منذ 1989 وقضية الحجاب في المدارس الفرنسية تثير الحساسيات، لكن هذه القضية تنفجر ثم تهدأ بين الحين والآخر، وقد عادت الى الواجهة مطلع 1999 مع استئناف الدروس، بعد عطلة الميلاد ورأس السنة، في مدرسة جان مونيه في مدينة فليرس الصغرى 11 الف ساكن. وبرزت القضية هذه المرة مع تلميذة تركية اسمها اسمانور وعمرها اثنا عشر عاماً وصلت الى المدرسة مرتدية الحجاب الاسلامي، بعد ان اجبرت هيئة التربية الوطنية مدير مدرسة جان مونيه تسجيل الفتاة في الصف الأول الثانوي. وكان المدير وكذلك مدير مدرسة اخرى في فليرس رفضا اسمانور بعد ان قدم والدها، في تموز يوليو الماضي، طلب تسجيلها مصراً على ان ابنته ستحضر الى المدرسة مرتدية الحجاب. وعندما رفضت المدرستان ذلك، بقيت اسمانور في البيت تتبع الدروس بالمراسلة في حين توجه الوالد، في تشرين الثاني نوفمبر الى المحكمة الادارية طالباً الغاء رفض التسجيل. وتحركت التربية الوطنية اثر ذلك، اذ ان قضاء مجلس الدولة في فرنسا واضح بالنسبة لهذا الموضوع ويقول بأن رفض تسجيل فتاة ترتدي الحجاب الاسلامي لا يبرّره سوى رفض الفتاة متابعة بعض الدروس او ان كان تصرفها يخلّ بنظام المدرسة. وقضاء مجلس الدولة يشير ايضاً الى ان ارتداء الاشارات الدينية ليس مخالفاً للعلمانية بحد ذاته، لكنه لا يفترض ان يكون مرتبطاً بالدعوة الى الدين. وفي 4 كانون الثاني يناير عندما وصلت اسمانور بحجابها الى مدرسة جان مونيه لم يخف المعلّمون انزعاجهم وأعلن الناطق باسمهم ما يلي: "لا نريد تهميش هذه الشابة. لكننا نتمنى ان يتم احترام مبدأ العلمانية. ان خلعت الحجاب، نقبلها في الصفوف". وفي اليوم التالي، أدى وصول فتاة لم ترتد الحجاب في السابق محجبة الى مدرسة جان مونيه الى تصلّب في موقف المعلّمين الذين دعوا الى اضراب استمر اربعة أيام. وعلى الفور، وجّهت الوزيرة المنتدبة المسؤولة عن التعليم المدرسي، سيغولين رويال، رسالة دعت فيها الى "احترام قناعات كل انسان"، والمحافظة على "العلمانية في القطاع العام وفي التعليم" والى "الحوار". وكتبت: "المدرسة تشكل عاملاً اساسياً للاندماج، خصوصاً بالنسبة الى الفتيات". كما توجهت الى فليرس وسيطة التربية الوطنية، حنيفة شريفي، التي تعمل منذ 1994 على حلّ مشاكل متعلقة بارتداء الحجاب الاسلامي في المدارس، وقد وصل عدد الفتيات اللواتي تحجبن في المدارس الفرنسية الى 400 طالبة تقريباً. وعملت شريفي، وهي من اصل جزائري، على تهدئة الاجواء وأعلنت موقفها قائلة: "يجب ان يعتبر التعليم بأن المهم ليس الظاهر - وفي هذه الحال الحجاب الاسلامي - بل حياة الولد. بدل رفضه، يجب ان يقول بأنه يمكن تطوير الأمور من خلال التعليم. لا بد من التخلي عن المواقف المبدئية". وبعد المحادثات، عادت اسمانور الى المدرسة بحجابها وعلّق مدير جان مونيه قائلاً: "جاءت الموجهة لتذكرنا بأنه يجب علينا استقبال الشابتين، حتى بالحجاب، ولكنها اوضحت بأن النظر في اجراءات تأديبية، ومنها الطرد، ممكن ان خالفتا النظام". وعلّق المعلمون اضرابهم لأن الأولوية، في النهاية، هي تقديم الدراسة الى الطلاب كافة.