائجه وخيمة، ولهذا يرغب باراك في خلق تسوية في الشارع الإسرائيلي. "أحد الأشياء التي تشير إلى رغبة باراك في جمع الشمل الإسرائيلي، بناء حكومة تتألف من متدينيين وعلمانيين. وهو يرغب في تحقيق السلام لإسرائيل، ولكن هذا السلام لا يمكن، بل من المستحيل أن يتحقق من دون تسوية مع سورية الأسد. كي يتحقق سلام عادل وشامل في المنطقة يجب أن يعود كامل الجولان إلى سورية. أنا متأكد ان باراك سينسحب من جنوبلبنان في الوقت الذي حدده، وذلك بغض النظر إذا تم الاتفاق مع سورية أم لا. ولكن انسحاباً من جنوبلبنان من دون الاتفاق مع سورية للانسحاب من الجولان سيخلق متاعب كبيرة للإسرائيليين". ويحاول اندرسن ان يشرح طريقة باراك "الغريبة" كما يصفها شخصياً، فيصفها بالمتعرجة التي تخبئ الكثير من المفاجآت: "باراك رجل عسكري يحدد أهدافه قبل أن يباشر تحقيقها. وهدفه الحالي أن تتم تسوية مع سورية في فترة وجود الأسد في الرئاسة. ولكن الطرق التي سيسلكها باراك متعرجة ومن وقت لآخر سيفاجئنا بأعمال تجعلنا نقف وننظر بحيرة إلى ما يقوم به، فهو سيخلق مفاجآت كثيرة في المستقبل". يقول تلك الكلمات ويحمل شنطة الظهر ويخرج متوجهاً إلى بيت اخيه الذي ينتظره بين شجر استوكهولم الذي يتساقط ببطء ولكن بثقة، معلناً ان الشتاء آت. ويلتفت اندرسن من جديد ليقول: "ستكون نتائج مهمة في أوسلو، ودولة فلسطينية آتية، قد تكون آتية ببطى، ولكن بثقة".