اكثر ما يثير العجب في البورنو كوميدي بين كلينتون ولوينسكي هو عجب الناس لما فعله الرئيس في بيته الأبيض، اي في مركز سلطته. وهذا الامر يحدث كل يوم، بل نكاد نجزم في كل البيوت البيضاء والسوداء التي يملك مفاتيحها الرجل. فمهنة السكرتيرة اخترعت لكي تؤدي المرأة فيها الادوار التي أدتها لوينسكي. ومحظوظة من تعدى رئيسها السن القانوني لتناول عقار الفياغرا! والا فلن تجد من يشفع لها بين الرجال والنساء من موظفي المؤسسة حين يختارها الرجل عشيقة او كمشروع فضيحة. اكدت مادلين اولبرايت في أول خطاب لها بعد قضية لوينسكي، على الاحترام الذي تكنّه لشخص كلينتون قبل كل ما في المؤسسة الاميركية، مبرهنة على ان المرأة مهما بلغت بها الكفاءة، لا تنسى الاعتراف بمنة الرجل عليها في الحصول على موقعها الوظيفي. والحق ان المتدربة لوينسكي لم تفعل شيئاً سوى اثباتها بالبرهان القاطع على ان ما قالته العبيطة باولا جونز كان صحيحاً، وان نصير المرأة الذي لا يجد مناسبة لابداء احترامه لها، والذي صعد على سلم اصواتها في الانتخابات، كان لا يختلف ببساطة عن أي ولد يتعلم الغش بالفطرة في هذه القضية تحديداً، مدعوماً بقوانين التاريخ والجغرافيا والاعراف والتقاليد والقيم الوضعية والروحية. وان بمقدوره ان يجلب قاضية من جنسها تستطيع الذود عن حقه في هذا الغش. فالقضية التي كانت مطروحة بشأن باولا جونز، ان تابعنا ما كتبه الرجال، والرجال العرب على وجه التحديد، ليس حق المرأة في العمل من دون ان تقدم جسدها ثمناً، بل ان كانت هذه المرأة جميلة بما يكفي لكي يقبل كلينتون التحرش بها، وبالتالي منحها الوظيفة او مساعدتها في الحصول عليها. وهي القضية الغائبة عند الحديث عن منطويات حالة لوينسكي وردود افعالها وتدابيرها بما فيها المصيدة التي استخدمتها للايقاع به. كل الهراء الذي كتب عن اخلاق البيت الأبيض الرئاسي والخيانة الزوجية، هو من بقايا النفاق الاجتماعي الذي يجد المجتمع الاميركي القدرة على ان يجعل منه اضحوكة. فهذا المجتمع الفطري الذي يواجه بشجاعة كل علله المستترة وعلى شاشات التلفزيون كل يوم، يخلق ثقافته الشعبوية، وهي على تفاهتها وخطورتها على الاجيال الجديدة التي تتعلم ان لا تعرف الخجل من العيب، الا انها تقوم بالمقابل بعملية تطهير من علل النفاق الاجتماعي. الاشكال في هذه القضية لا يخص كازنوفا وزوجته ولا الطباخ والحارس، ولا فضيحة الانترنت والقاضي ستار الذي استخدم القانون على افضل وجه في معركته الفحولية قبل كل شيء، بل ما وصل اليه مفهوم السلطة في مجتمعات تنتخب رئيسها وتملك القوانين التي مهما حاول هذا الرئيس التحايل عليها، فهي له بالمرصاد. فعندما يصبح الرئيس ووزراؤه مضغة في فم مجلات الفضائح، وعندما يعرف هذا الرئيس انه عرضة الى المحاسبة حتى في غرفة نومه، يدرك انه موظف فوق العادة، اي ان الواجب الذي يقع على عاتقه يفوق كل الحقوق التي يملكها، وان ليس له الحق في الغش حتى في الفراش. وتلك معادلة يصعب علينا كعرب ان نتخيلها حقيقة تدرج على وجه هذه المعمورة، فعدد من حكامنا ادخل الأوطان كلها الى غرفة النوم وما من رقيب. * كاتبة عراقية مقيمة في لندن.