بدأ زياد الرحباني حياته الفنية محترفاً وليس هاوياً ولم ينتظر كثيراً كي تتبلور موهبته الكبيرة. فهو كان في السابعة عشرة من عمره حين أنجز مسرحيته الأولى "سهرية" وقد كتبها بنفسه ولحّنها وأخرجها ومثّل فيها. ومنذ ذاك التاريخ 1973 لم يتوقّف زياد الرحباني عن العمل بل هو انصرف كلّياً الى المسرح والتلحين والتأليف الموسيقيّ. ومن شدّة نجاحه في كلّ الحقول التي عمل فيها أصبح من الصعب الفصل بين زياد الكاتب وزياد المخرج وزياد الممثل وزياد الملحّن وزياد المؤلّف الموسيقيّ. فهو واحد في كلّ ما أعطى وأبدع. وهو واحد في ثورته المسرحية وثورته الموسيقية. ولئن استطاع في مسرحه وحواريّاته الجميلة أن يقترب من هموم الناس وشجونهم فإنّه في موسيقاه نجح كلّ النجاح في خلق هويّة جديدة للموسيقى اللبنانية. ونجح أيضاً في الدمج بين الألوان الشرقية والألوان الغربية ليستخلص نسيجاً موسيقياً باهراً لم يكن مألوفاً من قبل. ومثلما كان طليعياً في موسيقاه الحديثة كان أيضاً أصيلاً كل الأصالة في ارتكازه الى الموسيقى الشرقية والجاز وموسيقى الشعوب. وأهم ما يميّز هذا الفنّان القدير عدم اعتماده على تراث الرحبانيين، عاصي ومنصور على الرغم من كونه سليل هذا التراث. وقد جعله الإرث الرحباني العظيم أمام تحدّ كبير: إمّا أن يغرق فيه ويقلّده وأمّا أن يتخطّاه ويؤسس عالمه الخاص. ونجح زياد الرحباني في رهانه وحقّق معجزته الشخصية وأسس عالمه ولغته وموسيقاه. ترى أيّ زياد هو الأجمل: زياد المسرحيّ أم زياد الملحّن أم زياد المؤلّف الموسيقيّ؟ وماذا عن زياد الممثل أيضاً؟ وماذا عن زياد وفيروز؟ إنّه زياد الرحباني نفسه في كلّ ما أعطى وأبدع. زياد الرحباني الظاهرة التي يصعب أن تتكرّر. إنه زياد الرحباني في قلقه المبدع، في براعته وعفويّته، في ثورته التي ستظلّ أصداؤها تتردّد في حياتنا